تحسين يقين
أمد/ هل سنقول وأخيرا وصلت الجهود الدولية الى هدنة؟
إن تحقيق هدنة-وقف إطلاق مؤقت ودائم لإطلاق النار اليوم، سيقود الجهود الدولية الى تحقيق المزيد على طريق التسوية، فلا مهرب من حل القضية الفلسطينية وما يرتبط بها من أرض محتلة في لبنان وسوريا.
أول نتيجة لحرب إسرائيل على غزة، هي أنها حركت ما هو راكد، وأكدت أنه لا بد من تسويات بين إسرائيل وبين فلسطين ولبنان وسوريا.
بعد ما يقرب من نصف عام، يفشل المتدخلون بالوصول الى هدنة، فكيف بوقف إطلاق النار، والسؤال الذي يتبادر الى الذهن اليوم، هل الاهتمام بمفاوضات التهدئة، مرتبطة فقط بقدوم شهر رمضان الكريم؟
في كل يوم يتعمق السؤال عن مدى القسوة الممارسة من قوة عسكرية كبيرة على المدنيين، ألا يوجد ما يردع هذه الجرائم؟ إن مشهدا واحدا وقصة واحدة كافية لوقف الحرب. نتساءل عن الأديان، في كبح جماح هذا القتل، عن المواثيق الدولية عن الأعراف. ويأتي الجواب بأخبار المجازر.
العلاقات الدولية تشبه العلاقات النفسية، كلاهما أسرار، وكلاهما عقد تاريخية، وما نراه لعله غير ما هو كائن فعلا، وللأسف يدفع البشر دوما الثمن من أرواحهم وممتلكاتهم.
مفعول حلفاء إسرائيل ظاهرا وباطنا داعم لها، لذلك، حتى وإن لمحت الولايات المتحدة حول موقفها المتحفظ من استخدام سلاحها في رفح في حالة اجتياحها، فإن الأمر لن يختلف كثيرا بالنسبة لأهل رفح ومن لجأ إليها: معظم أهل القطاع.
لكن في النهاية، إما أن تعود الحرب مستقبلا ولا ندري ما شكلها ومن الذي سينضم للتدخل فيها، وإما أن يصير سلاما؛ فليس هناك من موانع فعليه له.
أما القضية الفلسطينية، فقد أصبحت ملامح الحلول واضحة، وهي كذلك واضحة من زمن، والنوايا الطيبة هي فقط من سيسرع بتحقيق سلام عادل، نطمئن له جميعا. أما ما يعيق الحل فهو سياسة دولة الاحتلال باتجاه تهويد المكان الفلسطيني ليكون بدون كيان، وجعل أبناء شعبنا في أفضل الحال، عمالا. ما يشجع هذا الحل ما دعا الرئيس الأمريكي بايدن إليه في خطابه السنوي عن الاتحاد، بأن الحل الحقيقي الوحيد هو حل الدولتين، مذكرا بعودة الولايات المتحدة في شباط لموقفها التقليدي المطالب بوقف الاستيطان في الضفة الغربية، بل واعتباره غير شرعيّ.
في لبنان، حدّدت اسرائيل مهلة حتى 15 آذار الجاري موعداً للتوصل إلى تسوية سياسية مع لبنان، وإلا فإنها مستعدة لتصعيد العمليات العسكرية إلى حرب واسعة النطاق. وقد أبلغت إسرائيل الدول الغربية بأنها أصدرت إنذارا مفاده أنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سياسي مع لبنان، فإن إسرائيل ستستعد للتصعيد في لبنان مع زيادة القوة العسكرية .
والحقيقة أن النزاع بين إسرائيل ولبنان سهل الحل، فحتى الحليف الأميركي يصرّ على “بتّ الخلاف على النقاط المتنازع عليها وإيجاد صيغة لمزارع شبعا وكفر شوبا وصياغة حل مستدام يمنع الاصطدام الكبير” . فلا بد من الشروع في تسوية حدودية..”.
أما سوريا، فلا أقل من الانسحاب من هضبة الجولان، وكان ذلك معروفا من قبل، وكان يمكن تحقيقه لولا العراقيل والعقد التي وضعتها دولة الاحتلال في منشار المفاوضات قبل 3 عقود.
لذلك، فإن أي حديث عن تطبيع علاقات، ما لم يضمن تنفيذ الحلول العملية والاستراتيجية، على الأرض، فلن يكون سوى تطبيع بارد رسمي مجامل لا يعني إلا ازدياد الفرقة والنزاعات داخل الدولة العربية نفسها.
والآن، فإن وقف إطلاق النار يمنح الغزازوة فرصة التنفس؛ متعب ومميت هذا القصف القاسي المنفلت من أي أعراف دولية.
يمكن للدول والمؤسسات هي من تقرر شكل الإغاثة، برا وبحرا وجوا، كذلك البدء في رسم شكل ما لما يمكن البدء به بإعمار قطاع غزة المستلب والمدمر والموجوع.
مرة أخرى، فإن الأسئلة كثيرة، بدون إجابات، فالحسم لا بد له من قوة أخلاقية وإنسانية، بل وقوة مادية تلزم دولة الاحتلال بإنهاء لا الحرب فقط، بل الاحتلال كله.
المشكلة ما زالت في “دول الطوق”، بالرغم من اتفاقيتي السلام، فلن تهنأ ولن تستقر بلاد الشام ومصر، مالم يتم حل حقيقيّ للقضية الفلسطينية، وكذلك العالم العربي والإسلامي. وهكذا، فإن شعبنا (وقيادته الموحدة) سيكون الرقم الصعب فعلا في معادلة الحرب والسلام في هذه المنطقة.
نعم، لسنا ضعفاء وإن بدا أننا وحدنا، فلن يكون سهلا تجاوز حقوق شعبنا، ولن تكون النظم السياسية العربية في أريحية، سواء تلك التي عقدت اتفاق سلام، أو تلك التي يبدو مجبرة على فعل ذلك.
والآن، لا بدّ فلسطينيا، الانتباه الى تأثيرنا على مجمل العلاقات الدولية، وأن نحسن التحالف الذكي، وندير حربا سياسية وإعلامية قوميا وعالميا، خاصة بعد مجزرة غزة المروعة، حتى نكبح جماح أية نوايا تطبيعيه، بل وأكثر من ذلك، الدفع بالسلام البارد أصلا الى الثلاجة.
من المهم التقاط خيط تأثير الشعوب العربية، تلك التي خرجت في العواصم العربية، وتلك التي لم تخرج بعد، كما لا بد من التقاط تأثير حركة تضامن الشعوب في العالم، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا على النظم السياسية الغربية المؤثرة.
وحتى نحقق ذلك، لا بدّ من تقوية اعتبارنا الذاتي، والظن والأمل أننا اقتربنا من ذلك، خاصة بوجود القوى السياسية جميعها في إطار المنظمة، أو دعم حكومة التكنوقراط القادمة، التي ستكون من أولوياتها إغاثة غزة وإعمارها.
هذا ما ينطق به العقل والقلب، كون النزاعات والصراعات هنا متشابكة ومنظومة ومعقدة، وليس أمامنا نحن الشعب الفلسطيني، إلا أن نحلها، بدءا في توحيد القيادة السياسية كقيادة استراتيجية، وتشكيل الحكومة لتتنجز مهمتها الصعبة والشائكة.
وغدا، أو بعد غدا، حين نكون معا في اجتماع عربي، قومي، سيكون موقفنا العقلاني والاستراتيجي بطريقة ذكية، باتجاه التزام اختياري عربي بالعودة الى مبادرة السلام العربية، وجعل بلد المنشأ، المملكة العربية السعودية، هي من تقود التحرك العربي، وليس في ذلك تعجيزا، بل هو الحل الحقيقيّ.
لقد بدأت خطوط مبادرة السلام العربية قبل أربعة عقود، والتي تم بلورتها مرتين، في المغرب والسعودية، وهي ما زالت المشروع العربي القومي للسلام الشامل.
نحن دوما محتفظون بالأمل، بسبب عدالة فضيتنا، وبسبب انتمائنا القومي والإسلامي، كحاضن لنا مهما كانت الظروف والعلاقات الدولية، لأننا جزء من هذه الأمة. ودوام الحال من المحال، وستجد الأمة نفسها، معنا في الخندق نفسه، في ظل أحلاف تنهبنا وتهددنا جميعا من “الشام لتطوان ومن نجد الى يمن الى مصر فتطوان”.