أمد/
رام الله: في لقاء وداعي مهيب حضره جميع الزميلات والزملاء العاملين في مقر وزارة الخارجية والمغتربين، وبمناسبة إنهاء تكليف د.رياض المالكي وزيراً للخارجية والمغتربين، اختلطت المشاعر وتزاحمت الأفكار وخيم جوا من حزن الوداع، وتفاوت مؤثر بين الالتزام المهني والقناعة بالتغيير وطبيعة التخوفات الموضوعية المصاحبة له. نعم لم يعد د.رياض المالكي وزيراً للخارجية والمغتربين بعد أن ارتبط اسمه بالوزارة طيلة 17عاماً في رقم قياسي للمدة التي يمضيها وزيراً في الحكومات المتعاقبة، شكلت له تحدياً وثقلاً عليه في آن، خاصة من جهة مقدرته على إثبات الجدوى المناسبة لتقرير بقائه طيلة تلك السنوات وإنجاز الأهداف الكبرى المنوطة به وتنفيذ سياسة وتوجيهات فخامة الرئيس محمود عباس على اكمل وجه.
وبكل تجرد وموضوعية، من حق وزيرنا علينا ووفاءً لعطائه وجهده منقطع النظير نؤكد على ما يلي:-
1- تشرفنا بالعمل بتعليماته على أرضية الثقة التي منحها له الرئيس، والثقة والصلاحيات الواسعة التي وفرها لفريق عمله سواء في الوزارة أو السفارات والبعثات، فكان قدوة لنا في بذل الجهود والعمل على مدار الساعة وملاحقة جميع مسارات العمل وصولاً لتحقيق الانجازات في الساحات وتلمجالات كافة.
2- تعلمنا منه القدرة على رؤية أدق التفاصيل والافكار والتقاط الأهم منها وتحويلها إلى مشروع إنجاز وخطة عمل قادرة على تحقيقه، وكان يسبقنا بذكائه المتقد في إدراك مدى أهمية القضايا والمفاهيم التي قد تبدو بلا قيمة أو يمكن المرور عليها مرور الكرام لينسج منها رؤية متكاملة وبرنامج عمل لتحقيق هدف ما. وفي ذات الوقت كان مستعما جيداً لفريق عمله المتخصص ويتفاعل بمنتهى الجدية مع الأفكار المطروحة ويقدرها ويترجم الافضل منها إلى آليات عمل ويحدد أدواته حتى تصبح انجازات محققة.
3- عرفناه دمث الخلق وخجولاً في علاقته مع المحيط وكان لنا أخاً وصديقاً مخلصاً، أمضى في أسرته الكبيرة من الوقت أضعاف أضعاف ما أمضاه مع اسرته الصغيرة.
4- طاف الكرة الأرضية ولم يهدأ له بال وهو يحمل ثقل الأمانة والمسؤولية تجاه شعبنا وقضيته وحقوقه ومعاناته، واستطاع تكريس الوزارة وبناء شخصيتها القانونية والدبلوماسية واخترق أي سقف سياسي متدني يحاول الاحتلال فرضه على شعبنا، ولم يقبل للوزارة إلا أن تكون وزارة خارجية دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية وليس أقل من ذلك .
5- كأي مسيرة عمل أبدع وزيرنا في تحقيق إنجازات استراتيجية غير مسبوقة لشعبنا على المستويات كافة، بالرغم من وجود عثرات واخفاقات تكتيكية قد تتعلق بالأوضاع الداخلية للوزارة والسفارات وحقوق الكادر.
6- من الصعوبة بمكان حصر انجازات الدبلوماسية الفلسطينية التي تحققت في عهد الوزير د.المالكي، والتي ما كان لها أن تتحقق بدون توجيهات وثقة السيد الرئيس والامكانيات التي وفرها ورعايته وحمايته لها، نؤشر في هذه العجالة على بعض محطاتها:
في عهد الوزير ترسخت الشخصية القانونية لدولة فلسطين وحصلت على العضوية غير الكاملة في الأمم المتحدة ورفع العلم الفلسطيني على مقر الأمم المتحدة الرئيس ومقراتها الفرعية أيضاً، وبجهود مضنية بذلها الوزير وفريق عمله خاصة في ظل حرب الإبادة الجماعية على شعبنا في قطاع غزة أصبح المناخ الدولي أكثر نضجاً لنيل دولة فلسطين العضوية الكاملة أكثر من أي وقت مضى، هذا بالإضافة للانجاز الذي شكله قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص طلب فتوى من محكمة العدل الدولية بشأن هذا الاحتلال الذي طال أمده، وكذلك المحطة الهامة التي تمثلت في ترؤس دولة فلسطين لمجموعة ال ٧٧ والصين عام ٢٠١٩-٢٠٢٠، وكذلك توقيع اتفاقيات انضمام دولة فلسطين لعشرات المنظمات والوكالات الدولية المتخصصة.
استطاعت الدبلوماسية الفلسطينية في عهد الوزير المالكي أن تحصد المزيد من اعترافات الدول بدولة فلسطين وبناء شراكات دولية معها أسوة بعديد الدول الأخرى، وغادرنا وقد انضمن الوضع الأوروبي بالاقدام على خطوة الاعراف الجماعي أو الفردي بالدولة الفلسطينية. وكان الوزير المالكي باقتدار الاب الحقيقي لتفعيل المسار القانوني الدولي بحثا عن العدالة الدولية للشعب الفلسطيني باعتباره ضحية مستمرة للاحتلال، وفتح أبواب المحكمة الجنائية الدولية، واعاد فتح أبواب محكمة العدل الدولية مجدداً انتصارا لآلام وعذابات شعبنا في قطاع غزة الذي يتعرض لأبشع أشكال الإبادة والتهجير والتدمير.
انجز الوزير المالكي في مجال فتح سفارات جديدة لدولة فلسطين واستقبل بعثات دبلوماسية معتمدة لديها، واعطى العمل القنصلي كل اهتمام لازم من أجل تقديم أفضل وأسرع الكدمات لأبناء شعبنا أينما كانوا، بما في ذلك توقيع اتفاقيات عديدة تمكن المواطن الفلسطيني من دخول عديد الدول بدون تأشيرات، وقادة وزارة الخارجية والمغتربين الجهود الوطنية في عديد الأزمات الدولية ونجحت في تسهيل حركة وتنقل المواطنين العالقين من والى الوطن بكل اقتدار كما كان الحال في أزمات الكورونا وأوكرانيا والسودان وغيرها.
اسس الوزير الوكالة الفلسطينية للتعاون الدولي (بيكا) كذراع فلسطينية رسمية تقدم الإغاثة والعون وسبل التنمية لعديد الشعوب في المجالات كافة خاصة في الازمات والكوارث بالشراكة التامة مع الأطراف الفلسطينية ذات العلاقة، وأشرف عليها كرافعة لتعزيز علاقة دولة فلسطين الثنائية مع تلك الدول وشعوبها. وفي عهده أيضا أنجز بناء مقر الوزارة المؤقت بشكل يليق بدولة فلسطين وخارجيتها، ويكاد ينهي الاشراف على بناء المعهد الدبلوماسي التابع للوزارة.
وأخيرا لا يمكننا حصر انجازات الدبلوماسية الفلسطينية التي تحققت في عهد الوزير، لكن يمكننا القول ان الوزير د.رياض المالكي جبل من الجهد والابداع والانجازات، خاصة الجهود العظيمة التي بذلها منذ بدأت حرب الإبادة ضد شعبنا في قطاع غزة وتعليماته لجميع قطاعات وإدارات ووحدات واقسام الوزارة وللسفارات والبعثات بالاستنفار وقطع الإجازات والتفرغ الكامل لتحقيق أوسع جبهة دولية وأممية ضاغطة وفاعلة لوقف العدوان وحرب الإبادة وحماية المدنيين وادخال المساعدات لهم بشكل مستدام، وانسحاب قوات الاحتلال من القطاع باعتباره جزءا لا يتجزأ من أرض دولة فلسطين، ووضع خطة عمل محكمة وشاملة لتحقيق تلك الأهداف تشمل مجالات الدبلوماسية الفلسطينية كافة سواء الأممية أو التقليدية أو الدبلوماسية العامة والإعلام، فطيلة حرب الإبادة زار وزير الخارجية عديد الدول وشارك في عديد المؤتمرات والقمم والاجتماعات الأممية والتقى في مقر الوزارة مع العشرات من نظرائه وهو يحمل لواء هذه الأمانة دفاعاً عن شعبنا عامة وعن اهلنا في قطاع غزة خاصةً.