د. رمزي عودة
أمد/ لقد وقع علينا نحن الشعب الفلسطيني ظلم تاريخي منذ أكثر من 100 عام خلت، وما زلنا نقبع تحت هذا الظلم. أراضينا سلبت، واستشهد وجرح مئات الألاف من أبنائنا ونسائنا وأطفالنا، سرقت أموالنا، ودمرت بيوتنا، أسر مئات الألاف من شبابنا، شرد الملايين منا وعاشوا في الشتات، وغيرها الكثير الكثير من الجرائم المستمرة بحقنا كفلسطينيين، وخير مثال على هذه الجرائم ما يقع علينا في هذه اللحظات من ظلم وقهر وجوع في العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة. ومع كل هذا الظلم الكبير الذي نستشعره ونعيشه يومياً، فما زلنا شعب حي عظيم، نبني ونتزوج، وندرس بالجامعات، ونكتب الكتب والمقالات، ونرسم ونعزف الموسيقى، وكأننا نقول للعالم أجمع: نحن الشعب الذي يستحق الحياة ويعيش الأمل ويسعى للوصول الى أحلامه التي لا تموت. نحن الشعب الذي يحمد الله ألف مرة يومياً على انه فلسطيني ومتمدن ومتسامح.
بالمقابل، تصوروا لو كنت إسرائيلياً، كيف يمكنني أن أربي أطفالي على القيم والأخلاق بينما أعود من خدمتي في جيش قتل طفلاً أو أغتصب سيدةً أو أسر شاباً أو دمر بيتاً وربما أكون أحد الذين قاموا بهذه الجرائم؟ . كيف يمكنني أن أعلم طلبتي في الجامعة جمهورية أفلاطون الفاضلة ونظرية هيجل عن المثل واشتراكية ماركس عن العدالة بينما أنا جزء من دولة تسرق وتقتل وتأسر بعيداً كل البعد عن كل هذه القيم والأخلاق. كيف يمكن أن أعيش قصص الحب والشعر والموسيقى بينما تملؤ حياتي يومياً قصص الكراهية والدم؟ كيف يمكنني أن أعاقب طالباً غش في الامتحان بينما دولتي التي أفتخر أني مواطن فيها زورت التاريخ وسرقت تراث وتاريخ وأراضي شعب أخر؟ كيف يمكن لي أن أعلم أولادي الصلاة بينما دولتي تعتدي على أماكن العبادة للأخرين وكأن إلاههم غير إلاهنا؟ كيف يمكنني أن أغني للسلام والتسامح بينما دولتي تعتاش على الحروب وتقتات من دماء الأطفال؟ كيف يمكنني أن أحترم مجتمعي وأنتمي اليه بينما يشارك هذا المجتمع يومياً بحصار المدن والقرى ووضع الحواجز العسكرية على مداخلها ؟ كيف يمكنني أن أدعو الى العدالة والمساواة بينما اشارك شخصياً في فرض نظام فصل عنصري على شعب أخر؟ كيف يمكنني أن أهدي طفلي في عيد ميلاده صورتي وانا افجر منزلاً للأخرين؟
الحمد الله أنني لم أكن إسرائيلياً، والا لفقدت إحترامي وحبي لذاتي ولمجتمعي ولكتبي وأبحاثي ولزوجتي وأطفالي وطلبتي. الحمد الله أنني لم أكن إسرائيلياً، والا لما استطعت النوم ومناظر الأطفال الذين قتلتهم تلاحقني في منامي. الحمد الله اني لم أكن إسرائيلياً، والا لما استطعت أن اعشق وطني وأن أنتمي اليه بينما سرقت أرض الأخرين وطردتهم من بيوتهم وأنا ادرك جيداً أن موطني الحقيقي ليس هنا. الحمد الله أنني لست اسرائيلياً، والا لن اسامح نفسي على المشاركة في الابادة الجماعية التي تحدث في غزة الأن. في الحقيقة، الحمد الله أنني ولدت فلسطينياً، فحتي مع الظلم الذي يقع علي فأنا ما زلت إنساناً، وما زلت عاشقا، وما زلت كاتباً وأباً ومعلماً وباحثاً.