صالح عوض
أمد/ كما الانفجار كان 7 أكتوبر قنبلة الوعي في العالم تحطم النمط المفاهيمي والثقافي التقليدي فلقد دوت صرخات المفكرين والمثقفين وكبار السياسيين في الغرب يصرحون بأن النظام الدولي وأدواته وما كرس من واقع يتدحرج نحو حافة الهاوية و أن تصدعا عميقا حلّ في روحه وكيانه.. في أمريكا و الغرب بشكل أساس تهتزّ كل المسلمات التي صنعها النظام الدولي ويندفع شباب أمريكا والكتل السكانية المختلفة بكل اثنياتها والغرب وما فيه من مؤسسات وقوى اجتماعية معلنين أن المسلمات في النظام الغربي لا تقوم على أسس حقيقية انما هي منظومة زيف لاسيما فيما يخص الحريات والديمقراطية وحقوق الانسان.
الواقع الاقليمي المرتج:
جاء فيضان الاقصى ليهز الواقع من جذوره في سياق ما فعله على المستوى العالمي.. ورغم أن السلبية هي ما يتسم به الموقف العربي والاسلامي الا إنها سلبية سطحية تخفي تحتها غضبا واستعدادا للانفجار الذي لن يتسامح مع الذين يعيقون تحركات الشعوب وجيوشها عن واجب النصرة لفلسطين وتحرير المسجد الاقصى.
وإن كنا لحتى الان لم نر اشعاعات التغيير والفعل الايجابي الا من بعض المناطق العربية ولعل اليمن هو المترجم بلغة واضحة من غير تلعثم بحيث قدم إجابة واضحة على سؤال: ما الواجب عمله عربيا؟ وكذلك بعض التحركات التي جاءت من العراق او الاشتباك المتواصل فيما يشبه حرب الاستنزاف.. ورغم محدودة الفعل نتيجة محدودة القدرة والامكانات الا ان هذا سلوك جديد ما شهدناه منذ زمن طويل بحيث تم تكسير حدود التجزئة وثقافتها.
ان ما تم في اليمن ولبنان والعراق يعني بوضوح ان منظومة قيم تبرز من جديد لتتحرك روح الامة حرة من قيود التجزئة تزيح ثقافة التفسيخ والتغريب التي جاءت بها الدولة الوطنية دولة التجزئة والتغريب والعلمنة والتبعية، ولتفرض وقائعا لن تلبث كثيرا حتى تعيد رسم الخرائط والولاءات بصيغة اخرى..
منذ قرن من خلال الادارات الاستعمارية وقوى رأس المال المتحكمة في النظام الدولي الذي عمل منذ قرنين على تحطيم محاولات الامة في النهضة والاصلاح وبعد ذلك صنع الحروب العالمية ترسيم خرائط سياسية للمناطق على مستوى الكرة الأرضية وكان نصيب جغرافيتنا وشعبنا العربي وامتنا الاسلامية النصيب الأكبر سقوط النظام السياسي الواحد في الامة واغتصاب فلسطين وتكريس التجزئة في بلاد العرب والمسلمين.. وفي ظل التقسيم المتعسف نشأت دولة التجزئة لتصبح أكبر معرقل للنهضة والوحدة وتحرير فلسطين.. وفي ظل انظمة التجزئة تم تسرب كل ثرواتنا إلى ماوراء البحر.. كما تم تشويه تراثنا ومقدساتنا.
وفي ظل انظمة التجزئة كذلك تبخرت منظومة قيمنا: الكرامة والغيرة وقيم الشهامة والنخوة والعزة.. وقد تم تشويه كل شيء له علاقة بقوتنا وكان هذا هو اكبر ضمانة لاستمرار وجود الكيان الصهيوني على ارض فلسطين العربية المباركة.
نكتشف اليوم أن كل انجازات الدولة الوطنية بحاجة الى مراجعة، لان الاستقلال الوطني عن الاستعمار لايتوقف عند حدود اخراج المستعمر من الديار انما هو بالعمل بلاغ الاهمية والواجب لتعزيز الاستقلال والانبعاث للنهضة وامتلاك القوة والتصدي للفقر والجوع والامراض والجهل والتهميش والتبعية..
لقد سقطت مشاريع التنمية التي تبنتها الدولة العربية وخضعت سياساتها الاقتصادية والنيوية الى قانون مسلسل التجارب والاخطاء وعقب كل تجربة تحصي كم بلغت المفاسد والتسرب المالي.. وكرس الفقر والاهداء لثروات الامة ما نشاهدة من ارتباط بالتبعية للغرب ثقافيا وسياسيا واقتصاديا..
لقد كانت التجزئة وثقافتها اخطر مرض انهك الامة وبدد طاقتها ورغم ما روج للوطنية في مرحلة ما على انها ناظم للمجتمع الا اننا اكتشفنا انها تخفي تحتها ازمات اثنية صاعقة.. وهكذا نكتشف ان التجزئة هي الوصفة المثلى لاضعاف البلد وتجريده من عناصر القوة.. وعزله عن انتمائه وامتداده الاقليمي والقومي والحضاري..
لم يكن الامر على هامش استراتيجية النظام الدولي بل هو الهدف الكبير المباشر الذي به يحقق النظام الدولي تسيده على العالم.. ففي حين يتكتل الغرب على اختلاف مشاربه اللغوية والدينية والعرقية في احلاف سياسية واقتصادية وامنية يتم تعزيز التفرقة والتجزئة في الشعب العربي الواحد رغم وحدته الثقافية واللغوية والدينية والجغرافية فأصبحت بالكاد لاترى بل عربي على وفاق مع البلد العربي المجاور.. ثم انشاء الصراع بين العرب وجيرانهم من فرس وترك وكرد.. وهكذا تصبح التجزئة وثقافتها عبارة عن قنابل مقوتة يتم الضغط على بعضها كلما كان الامر مطلوبا.. وهكذا تظل التجزئة عملية استعمارية منظمة ويتم تعزيزها من خلال انظمة حكم محكومة لرضى الاجنبي ومن خلال تخلي النخب الثقافية والعلمية والاعلامية والسياسية عن واجب مقدس بقطع ايادي الشياطين الذين يعبثون بوحدة الامة وتعاونها وتألفها وتكاملها.
عندما عاقبت الجزائر الحكومة الاسبانية قبل ثلاث سنوات جراء تدخلها في شؤون حساسة للدولة الجزائرية تداعى الغرب في الاتحاد الاوربي مستنكرين ومهددين بان هناك اجراءات جماعية ستكون ردا على الموقف الجزائري.. ولولا حدوث أزمة اوكرانيا وانشغال الاوربيين والغرب بها لكانت هاك تطورات في العلاقة بين الجزائر واوربا.. في مثل هذه الحال نشعر بأهمية وحدة الامة وخطورة التجزئة.
اذن الخطورة ليست على فلسطين في غياب الوحدة فكلنا يتذكر ما حل بالعراق حيث تم بعثرة البلد وثروته وتفسيخه على مكونات اثنية كرد وشيعة وسنة، هنا يقفز السؤال الحاضر والقديم ترى هل لو كانت هناك عدد من الدول العربية منخرطة في الدفاع عن العراق البلد العربي ترى هل تمكن الامريكان من فعل فعلتهم الشنعاء.. ان كل بلد عربي يتعرض للهجوم منفردا يواجه وحده مصيره رغم ان هناك مواثيق عن الدفاع العربي المشترك وهناك قبل ذلك وحدة الدم والتاريخ والدين واللغة..
لقد كشف 7 اكتوبر بجلاء هزال الدولة العربية التي قطعت اواصر التواصل والانتماء القومي والحضاري واصبح موقفها متراجعا كثيرا في مقابل دول اوربية وعالمية مع فلسطين كاسبانيا وبلجيكا وايرلندا وجنوب افريقيا والبرازيل وفنزويلا وتشيلي وكثر من الدول في العالم.
ان نصرة فلسطين يجب ان لا تنطلق من الاحساس بالنخوة فقط، فهذا شعور اخلاقي لايصمد كثيرا في معركة ضروس..انما هي المصلحة الحقيقية لكل بلد عربي حيث ان نصرة فلسطين ينبغي ان تنبعث من اليقين بان مصرينا واحد وان التخلي عن واجب النصرة يعني بوضوح اننا فقدنا اهم قضية يمكن ان توحدنا الامر الذي يؤول بالاحداث ان تتفاقم ضد كل بلد عربي بمفرده..
عندما غاب هذا الوعي المبدأي والمصلحي في آن اندفعت بعض جيوش العرب تحت لواء الامريكان في محاربة العراق فماذا حصل بعد ذلك ان الدول التي اشتركت مع الامريكان في العدوان على العراق تعرضت نفسها لمهالك ومآسي وسورية مثالا..
ان التصرف اليمني والمجموعات المقاومة في العراق ولبنان يعني بوضوح ان الشعوب بدون سيطرة الدولة المستبدة بامكانها ان تفرض واقعا جديدا وفرض معادلات جديدة على ميدان المعركة.
لن يتوقف التصرف اليمني ومعها مجموعات المقاومة في لبنان والعراق عند حد معين وسيفرض الاشتباك معادلات جديدة ولن يتوقف الامر عند حدود هذه الدول الثلاث بل ان الاستجابة لله والرسول حول وحدة الامة والنصرة ستتمدد في شعوب عربية اخرى ولن يستطيع احد ان يمنع هذا الغضب والالم ان يصل الى نهاياته.
في هذا الحراك يبدو ان هناك دولا اقليمية استفادت تماما في ترتيب جبهة الصراع والكلام هنا انما هو حول ايران شكل مباشر التي يبدو انها الاكثر استفادة مما يجري بعد ان كانت حركتهها تسير الى الاعلان عن دعم المقاومة بالسلاح الامر الذي جبن النظام العربي عن اعلانه حيث ان الشجب والاستنكار والقاء التهم وفي احسن الاحوال ارسال بعض المساعدات التي لاقيمة لها كما فعل البعض من انزالات جوية بمساعدات دعائيةعلى اهل غزة فيما هم يزودون الكيان الصهيوني باساطيل برية وبحرية بكل انواع الغذاء.
لقد ادارت ايران علاقتها اثناء الاحداث الكبيرة في غزة ادارة يبدو انها وصلت لنتائج مهمة تعني تغير شروط التعامل مع الغرب الامر الذي يجعل الولايات المتحدة تبحث عن وسطاء للتفاهم مع ايران بخصوص البحر الأحمر وبحر العرب وكذلك بخصوص مقاومة العراقيين.. وهكذا تبدو ايران قد استطاعت ان تكون مفتاح الاقليم كله.. وهذا يعني ان هناك تغييرات في الخراط اقليميا ودوليا والامور اخذت في التطور..
سيكون 7 اكتوبر شرارة الوعي واشعاع النهضة والوحدة الحتمية كما كان سببا في اشعال شعلة الوعي في المجتعات الغربية.. والامر في الغرب لن يتوقف على تعديل او تغيير خريطة المواقف انما السير الى انهيارات تامة في اكثر من صعيد بدأ الاخبار تتوالى حولها.
7 اكتوبر هو يوم البشرية المنتفضة المنتصرة، وهو يوم الكرامة والعزة للعرب وهو اشارة الانطلاق نحو عالم جديد وما كل التضحيات الجسيمة التي ابتلي بها شعب فلسطين الا الوقود الضروري للانطلاق نحو مستقبل الامة بل والانسانية انه يوم تاريخي مفصلي هذا ما انتهى الى عقول الحكماء والمحللين التاريخيين.. والله غالب على امره