أمد/
أنقرة: أعلنت المعارضة التركية فوزها في الانتخابات المحلية على حساب حزب العدالة والتنمية الذي يقوده الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي تجرع مرارة الخسارة للمرة الثانية على يد أحد أبرز خصومه السياسيين، أكرم إمام أوغلو، مرشح حزب الشعب الجمهوري، الذي تمكن من الاحتفاظ برئاسة بلدية إسطنبول التي فاز بها للمرة الأولى في عام 2019.
وبدا واضحاً على أردوغان الذي سبق وأن تولى رئاسة بلدية إسطنبول خلال الفترة ما بين 1994 و1998، التأثر بهذه "الخسارة المفاجئة"، إذ قال إن نتائج هذه الانتخابات ستكون "نقطة تحول" بالنسبة لحزبه الذي تعهد بأنه سيدرس "الرسائل الصادرة عن الشعب".
وتمكنت المعارضة ومرشحها أكرم إمام أوغلو من الفوز برئاسة بلدية إسطنبول التي يبلغ تعداد سكانها 16 مليون نسمة، وتقود الاقتصاد التركي، أمام مرشح حزب العدالة والتنمية مراد قوروم. وينظر إلى هذا الفوز، مرة أخرى، كتغيير في المشهد السياسي المنقسم بالفعل في تركيا جراء التحديات الاقتصادية والتهديدات الأمنية التي تشكلها الهجمات المتتالية.
وأعلن أكرم إمام أوغلو، المنتمي إلى حزب الشعب الجمهوري، احتفاظه بمنصبه الذي يشغله منذ عام 2019، مع فرز غالبية صناديق الاقتراع. وقال لأنصاره الذين كانوا يحتفلون بالفوز: "غداً ربيع جديد لبلادنا".
وينظر إلى إمام أوغلو، البالغ من العمر 52 عاماً بشكل متزايد، على أنه المنافس الأكبر لحزب أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2028.
وأكرم إمام أوغلو هو مهندس ورجل أعمال في الأصل، ولد في عام 1971 في أكشابات في ولاية طرابزون شرق تركيا لأب كان يعمل تاجراً وأم مزارعة.
درس في المرحلة الابتدائية في قرية يلدزلي التي انتقل إليها عن عمر 3 سنوات، والتحق في الثانوي بمدرسة طرابزون، ثم بجامعة شرق البحر المتوسط في جمهورية شمال قبرص التركية حيث حصل على دبلوم في الهندسة المدنية.
والتحق أوغلو بجامعة جيرن، ودرس بكلية الاتصالات قبل أن ينتقل إلى إسطنبول حيث درس في كلية إدارة الأعمال وتخرج فيها، وأكمل بذات الجامعة مرحلة الماجيستير في قسم الموارد البشرية والإدارة، وتخرج منها عام 1995.
وحصل أوغلو على عضوية نادي "طرابزون سبور" لمدة عام في 2002، وعمل لاحقاً كمدير في نادي "بيليك دوزو"، وقبل ذلك، عمل في شركة العائلة في مجال البناء، كما كانت له تجارب في قطاع صناعة المواد الغذائية عندما أدار مطعماً في منطقة جونجورن في إسطنبول.
وتعود بدايات إمام أوغلو في السياسة، إلى أيام الدراسة عندما كان ضمن الحركة الشبابية لحزب "الوطن الأم" مطلع التسعينات، وبعدها بدأ احتكاكه بحزب الشعب الجمهوري الذي اقترح عليه الترشح عن الحزب لرئاسة بلدية بيليك دوزو في الانتخابات المحلية عام 2004، لكنه رفض الأمر.
وعام 2008، انضم أوغلو رسمياً لحزب الشعب الجمهوري، وبعدها بعام عُين رئيساً لمنطقة "بيليك دوزو" في الحزب، وبعدها بفترة أصبح أول رئيس منطقة يتم انتخابه من قبل المؤتمر الإقليمي للحزب.
وأعيد انتخابه رئيسا لمنطقة "بيليك دوزو" عام 2012، قبل أن يستقيل من هذا المنصب بعدها بعام تمهيداً لمشاركته في الانتخابات المحلية في العام التالي، وفاز برئاسة بلدية "بيليك دوزو" في عام 2014 بعدما نجح في تحسين أداء حزبه ورفع معدل التصويت له بنحو 21%.
متاعب قضائية
ومنذ أن أصبح رئيساً لبلدية إسطنبول عام 2019، أضحى إمام أوغلو مستهدفاً قضائياً، وذلك بعد أن ألحق الهزيمة بأردوغان وحزبه اللذين سيطراً على أكبر مدينة تركية طوال 25 عاماً.
ومنتصف العام الماضي، تمت محاكمة مرشح المعارضة بتهم تتعلق بالفساد وتزوير عقد مالي نهاية العام 2015 عندما كان رئيساً لبلدية "بيليك دوزو"، إحدى ضواحي إسطنبول.
وأوغلو متّهم في هذه القضية مع ستة أشخاص آخرين بـ"تزوير" عقد يعتقد أنه كبّد المالية العامة خسائر بـ250 ألف ليرة (نحو 90 ألف دولار حينها)، وهو الأمر الذي ينفيه إمام أوغلو، ويقول إن تحقيقاً سابقاً في الموضوع ذاته خلص إلى عدم وجود أي مخالفة. كما سبق أن اتهم أردوغان باستخدام المحاكم ضد خصومه السياسيين.
ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يجد فيها إمام أوغلو نفسه أمام المحكمة، إذ حُكم عليه في نوفمبر 2022 بالسجن عامين وسبعة أشهر، بالإضافة إلى تجريده من حقوقه السياسية بتهمة "إهانة" أعضاء لجنة الانتخابات، لكنه تمكن من استئناف هذا الحكم والاحتفاظ بمنصبه على رأس البلدية.
وعند فوزه بالمنصب في عام 2019، جُرد إمام أوغلو في البداية من هذا الفوز الذي حققه بفارق ضئيل في الانتخابات، لكنه عاد وفاز بفارق أكبر في جولة الإعادة.
طموحات سياسية
ولا يخفي إمام أوغلو طموحاته السياسية التي تعزز من جديتها شعبيته في استطلاعات الرأي، وهو الأمر الذي لا يلقى استحساناً من معسكر الحزب الحاكم.
واستبعد إمام أوغلو عن الانتخابات الرئاسية في 2023، بسبب الحكم القضائي الصادر في حقه.
وفاز أردوغان في الانتخابات الرئاسية بعد أن حصل على 52.2% من الأصوات في الدورة الثانية في مواجهة مرشح المعارضة كمال كيليجدار أوغلو، ودفعت هذه المرحلة، إمام أوغلو، إلى التشكيك في الأداء الضعيف لحزب الشعب الجمهوري.
ويطالب أوغلو بالتغيير في صفوف حزب الشعب الجمهوري الذي أسّسه مصطفى كمال أتاتورك، الأب المؤسّس للجمهورية التركية الحديثة، لتحقيق نتائج أفضل في الانتخابات المستقبلية وللتخلّص من هيمنة أردوغان على غالبية مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية في تركيا.
وعقب الخسارة في الانتخابات الرئاسية، عين حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل غير المعروف نسبياً رئيساً له، بدلاً من زعيمه كمال كيليجدار أوغلو. وبعد جولتي تصويت مشحونتين في مؤتمر الحزب، خسر كيليجدار أوغلو البالغ من العمر (74 عاماً) منصبه لصالح أوزيل الذي يدعمه إمام أوغلو.
ويحظى أوغلو بدعم الناخبين الأكراد، وكانت أصواتهم سبباً مهماً في فوزه ببلدية إسطنبول عام 2019، بعد أن قرر الحزب الموالي للأكراد تأييد مرشح حزب الشعب الجمهوري، وعدم تقديم مرشح لتجنب تشتت الأصوات وإعطاء فرصة لمرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم.