أمد/ لم يعد خافيا على اي طفل فلسطيني ان الهدف من كذبة الدولتين هو اضاعة القضية الوطنية الفلسطينية الى الابد وتكرار تجربة اسياد الشر على وجه الارض مع شعوب وقبائل الهنود الحمر وحتى وصلنا الى صورة امريكا سيدة الديمقراطية والعالم الحر وراعية المنظومة العالمية الجديدة فقد ابادت هذه السيدة عن وجه الارض حوالي 20 مليون من اصحاب البلاد لتصل الى ما وصلت اليه ولتجبر الجميع بلا استثناء لنسيان ما فعلت والبدء بالاقتداء بها وقبول زعامتها فلماذا لا يتكرر ما جرى هناك على ارض فلسطين وبرعاية القتلة انفسهم.
لا يمكن ولا باي حال من الاحوال لا في الواقع وعلى الارض ولا حتى في السياسة ان يكون الواقع القائم اساسا لإقامة دولتين عربية ويهودية على ارض فلسطين الا بشكلين لا ثالث لهما الاول وفق قرار الامم المتحدة 181 الذي يدعو الى اقامة دولتين بكيان اقتصادي واحد ليتخطى عقبة الحدود والتواصل الجغرافي والنماذج على ذلك كثيرة واهمها الاتحاد السويسري والثانية دولة ديمقراطية واحدة واهم نماذجها جنوب افريقيا التي باتت دولة ديمقراطية ونموذجا للتعايش بين اعداء الامس في الحال الذي هي عليه الان.
لأكثر من قرن عانى شعب جنوب افريقيا من ذوي البشرة السوداء كل اشكال العنف والقمع والاضطهاد والتمييز والقتل وبنفس الاسلوب الذي تتعامل به الحركة الصهيونية مع الشعب الفلسطيني تعاملت الاقلية البيضاء المستعمرة لجنوب افريقيا فأنكرت وجود السكان الاصليين وجردتهم من اراضيهم وممتلكاتهم واخضعتهم لقوانين وسياسات عنصرية بغيضة وقد ادعى المستعمرين البيض ان جنوب افريقيا كانت بلا شعب وبلا هوية لسكانها الاصليين وانهم هم من قاموا بإعمارها بل وقد ادعوا انها لم تكون مسكونة اصلا لحظة وصولهم اليها وتماما كما تفعل الحركة الصهيونية في فلسطين استخدم البيض التزوير والخداع والتلاعب لتسهيل انتقال ملكية الاراضي الى المغتصبين البيض الذين سموهم زورا مستوطنين تماما كما يسمى المغتصبين في فلسطين اليوم وبلساننا علما بان كلمة مستوطن هي ارقى معاني التحضر وعكسها متنقل غير ثابت غير حضري وهو ما نكرره نحن هنا كالببغاوات بلا مضمون ولا معنى.
تماما كما يجري في فلسطين فقد سنت الحكومة العنصرية قانونا خاصا بالاراضي عام 1913 وعدلته عام 1936 مما سهل انتقال الاراضي الى الاقلية البيضاء وحشر 80% نت السكان في 13% من مساحة بلادهم وسيطر البيض 20% من السكان على باقي مساحة البلاد وضمن سياسة السيطرة تعرض حوالي 5 مليون جنوب افريقي اسود الى التهجير والنقل القسري ف في الفترة الواقعة ما بين 1950 – 1980م.
كل صنوف القهر والتضييق والعنصرية بأبشع صورها تعرض لها السود في جنوب افريقيا وها هم اليوم يعيشون مع جلاديهم في دولة باتت نموذجا يحتذى ويحترم من كل بني البشر وفي حالتنا الامر جدا مختلف فما بيننا وبين اليهود هو فرق الدين الذي نوؤمن نحن المسلمين والمسيحيين بان الدين اليهودي حق بل ان المنطق يقول اانا قبل ان نكون مسيحيين او يهود بالقطع كنا يهودا وان تغيير الدين لا يوجب تغيير الهوية الوطنية وان من يعتنق دينا اخر لا يجوز تجريده من ارضه وماله وحقه في الحياة وهذا يوجب التوقف عن البحث عن حقيقة من كان قبل من على هذه الارض الت يتحمل اسمها وتبقى كذلك فلا احد ينكر ان يسوع المسيح عليه السلام كان يهوديا وان اليهودية كانت في فلسطين قبل المسيحية وقبل الاسلام ولا زالت العهدة العمرية ماثلة الى اليوم حين تسلم الخليفة عمر بن الخطاب مفاتيح القدس من البطريرك صفرونيوس.
علينا ان لا نخجل ابدا من تاريخنا فلم يكن في فلسطين مسلما واحدا حين تسلمها الخليفة عمر بن الخطاب من البطريرك صفرونيوس ولم يكن بها مسيحيا واحدا حين ولد يسوع عليه السلام ولسنا بالتأكيد نبتا شيطانيا على هذه الارض بل من اصلها ومن ترابها وما المعيب في اننا كنا يهود ثم تنصرنا واسلمنا وبالتالي ما العيب في اننا فعلا نحن شعب الله المختار وليس بالتأكيد اليهودي الالماني او الفرنسي او البولندي او الروسي ففي كل بقاع الارض هناك مسلمين فهل كل مسلم عربي وهل كال عربي مسلم والا لأصبح من حق المسلم الصيني ان يستوطن ارض الحرمين في الحجاز ومن حق المسيحي الفرنسي ان يستوطن بيت لحم والقدس والناصرة وليس من حق المسلمين العيش الا في الجزيرة العربية.
كل الخرافات التي تسعى الى انتظار كذبة حل الدولتين انما تؤسس لإطالة أمد الصراع على قاعدة تنغيص حياة الفلسطيني لمغادرة وطنه او الاحساس باليأس من احتمالية الوصول الى اهدافه وهو ما تسعى له الصهيونية العالمية بقيادة بريطانيا العظمى ومن بعدها الولايات المتحدة الامريكية.
لا علاقة على الاطلاق بين فلسطين ومأساة اليهودية واليهود في العالم فكما ان هناك مسلمين في الهند لا غلاقة لهم بارض الحجاز ومسيحيين في الصين لا علاقة لهم ببيت لحم في فلسطين فان هناك يهود ايضا في كل انحاء العالم لا صلة لهم بالقدس ولا بفلسطين وما حكاية وموقف القس الالماني مارتن لوثر الذي كتب سنة 1953م عن اليهود وبكل وضوح في كتابه ” عيسى ولد يهوديا ” قائلا ” إن اليهود هم أبناء الله وإن المسيحيين هم الغرباء الذين عليهم أن يرضوا بأن يكونوا كالكلاب التي تأكل ما يسقط من فتات من مائدة الاسياد ” وفي حينها كان مارتن لوثر بحاجة لدعم اليهود الاكثر تأثيرا في اوروبا لرسالته فتودد اليهم بكل السبل وكان ذلك في كتابه المذكور انفا باعتبار ان على المسيحيين ان يظلوا شاكرين لليهود لان عيسى ولد يهوديا وان اليهودية هي من اهدت المسيحيين مسيحهم و في كتابه ” روما والقدس ” دعا مارتن لوثر الى اقامة وطن لليهود في فلسطين وهو ما اعتمد عليه ايضا نابليون بونابرت ففي نيسان 1799م اصدر نداءه الشهير الى اليهود على انهم ورثة ارض اسرائيل الشرعيين ثم تبعه الرئيس الاميركي جورج آدامز عام 1818 حيث دعى الى استعادة اليهود لفلسطين واقامة حكومة مستقلة لهم وتبعه رئيس وزراء بريطانيا بالمرستون عام 1839بان اصدر تعليمات واضحة الى القنصل البريطاني في القدس بمنح اليهود في فلسطين الحماية البريطانية كما ان فكرة ارض بلا شعب لشعب بلا ارض هي فكرة بريطانية قدمها اللورد البريطاني شافستبري الى رئيس وزراءه عام 1940 دعا فيه الى ان تتبنى بريطانيا مشروع ارض بلا شعب لشعب بلا ارض تضمن فيه اعادة اليهود الى فلسطين واقامة دولة لهم وفي عام 1844 تبنى البرلمان البريطاني مشروع اعادة امة اليهود الى فلسطين والف لجنة خاصة بذلك وفي عام 1880م تبنّى الأسقف الإنغليكاني في فيَنّا وليم هشلر النظرية التي تقول “إن المشروع الصهيوني هو مشروع إلهي، وإن العمل على تحقيقه يستجيب للتعاليم التوراتية”، وألف هشلر كتابا عام 1882م بعنوان “عودة اليهود إلى فلسطين حسب النبوءات”. وفي عام 1887 أسس بلايستون في شيكاغو منظمة “البعثة العبرية نيابة عن إسرائيل” لحض اليهود على الهجرة إلى فلسطين, ولا تزال هذه البعثة قائمة باسم الزمالة الأميركية المسيحية اذن فان البلفورية الحقيقة بدأت مع القس مارتن لوثر الذي انتهى بإعلان قناعته بان اليهود اسوا بني البشر لكنه ايضا رأى ان التخلص منهم يأتي عبر اراسلهم الى فلسطين وبذا تكون الصورة واضحة أي ان الذين جاءوا الى فلسطين ليس اليهود برغبتهم وارادتهم ولكن برغبة مسيحية توراتية وكارهة لليهود بنفس الوقت.
هناك اذن شعب واحد يملك الحق بفلسطين ولا احد سواه وهو الشعب الفلسطيني بكل مكوناته الدينية مسلمين او مسيحيين او يهود وما حركة ناطوري كارتا اليهودية الا اثبات على ذلك وما رفض اليهود المتشددين الخدمة بجيش الاحتلال الا اثبات على ذلك وما تشدد العلمانيين واليساريين وتمسكهم بالقومية اليهودية الا اثبات ان لا علاقة للدين بالأمر لا من قريب ولا من بعيد ذلك ان مؤسسي الحركة الصهيونية اوائل جميعا لم يكن لهم اية علاقة باليهودية التوراتية او الدينية لا من قريب ولا من بعيد وان اصحاب فكرة الدولة لا علاقة لهم ايضا باليهودية بل انهمم في حقيقة الامر ذهبوا الى هذا الخيار كرها باليهود وسعيا للتخلص منهم لا حبا بهم ولا عطفا عليهم.
اليهود اليوم هم اكثر صداقة مع المانيا صانعة الهولوكوست ومع بريطانيا التي اذلتهم وطردتهم مرارا ومع بولندا دولة الجيتوهات ومع امريكا التي احتقرتهم على مر العصور وكذا فان شعب جنوب افريقيا تخلص كليا من عنصرية اللون والاتحاد السويسري يجمع اعراقا تقاتلت وتناحرت لازمان طويلة وبالتالي فان اقامة فلسطين واحدة موحدة وديمقراطية لشعب فلسطيني واحد وموحد هو امر ليس اختراعا ولا فكرة مستحيلة بل حقيقة قائمة على الارض وفي شتى بقاع الدنيا فالهند بها من الاديان ما لا مكان لحصره وكذا هي اليابان والقائمة تطول لبلدان موحدة ومزدهرة وتعيش بأمن وسلام رغم كل التنوع الذي تحويه وبذا لا تكون فلسطين حالة شاذة بل هي الاولى ان تكون كذلك لتصبح عاصمة ومنارة للروح ورسالاتها جميعا على وجه الارض.
هي فلسطين اذن دولة واحدة لا تقبل القسمة وكل من يقبل قسمتها سيخونها ويخون اهلها لعلمه الاكيد ان الامر لا يعدو كونه مكيدة للتخلص من مسلميها ومسيحييها وان يظل ما بقي منهم ينفذون ما قاله القس الالماني مارتن لوثر راضين ” بأن يكونوا كالكلاب التي تأكل ما يسقط من فتات من مائدة الاسياد ” ولذا فلتتوقف الرهانات على اوسلو وحكايات امريكاعن الدولة الفلسطينية والبحث الذي لن ينتهي عن شكل للدولة المسخ التي لن تاتي ولا با يحال من الاحوال وبالتالي يجب ان نعود الى حقنا بفلسطيننا الواحدة التي لا تقبل القسمة ولن تبل القسمة فلا يوجد سعب واحد على وجه الارض قبل بتقسيم ارضه وانتصر