مصطفى مُنِيغْ
أمد/ في إفريقيا دولة تحترم الآن نفسها لا يتعالى عنها صُداع ولا يُسمَع منها ما هو عيب ، قانعة ومِن عهد بائد بما اعتبرته دوماً نصيب ، فعاشت على سجيتها لا هي منعزلة مع الأصيل البعيد ولا مندفعة مع الحداثة بما عساه لها قريب ، إذ ما وراء الأطلس لُعَب الطمَعِ منهمرة من أفواهٍ أصحابها مزيج مِن عدو وحبيب ، يبحثون عن موقع قدم ومِن أجله للصعب يقدِّمون كآلة تنقيب ، يغوصون بالطَّرْقِ الكثيف على أديم الأرض لفتح فجوة يتسرب منها نعيم ثراء عن التكاثر لا يغيب . لولاها وبعض من شقيقاتها كالعراق والأردن ومصر لضاعت لغة الضاد أو أصابها تَخْشِيب ، بعد رحيلها من شبه الجزيرة إلى حيث الشمس تميل لمغيب ، واجدة مَن احتضنها إملاءاً ونحواً بنطق سليم بغير تلعثم عنها غريب ، فكانت بمثل الصفة بلد المليون شاعر أقلهم لنداء العَرُوض وشروط النُّظْمِ أطْوَعَ مُجيب . بها الرّمال جمَّلها الجمال لتغدو ركناً يُقام لمقامه التوقير الجلل بمقدار له يستطيب ، فكان الرمز لوطن مثله رحب يعشق الحرية ومتى داعبته الرياح حاصرها بكثبان وكأنها أوتاد تُبقي لطبيعة المكان ما يخصها دون نقصان ذرة أو ينال منها أي تسريب . إنها موريتانيا العريقة في أشياء يتطلب حصرها استحضار نبغاء العلوم وشرفاء المؤرخين ومبدعي السياسات القائمة على المصارحة دون خشية لائم ولا عناصر ترهيب ، ما دام الوضوح سيد بما يملك من معلومات له بريق لتَحرُّك المُجَمَّد عن قصد فالدفع بالأخير لسبل النفع السعيد وليس الانحراف الكئيب ، هي قضايا عمَّرت ربع تفاصلها وما تلى ذلك طواه النسيان أو يكاد بفعل فاعل ، إذ ثَمَّة نقط سوداء ، منها ما يلتصق بأسماء ، كان لها في ميدان الحُكم الشأن الباسط نفوذه للتصرف ضد إرادة الشعب ، فَغَدَا مصيرها التوقّف عند حد لم يقدر أصحابها على تجاوزه رغم حماية غير الموريتانيين ، لكن الخطأ المُرتكب من طرفهم عن ترخيصٍ غير مدروس العواقب نتيجته الخسران المبين ، تاركاً التجربة سلبياتها ترن ، كلما فكَّر مَن فكر إعادتها بأسلوب مُغيِّر ليّن ، أقرب للاتفاق ، من وراء الكواليس عبر أي لقاء ، مُحَضَّر بذكاء مهما أتاحت الفرصة لمؤتمر يُعقَد مضمونه لا علاقة له بالموضوع ، وكما للسيئات فصول تتمدَّد شروحها على ألسنة البائعين أنفسهم بأبخس ثمن لتُبهِر ولو لحين ، هناك حسنات تطمس ما سبق ، وتنَشّط ما يَلحَق ، رافعة بالحق ، أي شعار به موريتانيا تفخر عن استحقاق ، منها ما أعلنته يوم 22 مارس سنة 2010 وزيرة الشؤون الخارجية الموريتانية السيدة بنت حمدي ولد مكناس عن قطع العلاقة الموريتانية الإسرائيلية وإلى الأبد ، جاءت الصيحة المباركة مبددة ما بُذِلَ من مجهودات دبلوماسية مكثفة بدأتها إسرائيل عبر وزير خارجية اسبانيا السابق “خفيير صولانا” لتصل إلى استقطاب الرئيس معاوية ولد أحمد الطايع ليصبح صديق إسرائيل الذي لا يمانع في تطبيق طلباتها وإن بلغت حد تخزين النفايات النووية في قلب الصحراء الموريتانية وهو يعلم خطورة ما قد تسببه تلك الويلات من ضرر جسيم على نظافة التربة الموريتانية الشريفة ، بل الترخيص لتُجرِّب نفس الدولة الصهيونية قدرة وقوة صواريخها الطويلة المدى حينما تنفجر فوق التراب الموريتاني المُعيَّن مُسبقاً لذلك ، لتصبح موريتانيا مجرد حقل تجارب في موقع حساس المفروض الحفاظ عليه بعيداً عن مصائب ذي الأحجام الثقيلة ، التي قد تُفقد موريتانيا استقلالها رويداً رويداً لتصبح خاضعة لهوى احتلال لا يُرَى لكنه ملموس .