عدنان الصباح
أمد/ احد على وجه الارض لم يكن يتصور ان يحدث على الارض ما حدث بكل جوانبه وامتداداته فلم يدر بخلد احد مثلا ان يتمكن فصيل فلسطيني مهما كانت قدراته وامكانياته من ان يتمكن ان يفعل بأهم دول الشرق الاوسط ما فعلته حركة حماس بدولة الاحتلال ولا باي حال من الاحوال وقبل ان يلتقط العالم انفاسه هرعت كل جهات الارض للتضامن مع الضحية قبل ان تستعيد رشدها فلساعات اصاب العالم الغربي دوار شديد وشعر بان ما حاول ان ينتهي منه طوال قرن بعد الحرب الاستعمارية الاولى ها هو يعود اليه من جديد.
اذا لم نحمي ما بنيناه فسينهار على رؤوسنا وما فعله الغرب بعد الحرب الاستعمارية الاولى انه اسس للتخلص من اليهود بإبعادهم الى فلسطين عبر ما سمي ولا زال يسمى بوعد بلفور واتم جريمته بعد الحرب الاستعمارية الثانية بمحاولة بناء عالم جديد بان اقام دولة الاحتلال وقدم لها كل الدعم والحماية لتتحول الى دولة تحوي يهود العالم وتحمي مصالح الغرب في المنطقة الاخطر في العالم وهي منطقة الشرق الاوسط.
ليس حبا باليهود ولا عطفا عليهم منحتهم بريطانيا ارض فلسطين ليبنوا عليها دولتهم بل لسببين مختلفين عن الفعل الاول ان الغرب لا يريد لقوة عربية او اسلامية ان تشكل كتلة في مواجهتهم ولذا لا بد من جسم غريب يشغلهم وينشغل بهم والثاني انه يريد حقا ان يتخلص من اليهود وعقدة كراهيتهم والتكفير عن الجريمة النازية بحقهم كآخر الجرائم لا كأولها بان يبعدهم ليقتتلوا مع امة اخرى لا يرغب الغرب برؤيتها قوية فاذا انتصر العرب عليهم يكونون قد تخلصوا منهم واذا انتصروا على العرب يكونون قد ابعدوهم عنهم وعن حياتهم والغوا اية احتمالية لوجود قوة عربية او اسلامية تقف في مواجهة اطماعهم وبهذا تتحول المنطقة الى اداة في يدهم
قبل السابع من اكتوبر كانت امريكا تعد العدة لتعميد مولودها الذي انتظرته ثمانية عقود تقريبا شرق اوسط جديد يتحول الى ناتو صغير بقيادتها وبإدارة دولة الاحتلال التي كانت على عتبة ان تصبح مكونا رئيسيا ومهما من منطقة الشرق الاوسط في مواجهة ايران ومشروعها المقاوم في المنطقة الى ان جاء السابع من اكتوبر وحطم لهم كل شيء … كل شيء وهم حتى اللحظة ومع دخول الشهر السادس للحرب لا زالوا عالقين بصبيحة يوم السابع من اكتوبر.
الولايات المتحدة ومشروعها الشرق اوسطي هي المهزوم الاكبر يوم السابع من اكتوبر وما بعده واخطر ما يقلق الولايات المتحدة هو انها لم تتمكن من الحاق الهزيمة بالمقاومة في غزة بل وقعت في ورطة لم تتمكن حتى الان من ايجاد مخرج لها وهي انها وجدت ان ما قال الجميع يتحدث عنه لغة بعنوان وحدة ساحات محور المقاومة وقد صار حقيقة واقعة وان لا حل ممكن لهذه الورطة الا بالإبادة لغزة سيدة السابع من اكتوبر او قبول الولايات المتحدة ودولة الاحتلال وطاقم العصابة بإعلان الهزيمة امام فصائل المقاومة وفي مقدمتها حماس والجهاد الاسلامي التي تمنحهم التقديرات 50 – 60 الف مقاتل ويمكن ان يصل المجموع الى مائة الف مع باقي الفصائل وافضل سلاح لهم لا يزيد عن صاروخ بعيد المدى لا يتجاوز مداه 250 كم ومع ذلك تدخل الحرب الشهر السادس ولا زال الحال على ما هو عليه فعلى غزة مقتلة لا تتوقف ضد اهلها ومنها صمود ومقاومة لم ترفع الا راية الاصرار ومن الجبهات المشاركة من احزاب الله وانصار الله وآيات الله كل اصرار على المساندة والمشاركة والمواصلة وكل محاولات شق الصف بكل السبل فشلت.
الاخطر ان العالم انقسم الى عدة جبهات الاولى غزة ومحور المقاومة والثاني الادارة الامريكية وعصابتها وهاتان الجبهتان في مواجهة مفتوحة وحرب عض على الاصابع لن تنتهي الا بإعلان الاخر الاستسلام التام وجبهة بقايا الخجل الانساني والتي تمثلها دول اخذت اجراءات لحفظ ماء وجهها وفي المقدمة منها جنوب افريقيا ومن دار في فلكها لكن الاخطر من كل هذا هي الجبهة الرابعة الصامتة عن كل المقتلة والجريمة الابشع في التاريخ الانساني مهما كان حجم ما سبقها اكثر واكبر فما يميز مقتلة القرن الواحد والعشرين في غزة انك ترى الرصاصة وهي تقتل وترى الصاروخ وهو يزرع الناس في الارض ثم تولول كفرد في بيتك قليلا وتغلق شاشة التلفاز وتغفوا لتعاود نفس السيناريو في اليوم التالي وهذاالشيء نفسه يفعله القادة والزعماء كل في بيته ولا شيء اكثر رغم انهم يعرفون اكثر ويشاهدون اكثر ويملكون القدرة على الفعل.
ان ما يجري على ارض غزة اعلن نهائيا سقوط العالم الذي انقسم بين مشارك في المقتلة علنا وبين راض عنها وبين رافض عاجز وصامت عن الحق كالشيطان الاخرس وهذا لن يؤتي ثماره الا مع الزمن ولا احد يدري حجم التأثير الذي ستحدثه مقتلة غزة على الفكر الانساني ومستقبل البشرية غدا حين يصبح الجيل الذي يعيش الكارثة الان ويراها ولا يستطيع ان يفعل شيئا سوى الولولة هو نفسه من يدير هذا العالم غدا وسيبقى السؤال فيما اذا كانت شظايا هذا العالم المنهار بقوانينه وقيمه ونظمه واتفاقياته واخلاقه لتشكل المادة الأولية لبناء عالم جديد ام ان السقوط الاخلاقي المدوي سيجعل من سقط سيدا ويحول العالم علنا الى شريعة الغاب بعد ان تمكن من تغليفها ما يقارب القرن بغلافات سقطت بعد السابع من اكتوبر كليا ونحن نرى شعبا لا يقتل بالرصاص والمدافع والصواريخ فقط بل بالحرمان العلني من الغذاء والدواء والماء والغطاء والرداء والكهرباء ويعلن العالم عجزه الكلي عن فعل شيء وبالتالي فهل اصبح العالم جاهز ليحول القرن 21 الى العصر العلني المنظم على قاعدة شريعة الغاب وننتظر القرن 22 لعل وعسى ام ان العالم وشعوبه لن تقبل مواصلة العيش على هذا المنوال وان اليوم الذي ستدرك به البشرية ان عليها ان تقوم لتحطيم مصانع السلاح وسادته وتنتصر عليهم وعلى مصالحهم وان امكانية بناء عالم الاخلاق وثروة الروح وثورتها بديلا لثروة المال وسفالته.
ويبقى السؤال بأية ادوات يمكن لنا ان نبني عالم الغد وهل تصلح حجارة وشظايا هذا العالم بعد هدمه لإعادة صياغة عالم جديد بمعنى ان ما الادوات التي تم استخدامها لهذا العالم الذي سقط لا يمكنها ان تكون مكونا مناسبا لعالم بلا سطوة ولا سيطرة ولا لصوصية ولا قتل فالم ثورة الروح لا يتساوى مع عالم ثورة القتل.