بكر أبو بكر
أمد/ ما بين فهم فكرة ومصطلح السلطة بصفتها كيان ممهد للدولة عبر المؤسسات اللازمة، وما بين اعتبارها حكومة وبرامج قابلة للتغيير، او باعتبارها شخوص يتم شن الحرب على الجذور منعًا لاعتدال السلطة، وقطعًا للطريق على الدولة الفلسطينية القائمة لكنها تحت الاحتلال.
دعني أقول هنا الى أن الشروط التعجيزية التي يضعها نتنياهو على “السلطة”، والتي يتساوق معها الأمريكان، ولن يقبلها الفلسطينيون مطلقًا تتراوح -الى ما سبق مما ذكرناه-بين تغيير المناهج وعدم ذكر فلسطين وروايتنا التاريخية، واعتراف أبدي أن فلسطين لهم، وشتم الأسرى والشهداء، وشطب “الانروا” لأنها تصدم نفسية الإسرائيليين! أن هناك لاجئين مازالت قضيتهم بعنق الغرب المجرم والإسرائيلي الغازي! ويجب أن تنتهي…وهكذا.
ولأن الفلسطينيين لن يقبلوها، فإن الدولة الفلسطينية “المتخيلة” من قبل الغرب المتوحش تصبح وهمًا وهروبًا من الأمريكان وكذلك الإسرائيليين من الواقع كما هي التفاف بزاوية كبيرة على حق الفلسطينيين الذي لا يزول بتقرير المصير واستقلال دولة فلسطين.
أن الطرح الأمريكي المتعلق بواجبات السلطة “المتجددة” بأي فهم ورد في كثير من مبادئه خيالي أو مرفوض، أو يتفق مع السعي الإسرائيلي بالمداورة والمناورة لعدم الوصول لمرحلة الاعتراف الإسرائيلي بالدولة الفلسطينية مطلقًا، بل أن الطرح الأمريكي يخدم هذه الهدف أوبالحد الأدنى لا يحيد عن “مبادئ” كثيرة مقيّدة او متجاوزة كثيرًا للمطالب الفلسطينية العادلة والمحقة، بضرورة الانتقال الفوري من السلطة الى الدولة والاعتراف العالمي بها كشرط أساسي لما يليها.
نرى بوضوح أن لا حديث يجري بتاتًا لا عن المستعمرات واغتصاب الأرض، ولا عن عصابات الإرهابيين المستعمرين، ولا عن القدس عاصمة دولة فلسطين، ولا عن الحدود!؟ ولا عن التواصل البرّي مع قطاع غزة، ولا عن الموارد الفلسطينية من مياه ونفط وغاز…الخ، ولا عن السيادة ولا عن اللاجئين وعودتهم.
إن كل الحديث الدائر إسرائيليًا وغربيًا (وأحيانًا عربيًا) أو مجملُهُ هو حول عناوين (ثانوية) للفلسطيني الحرّ استنادًا لأولوية تحقيق استقلال دولة فلسطين الآن بعد وقف العدوان. وهي أحاديث تتعلق أساسًا وبشكل رئيسي بالسلطة بمفهوم الدور المطلوب نحو الإسرائيلي، وهي التي تسبق الدولة والسلام بمسافات زمنية قد تطول وستطول! وبما يشمل مصطلحات: اليوم التالي والتجدد أو التأهيل، أو الفساد أوغيره، ويرافقه تأليب المجتمع ونخر عظامه، والحديث المفصّل عن نزع السلاح (نموذج نيكاراغوا) بغزة والضفة وعن ضمانات دولية بذلك. ويتقاطع مع ذلك إحكام طوق الحصار العربي حول فلسطين.
بدلًا من ممارسة الضغط على الضحية في كل مرة ألم يكن الأجدر بالعالم أن يقوم بالضغط على نتنياهو بوقف عدوانه وإبادته الجماعية التي تنقل يوميًا على مرأى ومسمع العالم؟ وألم يكن الأجدر بحراس القيم الغربية “الحضارية” دفع الحكومة أو المجتمع الإسرائيلي للاعتراف بفلسطين؟!
إن فلسطين كانت ويجب أن تظل الغاية الأولى للأمة العربية والإسلامية والمسيحية المشرقية. وليكن معلومًا أن فلسطين وليس غير ذلك هي ما سيتم التعامل معها غربيًا وتقييدها باعتبارها فكرة سياسية مبنية للمجهول، وليس كخطوة أساسية وشرطًا للتفاوض لاحقًا على مضامينها بما ذكرناه أعلاه، ضمن مسار تتويهي طويل قد يتجاوز سنوات خمسة ويخلق الله ما لا تعلمون! وقد تزول اللحظة التاريخية! كالعادة ولا يبقى الا البكاء على اطلال الدولة!
أن الدولة الفلسطينية القائمة لكنها تحت الاحتلال هي القضية الأساسية أمام العالم -وليست السلطة بأي من مفاهيمها الثلاث-وهي المفترض التكريس على تحقيق تحررها من الاحتلال، فهي قائمة وتحتاج من العالم رفع راية استقلالها والاعتراف بهذا الاستقلال.