د.عقل صلاح
أمد/ بعد خروج قادة حركة حماس من الأردن سنة 1999، بدأت القطيعة على المستوى السياسي الرسمي بين الأردن وحماس، وتم إغلاق مقرات الحركة السياسية فيها، ومطالبة قيادتها بالمغادرة. فتحت لهم سوريا أراضيها ومنحتهم الحرية السياسية وسمحت لهم بالتدريب العسكري حتى شباط/فبراير 2012، ومع اندلاع ما يسمى بالربيع العربي تبنت حماس موقف جماعة الإخوان المسلمين المعارض لسوريا، ووقفت مع من استهدف البيت الذي كان يأويهم ويوفر لهم الحماية وحرية الحركة في سوريا “حسب قول الرئيس بشار الأسد فتحت لهم قصري ولم يحافظوا على البيت الذي فتح لهم، ما تعرضنا له من قبل حماس موقف غدر”، وانقلب قادة الحركة علنًا على حليفهم الرئيس الأسد وأبدوا تأييدهم “للانتفاضة” التي تهدف للإطاحة بحكمه، ويمكن القول إن حماس أخطأت بالخروج من سوريا، حتى جاء القائد الشهيد صالح العاروري وحاول ترميم هذه العلاقة بمساعدة كل من حزب الله وإيران ومازال العمل جاريًا على ترميم العلاقة مع سوريا على الرغم من صعوبة العودة إلى ما كانت عليه. ويذكر أن الشيخ العاروري كان مهندس العلاقة مع محور المقاومة وهو الركيزة الأساسية التي فتحت نافذة الفرص السياسية لعودة وتنظيم العلاقة ما بين حماس والمحور على هذا الشكل الحالي، وأصبح المحور قادر على الثبات والقتال في ذات الوقت كما هو حاصل في القطاع ولبنان واليمن والعراق.
وفي العودة إلى العلاقة الحمساوية السورية، يذكر أنه بعد الطلب التركي والقطري من العاروري مغادرة أراضيهم بسبب الضغط من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي عرضت مكافأة مالية كبيرة لكل من يدلي بمعلومات عنه لاغتياله أو اعتقاله؛ فكان حزب الله والضاحية الجنوبية في لبنان هي الحاضنة الوطنية الحقيقية التي رحبت به، ومنها استطاع العمل بكل حرية إلى إعادة تنظيم الجهاز العسكري الحمساوي وتزويد كتائب القسام في جميع أماكن تواجدها في السلاح والتدريب والتنسيق اللوجستي والدعم المالي اللامحدود لتهريب السلاح لفلسطين. كما استطاع العاروري بناء جهاز قسامي في لبنان يضم الآلاف من المقاتلين الحمساويين في لبنان، وتمكن من تنظيم علاقة متينة ووطيدة مع كل أطراف المحور وبالتحديد مع سماحة الشيخ حسن نصر الله، حيث أصبحت كلمة العاروري نافذة في دائرة محور المقاومة حتى اغتياله من قبل إسرائيل في الضاحية الجنوبية.
وبعد خروج قادة حماس من سوريا إلى دولة قطر وجزء منهم إلى تركيا وماليزيا بناء على الاستجابة لمطالب جماعة الإخوان المسلمين، فأصبحت قطر المركز القيادي لحماس، بالوقت نفسه أصبحت تركيا المركز القيادي لجماعة الإخوان المسلمين المصرية بعد إسقاط حكم الجماعة في مصر من قبل وزير الدفاع عبد الفتاح السياسي الذي أصبح رئيس مصر، وأصبحت جماعة الإخوان المسلمين محظورة في مصر، وزج قادتها في السجون المصرية وفي مقدمتهم الرئيس محمد مرسي والمرشد العام، والجزء الآخر الموجود في تركيا تم التضيق عليه بعد عودة العلاقات السياسية الخارجية التركية المصرية. ثم قامت حماس بقطع علاقتها التنظيمية مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر من أجل ترميم علاقاتها مع النظام المصري الجديد، والإبقاء على الممر البري الوحيد لقطاع غزة مع العالم، مما أضعف موقف حماس وحركة الإخوان، وعلى الرغم من إقدام حماس على هذه الخطوة بقيت العلاقة مع مصر تراوح ما بين فاترة ومتوترة وانعدام الثقة ما بين الطرفين، ولم يتم فتح المعبر بل تم تشديد الحصار المطبق على القطاع، وتم هدم أنفاق التهريب للقطاع.
بعد انتقال قادة حماس إلى قطر، ومنهم رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية الذي خرج من غزة ولم يسمح له بالعودة لها فاستقر مع القادة في قطر، وأصبحت قطر مركز الحجيج لمن يريد التفاوض مع حماس وبالتحديد أوقات الحروب التي شنتها إسرائيل على القطاع، ومحاولات المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية، وتوسط قطر ما بين حماس وإسرائيل، وعملت قطر على تحمل فاتورة رواتب موظفي حماس والعديد من جوانب المساعدات الإنسانية للقطاع حتى أصبحت تعرف بشنطة الدولارات القطرية لحماس للمحافظة على الهدوء في القطاع، وبموافقة إسرائيلية أمريكية وأوروبية وخليجية، وكان الهدف من ذلك تطويع حركة حماس ونقلها من حركة تحرر وطني إلى حركة سياسية تقبل في الحلول السلمية الحالية، وفي النهاية إخضاعها؛ ولكن السابع من أكتوبر 2023، أثبت عكس كل المخططات والمراهنات، وتم مفاجأة الجميع بأن حماس تستطيع أن تتعامل مع كل الأطراف والسياسات دون المساس في الفهم الوطني التحرري الجهادي، بمعنى المحافظة على المقاومة وإمكانياتها التي مازالت صامدة بعد ستة أشهر من القتال والتي حققت ما لم تستطع جيوش تحقيقه.
بعد الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع، بدأ الجميع في العالم يتجه في الأنظار نحو دولة قطر -التي تبني علاقات خارجية مع جميع أطراف الصراع في الشرق الأوسط- والحديث المباشر مع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، حيث أصبحت قطر مركزًا لحجيج الوفود العالمية، ومركزًا للتفاوض والتوسط، واستطاعت قطر وبمساعدة مصر في التوصل لهدنة إنسانية وإطلاق سراح العشرات من الرهائن الإسرائيليين مقابل إطلاق مئات من الأسرى الفلسطينيين وإدخال المساعدات للقطاع، وبعد ذلك تواصلت الجهود القطرية في التوسط من أجل التوصل لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن مقابل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين وإعادة المهجرين والإعمار، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع. بنفس الوقت كان ومازال الرؤساء الأمريكي والفرنسي والبريطاني وغيرهم على تواصل مع أمير قطر من أجل شكره على التوسط والإنجاز، ولكن بنفس الوقت يحثون قطر على الضغط على حماس من أجل التنازل وتقليل سقف مطالبها. وأصبح أمير قطر يستقبل في فرنسا وغيرها كرئيس دولة عظمى، وهذا يقودنا إلى تصريح نتنياهو بالطلب من قطر الضغط على حماس للتنازل والقبول في الإفراج عن الرهائن ضمن الشروط الإسرائيلية، وهذا يشكل خطورة على دولة قطر قبل حركة حماس، ففي حالة إقدام قطر على الضغط أو كما رشح أن قطر هددت أو ستهدد حماس في الطرد من قطر بحال لم تستجب للمطالب الأمريكية والإسرائيلية والعربية، وهذا ما لا أتوقعه من دولة قطر في هذه الظروف، فهذه الخطوة إذا أخطأت قطر وأقدمت عليها، فإنها ستكون الخاسر الأكبر، ولن يرفع جو بايدن أو غيره من رؤساء العالم والمنظمات العالمية الهاتف للاتصال بأمير قطر كل يوم، فنافذة الفرص السياسية القطرية ستضيق جدًا وستعود قطر إلى حجمها الطبيعي في السياسة الخارجية؛ فقطر إذا كانت تريد استثمار نافذة الفرص التي فتحتها لها حماس بظل وجودها في قطر، عليها المحافظة على بقاء حماس وقادة حماس في قطر وعدم الضغط عليها، من أجل المصالح السياسية القطرية أولًا قبل النظر إلى المصالح الفلسطينية. ولا مناص من القول، أن عملية الضغط على حركة حماس تمارس من قبل العديد من الأطراف وبالتحديد من الدول العربية التي يجتمع معها أنتوني بليكن للمرة السادسة منذ السابع من أكتوبر.
مما لا شك فيه أن قطر أصبحت تدرك أكثر من غيرها كيف تفكر حماس، وكيف يتم صنع القرار الحمساوي، ولقد أصبح هذا واضحًا بعد قيام حماس في معركة طوفان الأقصى، فصنع القرار الأساسي لحماس في فلسطين المحتلة وقادة الحركة الذين يقودون العمل العسكري هم في غزة وجزء منهم في الضاحية الجنوبية في بيروت، فأي عملية ضغط على الجناح السياسي الحمساوي المتواجد في قطر لن تقبل به قادة الحركة في القطاع وسيؤثر سلبًا على العلاقة، وبنفس الوقت لن تقبل به قادة المقاومة الحمساوية، فعملية طوفان الأقصى انطلقت من أجل الخلاص من الاحتلال وإطلاق سراح الأسرى المؤبدات وفك الحصار عن القطاع، غير ذلك بعد كل الدمار والقتل والإبادة والتجويع لا يمكن لحماس القبول في الشروط الإسرائيلية والأمريكية فعلى هذا الأساس الضغط القطري لن يقدم ولن يؤخر في موقف كتائب القسام منذ أن اتخذت القرار في الإقدام على هذه المعركة، فلا يمكن أن تتنازل الكتائب عن أهداف المعركة الأساسية. لكن يمكن لها التفاوض من أجل تحقيق الأهداف المعلنة لعملية الطوفان وهذا مشروع، فهيكل الفرص السياسية لحماس يتسع وحماس قادرة على فتح النوافذ السياسية التي تغلق أمامها، فحماس التي أقدمت على المشاركة السياسية في النظام السياسي الفلسطيني وفازت فوزًا ساحقًا في الانتخابات كانت تسعى للسيطرة على القطاع، ومن ثم قامت ببناء القوة العسكرية التي استطاعت الوصول إلى معركة الطوفان، وصعقت الجميع بقدراتها العسكرية التي مازالت تحقق الإنجازات الهائلة في الميدان.
في النهاية، لا أعتقد أن حماس ستستجيب إلى أي ضغط يقلل من سقف مطالبها ويظهرها بمظهر المهزوم، وفي نفس الوقت لا يمكن أن تقدم قطر على أي خطأ استراتيجي قاتل بطرد قادة حماس من أراضيها، كما أنه ليست من مصلحة أمريكا وإسرائيل خروج المركز القيادي الحمساوي من قطر لتركيا التي ستتحول جميع الأنظار إليها، مما سيجعل حماس تتشدد في مواقفها، ولا يمكن لتركيا ممارسة نفس السياسات الضاغطة عليها، وكل ذلك سيغلق نافذة الليونة السياسية والتفاوضية الحمساوية مع الوسطاء. فحركة حماس متعودة على الطرد والخروج من الدول فتم طردها من الأردن إلى سوريا وتم خروجها من سوريا إلى قطر وتركيا وتم طرد الشيخ الشهيد العاروري من تركيا وقطر إلى لبنان فعمليات الطرد لم تمنع حماس من الوصول إلى طوفان الأقصى فعملية الطرد الجديدة إذا حصلت والتي نستبعدها ستقود حماس إلى مربع توحد أجنحتها السياسية والعسكرية والتنظيمية نحو التشدد، فقطر تعلم أن محور استقرار الشرق الأوسط هو القضية الفلسطينية، ومركز الاهتمام الدولي يدور حول من يملك القوة ويوجع إسرائيل ويهدد أمنها ومستقبل وجودها وهو ما تملكه حماس، على هذا الأساس لن تسمح الولايات المتحدة بالتهور في اتخاذ القرار بذهاب حماس إلى الضاحية الجنوبية التي ستغلق جميع النوافذ السياسية، وتفتح نافذة العمل العسكري والتحالفات الاستراتيجية مع محور المقاومة التي ستزيد من تشكيل الخطر على مستقبل الكيان الإسرائيلي، ولا يمكن لقطر أن تتخلى عن جماعة الإخوان المسلمين العالمية التي تربطهما علاقات وطيدة واستراتيجية وسياسات عامة في عموم الشرق الأوسط.