د. خالد معالي
أمد/ شئنا أم أبينا، فإن ما جرى بالسابع من أكتوبر يعتبر نقطة تحول تاريخي، ومفرق طرق إجباري كبداية للتحولات الكبرى القادمة، فدروس التاريخ كانت ترينا أن المحطات الفارقة كانت تحمل في ثناياها أحداث كبرى تعمل على تشكيل وجه جديد للإنسانية، والأحداث العادية أو الصغرى تبقى تراوح مكانها، فلا وزن ولا قيمة لها بالتاريخ الإنساني.
النظر الى موازين القوى الدقيق، يعتبر، ولا يمكن القفز عنه، هذا صحيح، وله خصائصه، وينظر له بدقة وتمحيص وتخطيط سليم، لكنه على أهميته، ليس العامل الأهم،” فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة”، في الحروب، والأمثلة لا تعد ولا تحصى عبر التاريخ، وصمود غزة لستة أشهر أمام سادس قوة بالعالم، لا يفسر الا ضمن هذا الإطار، عدا عن انجاز السابع من أكتوبر، واقتحام رفح لا يقدم ولا يؤخر بالنتيجة الكلية.
صحيح أن السابع من اكتوبر فاجأ الجميع، وهز أهم وأخطر وأقوى قاعدة للغرب في قلب العالم العربي والإسلامي، لكن كان يمكن أن ينظر لها انها طفرة في غفوة، او إحدى الشطحات، وسرعان ما يتم تداركها، والتقليل من خسائرها، والسيطرة على تداعياتها وانعكاساتها، اسبوع، اسبوعين، شهر، شهرين، لكننا الآن في الشهر السادس، ولا جديد بجعبة الجيش الذي لا يقهر، سوى انه يتقهقر أمام قوة مقاومة متواضعة، بمقارنتها بقوة جيش الاحتلال المهولة، والتي لولا الدعم الأمريكي لنتنياهو لما واصل الحرب، ولولا قوة عقيدة غزة لاندثرت وما تقدمت وانتصرت، وجعلت القضية رقم واحد بالعالم لا يمكن القفز عنها.
سنة التغيير هي سنة كونية لا مناص منها، ومن يتحداها يتحدى الله، فلا مجال لوقف حركة التاريخ وصراع القوى، والقوة ليست مطلقة ولا تدوم بيد أحد والا لخرب الكون، وكان خارج قدرة الله، وهذا لا يعقل ولا يحصل، ف” لله الأمر من قبل ومن بعد” اذا لا فكاك من التبدل وعملية التغيير، وحان وقتها، بفعل ما جرى، شاء من شاء وأبى من أبى.
قد يقال ان التضحيات كبيرة والخسائر لا تحتمل، لكن حركة التاريخ و الحضارات، تنظر للاهداف والغايات الكبرى والعظمى، ومدى ما تحقق منها، وتعتبر الباقي تفاصيل ترفد الأهداف والقيم العليا، ووجع الحروب والمواجهات والجولات متبادل، فمن ينتصر يدفع ثمن كمن هو من يهزم.
غرور القوة، كثيرا ما يدفع القوي للاتكاء والغفوة والتراخي، أو الإفراط فيها، وهو ما حدث مع نتنياهو، فهو يعيش اللحظة والمرحلة، ويعمل بردة فعل وانتقام، كما قال “يهود براك” رئيس الوزراء السابق، ولا يستجيب لقراءة وتقديرات الخبراء والموساد ومعاهد الأبحاث الاستراتيجية، حتى في كيانه، فوضعه الحزبي والشخصي طغى على الحكمة والقدرة على اتخاذ قرارات سليمة، وهو ما قد يفسر الاخفاق المتواصل في غزة، فعندما تتقدم المصالح الشخصية والفئوية، سرعان ما تحصل الهزيمة.
لا يختلف اثنان على أن الحرب ستتوقف وتنتهي، وهذا الأمر مسألة وقت، واخفاق السابع من أكتوبر، واخفاق الجيش يتحمله نتنياهو وحزبه، فهو رئيس الوزراء، ومحاولة نتنياهو الضرب اكثر بالحاضنة الشعبية والمدنيين، لن يعطيه صورة نصر، بل سيذكره التاريخ كأحد الطغاة.
الحرب خدعة، وسلسلة أكاذيب نتنياهو ما عادت تنطلي على أحد، وقصة الوجع والألم فهو متبادل بغض النظر زاد هنا أو نقص هناك، ولا يصح تحميل من هو واقع تحت الاحتلال ما يفعله الاحتلال، والنصر في هذه الجولة ليس كسر عظم، بل بالنقاط.
غزة باقية بعد وقف الحرب وأكثر قوة وتاثيرا بمختلف المجالات، سياسيا وعسكريا واخلاقيا، والاحتلال باق أيضا، لكن لحين، وهو الآن مجروح ومكسور الجنحان بلا هيبة أو ردع، وانفه مرغ بالتراب، بانتظار معركة كسر العظم بعد أشهر او سنوات، والتي لا يعقل ان تكون نتيجتها الا زوال الاحتلال، فكل المؤشرات والمعطيات تشير لذلك، ومن يرى غير ذلك، حججه هشة وضعيفة، ولديه ضبابية عالية، أليس كذلك؟!