عمر حمش
أمد/ عندما نوديت على بسطة الخضار ب: ياحاج؛ تريثت، وقد أخذتني الدهشة، وظننت أنني اختلطتُ على البائع، لكني سرعان ما أدركت أنه تقصدني؛ فأصابني الخذلان، وسرت قشعريرة، ومرّ رجف.
ولمّا غادرت؛ وقفت على ناصية، ولم أبرح، أرقب الذين يرمقوني، ويعبرون بلا اكتراث، ودقّقت في وجوه الصبايا، وهنّ يشحْن، واسترجعت شكلي القديم، وفهمت ما طرأ على قوامي، ومحيايّ، وكم تضاءلتُ في مواضع، وفي أخرى كم ترهلت، حتى كنت بقية كائن، ما عاد فيه دمٌ، ولا عصب، وفهمت أني منذ زمنٍ قفزتُ عتبةً، وعبرتُ عتبة، لكني تأخرت، وفهمت من يومها فقط، حين أشتريت البامياء من بائع ردد:
يا حاج.
بعدها ظلت يا (حاج) تلاحقني، حتى صرت أُطالَب بسرد ما جرى من نكباتٍ عشتها، ومصائب قومي، وصرت الحكّاء، والراوي، تماما مثلما أبي في زمانه، حين كان يعقد جلساته، ويروي حكاياته عن البلاد المضيعة، ويقص مآسي نكبتنا التي تمت.
صرتُ أحكي كيف تذوقنا علقم هزيمة حزيران، وكيف ضاع الحلم بالعودة مع خطب الشعودة، وأن كل ما جرى من بعدها؛ كان هزائم متتابعات.
والغريب الآن أنني اليوم في رفح صامت، وقد هُجرت في خمسة شهور عدة هجرات، ودمر بيتي في الشمال، كما معظم البيوت، صامت أنا من الهولِ، وبلا رغبة في الكتابة، ولا حتى في الكلام، أتتبع فقط حشود الغزيين الهاربين من الموت، والمحتشدين في رفح، وأدقق في الملامح، وتعثر الصغار في الطرقات يعض قلبي، ولا أدري مَن مِنهم سيموتون، ومن سيظلون؛ ليكبروا، ويرووا في جلسات سمرهم ما كان جرى