د. طلال الشريف
أمد/ في المنعطفات التاريخية تتغير الوجوه المنتصرة والمهزومة إلا في الشرق بوجه عام وفي فلسطين بشكل خاص.
المنعطف التاريخي ليس مجرد الحدث الذي يطفو على سطح الأحداث فقط، بل المرحلة القصيرة من الترتيبات التي سبقت الحدث والأثر قصير المدى الذي تبع الحدث لأن الأثر له ثلاث مراحل قصير ومتوسط وطويل المدى لان الأثر هو نتائج المنعطف وما يترتب عليه من مفاهيم ومنشآت أجتماعية وسياسية واقتصادية وعلاقات خارجية وداخلية جديدة نتجت من المكاسب او الخسائر او تغيرت مع مواقف الآخرين واذا لم يحدث التغيير فتلك دولة او جماعة او امة متجمدة في المكان والزمان ولا تستفيد من هذا الأثر ولا تتطور ويبقى التراجع سيد الموقف بدل التقدم، وهذا الفارق هو الذي يحمل المستقبل الافضل للدول التي تتغير فيها الخوارط السياسية وانظمة الحكم والحكام أما التراجع فيحدث للأمم الخاملة وأنظمة الحكم الديكتاتورية.
في حالتنا الفلسطينية خاصة وحالتنا العربية والشرق اوسطية عامة وهي مليئة بالديكتاتوريات والشعوب الخاملة لا تحدث تلك التغيرات الحيوية بعد المنعطف نتيجة القهر المزمن السياسي والاجتماعي وحتى الاقتصادي رغم غنى مجتمعات كثيرة وذلك نتيجة تفشي مفاهيم الظلامية الدينية اولا وأنظمة الإدارة العليلة بالواسطة والمحسوبية ثانيا وغياب الحريات ثالثا، ورابعا بتزوير الانتخابات ليس بالنتائج بل بتضليل المجتمع الجاهل الساذج بحلو الكلام دون الفعل، وخانسا بتاخير الصالح العام وتقديم الصالح الخاص للمتنفذين المبني على التحايل على القوانين او عدم صلاحية القوانين وتقادمها.
ظل ياسر عرفات يجري بالثورة وتراكيبها العقيمة من منعطف تاريخي إلى آخر أي من هزيمة إلى أخرى أو من نصر إلى آخر دون تغيير في المفاهيم والشخوص حتى وقع او اوقعه بؤس الحال الذي وصلت إليه منظمة التحرير في فخ اوسلو، وانتخب رئيسا دون منافسة حقيقية وبنفس النهج والمفاهيم الديكتاتورية والضحك عالذقون المجتمعية والسياسية إلى أن استبدله الأمريكان والإسرائيليون بالرئيس عباس الذي واصل نفس النهج الديكتاتوري بتغييب المؤسسات التشريعية واحتكار منظمة التحرير والمجالس التمثيلية واحتكار المال في الوظيفة العمومية والأقصاء والعقاب بقطع الراتب رغم المنعطفات التاريخية الهامة في عهده كالانقلاب الحمساوي واستيلاء حماس على الحكم في قطاع غزة، وأيضا فساد السلطة والتذيل للتنسيق الأمني، واكبر المنعطفات التاريخية في عهد الرئيس عباس كان في أحداث ثلاث أكثر اهمية مما سبق على الصعيد الوطني، الاول اقتحامات جيش الاحتلال للمناطق ألف (A) والعمل بها طوال الوقت دون تصدي أو تغيير في نهج الرئيس او الشخوص المتنفذين، والحدث الثاني هو اعلان القدس كاملة عاصمة لإسرائيل دون للتصدي لذلك، والحدث الثالث الكبير او المنعطف التاريخي الأكبر وهو الحرب الجارية المدمرة على غزة بغض النظر عن المسبب حماس، فالحرب دمرت الجغرفيا الفلسطينية والشعب الفلسطيني المسؤول عنه الرئيس عباس.
ناتي للأهم، حماس وهي على وشك مغادرة المشهد السياسي كليا او جزئيا وهي التي قامت بالانقلاب في غزة واستولت على السلطة وقسمت الوطن عموديا وأفقيا واضعفت القضية وقامت بالحروب وأخرها الحرب المدمرة لا يعني تغييبها هو جائزة للرئيس عباس وسلطته لإبقاء النظام الحالي كما هو، بل ايضا يجب ان يغادر المسرح الرئيس عباس وفريقه لترفع القبضة الحديدية على منظمة التحرير ومؤسسات الحكم في الضفة الغربية، والمطلوب ليس تغيير وزارة بوزارة، بل المكلوب تغيير النظام السياسي بمجمله ليحل محله نظاما جديدا وموحدا في ربوع الوطن، أي في الضفة الغربية وقطاع غزة والمهجر وكذلك تحديث النظام في خدمة القضية وخدمة المواطن الفلسطيني أينما تواجد.
وفي النهاية نقول، كما تواجدت حماس في غزة وقمعت الحريات وصادرت حقوق المواطنين وسيطرت على الوظيفة العامة واجهزة الأمن وغيبت العدل لصالحها كتنظيم فقد فعلت ذلك فتح كتنظيم ومعها الرئيس في رام الله اي في الضفة الغربية .
الآن نريد نظاما جديدا بعد تجربة الحكم السابقة التي اضعفت القضية الوطنية وظلمت الشعب الفلسطيني كله وبعد كل الاخفاقات وتغييب الديمقراطية والظلم الذي حل بأهل غزة والضفة الغربية وإهمال شؤون شعبنا في المهجر، يجب ان يتغير هذا النظام بشقيه في غزة والضفة الغربية، وعندها يمكن لشعبنا أن يواصل مسيرة التحرر والانعتاق من الاحتلال، وتغييب حماس من غزة لم تكن جهودا للتيار الوطني بمجمله بل جهدا للإحتلال ومصالحه وعلى شعبنا تغيير الرئيس وإدارته والنظام في الضفة الغربية بدل ان يغيره الإحتلال الذي سيعني بان الشعب الفلسطيني غير قادر على حكم نفسه بنفسه وما يترتب عن هذه النقائص ونصبح غير جديرين بالتحرر واقامة دولتنا أمام العالم، ومعلوم للجميع بأنه لو صدقت الولايات المتحدة في إقامة الدولة الفلسطينية فهو رد فعل لعمل قامت به حماس وتضحياتها وليس فعلا قامت به السلطة وغيرها طوال فترة مفاوضات السلام رغم الدمار الذي حل بغزة وأهلها.
كلما غابت إرادة الشعب أكثر في اختيار قيادته ونوابه يغوص الشعب الفلسطيني في خلافاته ويرتفع منسوب الظلم على الشعب ويتفتت الصمود في وجه الاحتلال.