صالح عوض
أمد/ نحن أمة لها رصيدها العظيم في التعرف على أحابيل الشيطان المتمثلة بقوى الشر المعادية لحريات الشعوب وكرامتها والمخططة للهيمنة والاستحواذ.. وان امة هي أمتنا ما كان ينبغي ان تلجأ الى أي تفسيرات بعيدا عما رسخ عندها من معايير وأدوات تحليل ووعي تستطيع بها التمييز بين الصديق والعدو وبين الحقيقي والوهمي.
المعيار في المواجهة:
من الواضح أن النخب السياسية والثقافية في بلاد العرب والمسلمين مصابة بغفلة خطيرة عن طبيعة المعركة مع الشياطين وهي بسذاجتها وبلاهتها تظن في العدو بعض الانصاف وبعض العقل وبعض الروح الانسانية.. انها-التخبة- حينذاك تخون امتها وهي تقدمها على مذبح المكائد والمكر الشيطاني.
في ثقافة العارفين والصلحاء من الصوفية يكثر التنبيه من احابيل الشيطان وينشطون في غلق الابواب أمامه ومطاردته من كل الزوايا وأكثرها خطورة عندما ياتي من باب الحرص عليهم فلقد قيل أن الشيطان دخل المسجد في ضحى يوم فوجد ساجدا عابدا متنسكا فاستوقفه وقال له هيا اسرع و اخرج يا رجل المسجد سينهار فخرج الرجل وبالفعل قد انهار المسجد فشكر الرجل الشيطان وهو لا يعرفه فرد عليه الشيطان بسؤال الا تعرف انني انا الشيطان الرجيم فقال الرجل ولم انقذت حياة مسلم فماكان من الشيطان الا ان ضحك وقال خشيت ان تموت شهيدا..
لا يمكن فهم سياسة النظام الدولي وما يصدر عن الحكومات التي تسير بأمره الا يهذه الروحية والمنهجية حيث يجب اتهام اي سلوك قادم من هناك مهما لان مظهره وحلا مذاقه وكما قال الامام ابن باديس ذات يوم:” اما أنا فوالله لو طلبت فرنسا ان أقول لا اله الا الله فلن اقلها”
يصدق هذا القول في كل مكان حدث فيه اشتباك بين قوى الاستعمار والشعوب المكافحة.. وقد تنتصر الشعوب في ميدان القتال فيحسب الشيطان ادواته ويغير اساليبه فيبدي تنازلا عن بعض أشيائه ليوقع المكافحين في حفر مظلمة يصنع لهم فيها الكمائن وهذا تفسير ما يشير اليه الرسول الكريم صلى الله عليه واله وسلم:”يفتح الشيطان لابن ادم 99 باب من الخير ليوقعه في باب من الشر”.. يصدق هذا القول في كل مكان ولكنه في فلسطين أكثر جلاء وبيانا ذلك لأن الشيطان الكبير وكل الشياطين الصغار الملتفين حوله ينهمكون ليل نهار في تنفيذ سيناريو القضاء على فلسطين وتفريغها من كل مكوناتها الروحية والمادية.. وهم في ذلك يرهنون مشروعهم الاستحواذي يهذه المهمة التي انتدبوا اليها أخس الخلق اجمعين واكثرهم جشعا وجريمة ودفعوا بهم مدعومين من الشياطين الصغيرة الاخرى ليصنعوا واقعا ويلغوا تاريخا و مستقبلا.
المساعدات الامريكية أسلوبا وواقع:
على طريقة الادارات الامريكية دوما تصنع المشكلة وتحافظ على خيوطها ولا تسمح بالحلول الا التي تعمق الأزمة وتستوعب الجزئيات في مشروعها.. فمن الواضح للعيان أن الرئيس الامريكي هو من ترأس مجلس الحرب الصهيوني الذي أصدر قرار العدوان على قطاع غزة وهو من صوغ ذلك تحت بند:”حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها بل وواجبها في الدفاع عن نفسها”.. واستمر الكذب الرسمي من قبل أعلى المؤسسات الامريكية والغربية عن طبيعة الأحداث فبعد أن حاولوا الترويج الى أن المشكلة تولدت نتيجة عدوان حماس وارتكابها الجرائم وبدأ عرض تلفيقات امعانا في شيطنة المقاومة الفلسطينية بعد هذا نطق المتحدثون الامريكان وعلى رأسهم بادين أن ارقام الضحايا في غزة مبالغ فيه ثم قال الناطقون باسم البنتاغون وباسم البيت الابيض انه لا يوجد ضحايا مدنيين في قطاع غزة هذا في الحين الذي تواصل تدفق كل انواع السلاح والذخائر على الكيان الصهيونية.
بعد خمسة أشهر من الجرائم والنكبات في مجتمع اعزل لايملك ما يدافع به عن نفسه وعن اولاده الذين يتعرضون لمجزرة مفتوحة على المجهول.. بعد خمسة أشهر تحرك الصمير الانساني في الغرب وفي أمريكا بتصاعد ملفت لدرجة ان يتجه بعض الضباط الامريكان لانهاء حياتهم احتجاجا على تصرفات البيت الابيض الذي وجد نفسه لتحسين صورته أمام الناخب الامريكي الى الحديث عن الانسانية وحقوق الناس بالاكل والشرب والعلاج..
في مجلس الامن وفي ضخ السلاح والعلاقة مع العالم لاسيما حكومات العرب والمسمين المرعوبة والمحكومة من قبل لوبيات التحكم الغربية.. كان واضحا ان امريكا تقود الحرب على غزة وتوفر لها كل الوقود الكافي لتنفيذ العصابات الصهيونية جرائمها المستمرة.
كان يريد بداية توفير ممرات امنة للنزوح من فلسطين ولكن ثبات الشعب الفلسطيني وإصراره على البقاء مهما بلغت التضحيات..أحبط المؤامرة وأرغمهم على تعديل خطتهم المجنونة.. بدأ الحديث عن حلول سياسية وامنية ولوجستية لكن بقي روح الخطاب الامريكي مغرق في الكيد والشر.
ودفع الامريكان باصدقائهم الى تقديم المساعدات وذلك بطريقة استعراضية عبر الانزال الجوي لسكان شمال قطاع غزة الذين قرروا عدوم النزوح.. كان يمكن لكل المنزلين من الجو ان يفتحوا المعابر البرية فلقد فتح الاردن معابره لمرور الخضورات والفواكه للكيان الصهيوني وكان بامكانه على الاقل ان يأخذ موقع الحياد فيرسل للكيان الصهيوني وفي الوقت نفسه يرسل الى قطاع غزة.. وكذلك الامارات التي تضخ المساعدات الى الكيان الصهيوني كان يمكن لها بنفس الطريق ترسل الى القطاع، اما الانزال المصري فحقيقة لم استطع فهمه لان ادخل الشاحنات من معبر رفح اسهل واكثر أمنا اما امريكا فالامر مضحك حقا كيف يسهل عليها ان تنزل من السماء موادا غذائية ولا تستطيع ان تدخل مساعدات عبر المعابر البرية..
فضلا عن كون هذه المساعدات تعمق الازمة وتوقع خسائر جديدة في الفلسطينيين وتضحيات جسيمة حيث عادت كانها كمائن موت.. ولعل الغرض منها هو ايصال الاحباط الى ذروته بانه لافائدة من البقاء هنا على ارض قطاع غزة لان لا امل بادخال المساعدات للناس الجوعى وان واقع الانزال الجوي لايسمن ولا يغني من جوع.
فاخترع الامريكان حلا حلوا في مذاقه ولينا في ملمسه ولطالما حلم به الفلسطينيون بعد نبكتهم وهو انشاء ميناء على شاطيء غزة.. و قد صرح الرئيس الامريكي علنا بذلك كما أكد النتاغون والخارجية عن قرب افتتاحه بعد جولات في المنطقة شملت قبرص وسواها.. ومن بين العبارات ان هناك قوة عسكرية امريكية سترابط في البحر قبالة غزة تشرف على امن الممر المائي وهذا هو مربط الفرس.
هنا يتم الاحكام على قطاع غزة وعلى حقل الغاز الذي يشاطيء غزة والمقدر بكميات كبيرة وبانه يحوي من الغاز ما يكفي احتياحات القطاع اكثر من عشرين سنة.. حقل الغاز الغزي هو احد الاهداف الاساسية الامريكية الصهيونية وهذا لايتأتى الا بتدمير غزة وانهاء مقاومتها.. ووجود الميناء والقاعدة العسكرية البحرية الامريكية هما ضمانات شق قناة من اسدود الى ايلات لالغاء دور قناة السويس.
من العبث الرهيب تخيل أن هناك تغيير في الموقف الامريكي نحو الحرب الصهيونية على قطاع غزة او نحو القضية الفلسطينية جملة وان كل ما يصدر عن الامريكان انما هو خداع وتضييع وقت وتغيير مواقع حجارة الشطرنج ويشارك النظام العربي بخيانته او بعجزه حيث يقوم كل نظام بما هو مطلوب مشاركة في الجريمة او صمتا عليها المخطط الامريكي الذي يقضي بانهاء فلسطين من الخريطة.
ماذا يعني استمرار الحرب:
في صحيفة معاريف الصهيونية حذر غيرشون باسكن الوسيط في صفقة الجندي الصهيوني جلعاد شاليط، من أنه إذا لم تتوصل حماس وتل أبيب إلى اتفاق لوقف إطلاق النار والرهائن خلال شهر رمضان فسيتم تدمير المنطقة بأكملها.. وقال: “لقد تم تحذيركم! إذا لم تتوصل حماس وإسرائيل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار واتفاق الرهائن خلال شهر رمضان سيشتد القتال ويصل إلى رفح، فهناك خطر واضح ووشيك على كامل المنطقة”… وأضاف: “المنطقة مشتعلة بدءا من القدس الشرقية والضفة الغربية والأردن وخارجها إلى بلدان أخرى.. لقد تم بالفعل دفع ثمن الدعم الأمريكي لإسرائيل.. التعبئة العالمية ضد إسرائيل تتكثف يوما بعد يوم والضغط العسكري الإسرائيلي في غزة لا يزال مستمرا ولا يطلق سراح الرهائن بل يقتلهم”… واختتم بالقول: “باختصار، يبدو لي أن الحكومة الإسرائيلية قررت التضحية بالمختطفين، وهو أمر أكثر من محزن إنه أمر مأساوي”.
ان شروط الامريكان والصهاينة المعلنة لايقاف الحرب هي شروط تغطي شروطا أخرى فليس هناك شيء يهم الامريكان والصهاينة الان لا الاسرى الصهيانة ولاعدد قتلى الجيش الصهيوني وتدمير الياته ولا خسارات الاقتصاد الصهيوني واهتزاز التجمعات الصهيونية و لا صوت الشعوب في العالم بدءا من امريكا تنديدا بالعدوان ومطالبة بوقفه..ولا تدهور صورة الكيان الصهيوني عالميا.
العمل الحقيقي الان يجري على تطبيع شامل للاقليم مع الكيان الصهيوني على أرضية تصور يفضي الى القضاء تماما على المقاومة الفلسطينية كما قال بايدن ونتنياهو.. بل والقضاء على مواقع الخطر الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية وفلسطينيي الداخل..
ولكن عودا على بدء لايمكن قبول منطق ان مايريده القوي والمتجبر هو بالضبط ما سوف يحصل فهذا جملة حكم التاريخ الشعوب عليها فلقد سقطت امبراطوريات وانهزمت جيوش وذلك امام شعوب فقيرة ومقاومة محدودة الامكانيات والامثلة كثيرة..
ان استمرار الحرب والعدوان وتطوره يعني بوضوح تكسير قيود عن مناطق فلسطينية وعربية مجددا وانخراطها في معركة الشرف دفاعا عن فلسطين والمقدسات وعن اهل غزة .. فلئن كان اليمن العظيم قد تقدم في المعركة ويغلق باب المندب وخليج عدن وبحر العرب من ذا الذي يعتقد أن الغد لن يحمل انبعاثات عربية جديدة في مضيق هرمز او سواه.. الان الضفة تنهض وتشاغل العدو من يضمن عدم انفلات الامن الفلسطيني وانخراطه في المعركة من يضمن ان لا ينبعث الشعب الفلسطيني في الاردن 4 مليون نسمة على اطول حدود مع فلسيطن، من يضمن بقاء المواجهات مع المقاومة اللبنانية على هذه الوتيرة وكذا العراق وشعوب المنطقة والعرب في كل مكان والمسلمين والاحرار.. ثم من يضمن عدم الانعكاسات الدولية على المعتدية في كل شيء بدءا بالاقتصاد والامن والسياسية فهناك قوى متربصة بها -لحسابات خاصة بها- تستغل انهماك الامريكان بحروبهم الخائبة فيما هي تتفدم.
ليس من مراهنة حقيقية في البداية الا على صمود الشعب الفلسطيني و استبسال مقاومته فهذا من شأنه تفجير الاوضاع في الوطن العربي والعالم الاسلامي وتفعيل فعاليات طاقات الاحرار في الاتجاه السليم.. قد يستغرق الامر وقتا لتفعيل التراكمات لكنه الطريق الوحيد وهذا يدفع الفلسطينيين الى توحيد صفوفهم والتفكير بكل وسائل المقاومة والدفع بها وتفعليها في كل الاقليم.. وما النصر الا من عندالله.