راسم عبيدات
أمد/ عملية “شيطنة” وكالة الغوث واللاجئين”الأونروا”،بهدف تصفية وجودها في مدينة القدس،بكافة مؤسساتها الصحية والتعليمية والمجتمعية والخدماتية، تشهد تصاعداً غير مسبوق ،وخاصة في ظل الحكومة الحالية…حيث أقدم مجموعة من المستوطنين المغرقين بالعنصرية والتطرف،صباح اليوم الإثنين 18/3/2024 ،على وضع ملصقات على بوابات المقر الرئيسي في الشيخ جراح،تدعو الى اغلاقه،وأطلق أحد المستوطنين عبارات تحريضية ضد العاملين في الوكالة بالقول” “الأونروا هي جزء من حماس، انت مشارك بما جرى في 7 اكتوبر، وبتاخد معاشك من هاي المنظمة، انت بتقول انك ما بتدعم الارهاب طب ليش انت هون اطلع من هون”.
كذلك قام المستوطنون بوضع أكياس سوداء على أبواب مقر الوكالة الرئيسي، في تهديد واضح للعاملين هناك ،بأن عليهم أن يخلوا المقر وإلا فإن حياتهم ستكون مهددة،وسيجري المس بهم جسدياً… وأيضاً طالبوا بأن يتم اغلاق مركز التدريب المهني ، والواقع في مدخل مخيم قلنديا والتابع لوكالة الغوث واللاجئين” الأونروا”…والهجمة على وكالة الغوث واللاجئين في القدس،ليست بالجديدة،ففي شهر كانون ثاني من عام 2019،وبعد اجتماع لما يعرف بمجلس الأمن القومي ” الإسرائيلي،عقد في مكتب رئيس الوزراء لحكومة الإحتلال نتنياهو،اتخذ قرار بالعمل على اغلاق مدارس وكالة الغوث واللاجئين في القدس،وكذلك إغلاق كافة مراكزها الصحية ومصادرة كل عقاراتها وممتلكاتها،وتحويلها الى بلدية الإحتلال،وبما يشمل إخراج مخيم شعفاط، بأن يكون جزء من مدينة القدس ….واضح أنه بالتزامن مع الحرب الشاملة التي تشن على شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية ،فإن الحرب على الوكالة كشاهد على نكبة شعبنا،وضعت في قلب دائرة الإستهداف الأمريكي- ” الإسرائيلي” ،حيث وجهت “إسرائيل” تهم لعدد من العاملين في الوكالة في قطاع غزة، بأنهم كانوا جزء مشارك في عملية 7 أكتوبر التي شنتها المقاومة الفلسطينية وفي القلب منها حركة حماس،ولم تقدم أية ادلة وحقائق واثباتات على طبيعة تلك الإتهامات،حيث أقدمت رئاسة الوكالة على فصلهم من عملهم،قبل التحقيق معهم وإدانتهم،ودون أن يجري تشكيل لجنة تحقيق مهنية في ذلك،ولكن “إسرائيل” لم تقدم او تزود لا محكمة العدل الدولية ولا رئاسة الوكالة ولا الإتحاد الأوروبي بأية اثباتات على اتهاماتها…وفي إطار تلك ” الشيطنة للوكالة ” وعملها في القطاع والتي تقدم خدماتها ورعايتها الصحية والطبية والإغاثية والتعليمية ومساعداتها الإنساينة لأكثر من 2 مليون و 300 ألف مواطن فلسطيني في القطاع،في ظل حصار غير مسبوق وتجويع حتى الموت وإنعدام لأي ظروف حياة إنسانية تبقي الغزيين على قيد الحياة،قامت الولايات المتحدة بالإستجابة الفورية للإتهامات “الإسرائيلية”، ولتعلن عن وقف تمويلها للوكالة،وليحذوا حذوها 19 دولة أوروبية،هذه الخطوات كانت تًنذر بتوقف شامل لخدمات الوكالة في كامل قطاع غزة،في ظروف إنسانية غاية في الصعوبة وغير مسبوقة من الجوع وفقدان كل مقومات الحياة، والهدف هنا واضح من قبل أمريكا وتوابعها من الدول الأوروبية الغربية، هو ” شيطنة” وكالة الغوث وتصفية خدماتها، ونزع الدور الوطني والسياسي عنها،وتحويلها الى منظمة اغاثية إنسانية كواحدة من المؤسسات التي تعني بقضية اللاجئين في العالم بشكل عام،والهدف النهائي الوصول بالوكالة الى معادلة ” المال مقابل التوطين” ،ولكن مع إنكشاف عدم صدقية أو وجود أدلة وإثباتات دامغة على صحة الإتهامات ” الإسرائيلية”،كما قالت الدول والهيئات الدولية التي طالبت “اسرائيل” بأن تزودها بإثباتات وأدلة حول المتهمين وتهمهم، فقد أعادت العديد من الدول الأوروبية تمويلها لوكالة الغوث واللاجئين ” الأونروا”، ولكن الحملات على الوكالة لم تتوقف،حيث توجه لها إتهامات، بان المنهاج الذي تدرسه يتضمن مضامين تحريضية،خاصة فيما يتعلق بقضايا حق العودة ،وتمجيد للأسرى والشهداء،وأيضاً الدعوات للتمسك بالأرض،واعتبار الأراضي الفلسطينية عام 1948 مدن فلسطينية محتلة،بالإضافة المواضيع التي تضمن قصائد واشعار ومواضيع وطنية.
من الواضح بان الحرب على وكالة الغوث واللاجئين” الأونروا” ،من أجل “تطويعها” وتقنين خدماتها وتمويلها، يندرج في إطار الحرب الشاملة التي تشن على شعبنا الفلسطيني،حيث مخاطر الطرد والتهجير قائمة وتزداد،سواء في قطاع غزة او الضفة أو القدس والداخل الفلسطيني -48 -، فعدا ” إسرائيل” وأمريكا اللتان تعملان على هذا المشروع بشكل كبير، هناك دول أوروبا الغربية،والعديد من القوى الإقليمية وعدد من دول النظام الرسمي العربي منخرطة في هذه المشاريع والمخططات.
“هندسة” الوجود البشري الفلسطيني في القطاع والضفة الغربية والداخل الفلسطيني – 48 -،لمنع ان يشكل الشعب الفلسطيني أغلبية في فلسطين التاريخية،ما بين النهر والبحر قائم ومستمر، سواء ضمن عمليات الإستيطان والضم والتهويد في الضفة الغربية،وعبر إطلاق يد المستوطنين وتسليحهم ،لكي يواصلوا اعتداءاتهم المستمرة على شعبنا في الضفة الغربية،وتهديدهم، بان عليهم الرحيل طواعية الى الأردن،واذا لم يستجيبوا لذلك،سيجري طردهم وترحيلهم بالقوة وفي الداخل الفلسطيني – 48 – أيضاً،تجري عمليات التهويد على قدم وساق في الجليل ولعل أكبرها وأوسعها في النقب،أما في مدينة القدس،فعمليات التطهير العرقي لا تتوقف سواء في أحياء سلوان الستة، بطن الهوى والبستان ووادي حلوة وعين اللوزة وواد الربابة وواد ياصول، وكذلك أحياء الشيخ جراح ،الغربي ” جورة النقاع” وحي الشيخ جراح الشرقي والعديد من الأحياء المقدسية الأخرى.
هناك قرار سياسي أمريكي- ” اسرائيلي” بشطب وكالة الغوث واللاجئين بشكل نهائي، فوزير مالية ” اسرائيل” سموتريتش قال،انه في اليوم التالي لوقف العدوان على قطاع غزة، فوكالة الغوث يجب أن لا تكون موجودة،فهي تباعد السلام،وتسهم في التحريض على دولة الإحتلال.
الأثر الإستراتيجي لإغلاق وكالة الغوث واللاجئين في القدس
لا يمكننا الحديث عن محاولات تصفية وكالة غوث اللاجئين دون العودة إلى أواخر عام 2017 عندما اعترف الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل وقراره نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى العاصمة المحتلة.
حيث قال إنه لا بد من التخلص من المسؤولية الدولية فيما يتعلق بشرقي القدس حينها،وترافق ذلك مع حملة على الأونروا طالب خلالها أعضاء كنيست ووزراء بإغلاق مقراتها في القدس بادعاء أنه لا يجوز أن تكون فيها مؤسسات دولية تتعامل مع المدينة باعتبارها جزءا من أراض فلسطينية محتلة.
وفي ظل الحملة المتواصلة على وكالة الغوث واللاجئين “الأونروا” ومؤسساتها وخدماتها في القدس ،والتي تتصاعد يوماً بعد يوم،ووصلت حد وضع الأكياس السوداء أمام مقرها الرئيسي في القدس. في تهديد واضح لحياة العاملين في الوكالة،فأخشى أن يستفيق المقدسيون يوما دون وجود “الأونروا” ومؤسساتها التعليمية والصحية في القدس،وبما يتركه ذلك من الأثر الإنساني المباشر على الناس من خلال إغلاق المؤسسات التي تقدم الخدمات بشكل مباشر لهم، فإن هناك أيضاً أثرا سياسيا إستراتيجيا يتمثل في نزع المسؤولية الدولية عن السكان الفلسطينيين داخل القدس وتركهم للسيادة الإسرائيلية بشكل كامل.