د. عبد الرحيم جاموس
أمد/ اليوم تمر الذكرى الثانية والثلاثين لسقوط طائرة الرئيس الشهيد الخالد أبو عمار في الصحراء الليبية…. وفي عيادته الرئيس معمر القذافي رحمهم الله رحمة واسعة وأسكنهما فسيح جناته … كان يوما عصيبا .. حتى جرى اكتشاف الطائرة وانقاذ الرئيس ومرافقيه وقد ضحى طاقم الطائرة بأنفسهم لإنقاذ الرئيس أبو عمار ومرافقيه عليهم رحمة الله 7/4/1992الى 7/4/2024 م. وهنا نقدم نبذة موجزة عن السيرة الذاتية للرئيس الشهيد الخالد أبو عمار ليعرفه جيل الشباب ويقتدوا بمسيرته وتجربته……….رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته. مع الشهداء والنبيين والصديقين وحسن أولئك رفيقا .. ولد “محمد ياسر” عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني في القدس يوم الرابع من آب / أغسطس 1929. بعد وفاة والدته السيدة زهوة في العام 1933 ترك ياسر عرفات وشقيقه فتحي منزل الأسرة في القاهرة، وتوجها إلى القدس حيث أقاما فيها مع خالهما سليم أبو السعود حتى العام 1937 حين عادا إلى القاهرة، ليعيشا في كنف الوالد مع بقية الأسرة، والتحق ياسر بمدرسة تدعى “مدرسة مصر”. توجه إلى فلسطين في ربيع 1948 حيث قاتل ضد قوات العصابات الصهيونية بجنوب فلسطين، ثم انضم إلى”جيش الجهاد المقدس” الذي أسسه عبد القادر الحسيني وعين ضابط استخبارات فيه. التحق في العام 1949 بكلية الهندسة في جامعة فؤاد الأول ” بالقاهرة. أسس مع عدد من الطلاب الفلسطينيين “رابطة الطلاب الفلسطينيين” في العام 1950وانتخب ياسر عرفات رئيسا لها. انتخب رئيسا لرابطة طلاب جامعة القاهرة في العام 1952 وبقي محتفظا بالمنصب حتى نهاية دراسته في العام 1955. تخرج ياسر من الجامعة في العام 1955، وعقب تخرجه أسس رابطة الخريجين الفلسطينيين. عمل مهندسا في الشركة المصرية للإسمنت في المحلة الكبرى في العامين 1956-1957. التحق بالجيش المصري فور اندلاع حرب السويس في 28 /10/ 1956 “العدوان الثلاثي” كضابط احتياط في وحدة الهندسة في بور سعيد. سافر إلى الكويت في أواخر العام 1957وعمل مهندسا في وزارة الأشغال العامة، ثم أنشأ شركة للبناء وكرس الكثير من وقته لنشاطاته السياسية السرية. أسس مع عدد من الفلسطينيين ومنهم خليل الوزير “أبوجهاد” حركة التحرير الوطني الفلسطيني ” فتح” في الكويت في أواخر العام 1957. أصدر مع ” أبو جهاد” صحيفة شهرية هي”فلسطيننا – نداء الحياة” في 1959 . أسس مع ” ابو جهاد” أول مكتب لـ”فتح” في العام 1963، ثم أسس المكتب الثاني للحركة في العام التالي 1964 في دمشق. شارك في المؤتمر التأسيسي لمنظمة التحرير الفلسطينية في القدس في العام 1964 كممثل عن الفلسطينيين في الكويت. اعتقل في سورية أثناء قيامه بنقل أصابع ديناميت من لبنان إلى الأردن في 1964. اطلق مع رفاق دربه في “فتح” الكفاح المسلح مساء يوم 31 كانون الأول /ديسمبر 1964 في العملية العسكرية الأولى “عملية نفق عيلبون”. دخل إلى الأرض المحتلة في تموز/يوليو 1967 بعد شهر على سقوطها تحت الاحتلال عبر نهر الأردن للإشراف على سير عمليات الكفاح المسلح ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي. قاد قوات الثورة الفلسطينية في تصديها للقوات الإسرائيلية في معركة الكرامة في الأردن في 21 آذار/ مارس 1968 ونجا خلالها من محاولة إسرائيلية لاغتياله. عينته “فتح” يوم 14 نيسان/أبريل 1968 متحدثا رسميا باسم الحركة، وفي بداية شهر آب/ أغسطس من نفس السنة عينته ناطقا وقائدا عاما للقوات المسلحة لحركة “فتح” .. المسماة” العاصفة “. انتخب في الـمجلس الوطني الفلسطيني الخامس (شباط/فبراير 1969) رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وكان يتم تجديد انتخابه للمنصب في دورات المجلس حتى استشهاده. اختارته مجلة “تايم” الأميركية في نهاية 1969 “رجل العام” وتكرر ذلك في سنوات لاحقة. شارك في القمة العربية الخامسة في الرباط” كانون الأول/ديسمبر 1969″ بعد أن تكرست مكانته في زعامة الفلسطينيين، ولأول مرة وضع مقعد رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في الصف الأول على قدم المساواة مع رؤساء وملوك الدول العربية الأخرى، ومنحت المنظمة حق التصويت في القمة. نجا من الموت قصفا أكثر من مرة خلال أحداث أيلول/سبتمبر 1970 في الأردن. انتقل إلى لبنان مع انتهاء الوجود الفلسطيني المسلح في الاردن في تموز/ يوليو1971. شارك بصفته رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة في مؤتمر القمة الرابع لحركة عدم الانحياز في 1973 في الجزائر، حيث قرر المؤتمر الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا وحيدا للشعب الفلسطيني وانتخب عرفات نائبا دائما للرئيس في حركة عدم الانحياز. شارك في مؤتمر القمة الإسلامي في لاهور بباكستان في شباط/فبراير 1974 والذي أعلن أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وانتخب عرفات نائبا دائما للرئيس الدوري لمنظمة المؤتمر الإسلامي. كرس مكانة المنظمة عربيا في القمة العربية السادسة في الرباط في 28 تشرين الأول/أكتوبر 1974 التي اعترفت بمنظمة التحرير “ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني “. توج النجاحات السياسية للثورة الفلسطينية يوم 13تشرين الثاني /نوفمبر 1974 حين ألقى خطابا تاريخيا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال عبارته الشهيرة في ختام الخطاب” جئت حاملا غصن الزيتون في يد، وفي الاخرى بندقية الثائر، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي.” قاد معارك الدفاع عن الثورة الفلسطينية بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في العام 1975 متحالفا مع القوى الوطنية والتقدمية في لبنان. حاول الاسرائيليون اغتياله في تموز/يوليو 1981حين قصفوا البناية التي تضم مقر قيادته في الفاكهاني ببيروت ودمروها كليا ليدفنوا تحت انقاضها أكثر من مئة شهيد. قاد قوات الثورة الفلسطينية في معركة الصمود ببيروت 1982 وخلالها نجا من عدة محاولات لاغتياله. غادر بيروت يوم 30/8/1982على متن السفينة اليونانية “أتلانتيد” .. كانت اليونان محطته الأولى بعد المغادرة ومكث فيها يوما واحدا وغادرها إلى تونس المقر الجديد لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية في المنفى. تصدى في العام 1983 للانشقاق الذي نفذه عدد من عناصر “فتح” بدعم وتوجيه من الحكومة السورية، وعاد إلى طرابلس بشمال لبنان سرا عبر البحر في 20/9/ 1983ليقود القوات الفلسطينية وحوصر في طرابلس حتى 19/12/1983 ليغادر بعدها ويزور مصر لينهي بذلك المقاطعة العربية لها. جدد المجلس الوطني في اجتماعه بعمان في 1984 الثقة به وانتخبه مرة أخرى رئيسا للجنة التنفيذية للمنظمة. نجا من محاولة لاغتياله في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 1985 حين قصفت 8 طائرات إسرائيلية مقر قيادته في حمام الشط بتونس ودمرته. أعلن إستقلال “دولة فلسطين” في الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في 15 تشرين الثاني /نوفمبر1988. ألقى خطابا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 13/12/ 1988 في جنيف حيث قامت الجمعية العامة في خطوة غير مسبوقة، بنقل اجتماعاتها من نيويورك خصيصا للاستماع إلى كلمته بعد أن رفضت واشنطن منحه تأشيرة دخول إلى نيويورك. أعلن في جنيف يوم 14/12/1988 قبول القرار 242 ونبذ الإرهاب ما نتج عنه إعلان الرئيس الأميركي رونالد ريغان فتح حوار مع المنظمة في اواخر العام 1988. انتخبه المجلس المركزي الفلسطيني رئيسا لدولة فلسطين في 30/4/ 1989. تزوج من سهى الطويل يوم 17/7/1990في تونس. نجا من موت محقق عندما سقطت طائرته وتحطمت في الصحراء الليبية أثناء رحلة انطلقت من الخرطوم في 7/4/1992. حضر مراسم توقيع “اتفاقية أوسلو” بين منظمة التحرير والحكومة الإسرائيلية في 13/9/1993في البيت الأبيض بواشنطن. انتخبه المجلس المركزي الفلسطيني يوم 12/10/1993 رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية. حصل بالاشتراك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين ووزير خارجيته شمعون بيريس على جائزة نوبل للسلام في العام (1994) وفي نفس العام حصل ايضا على جائزة هوفوات ـ بوانيي للسلام وجائزة صندوق ريغان للسلام، وجائزة الأمير استورياس” ولي العرش الاسباني”، وحصل على عدة جوائز أخرى وأوسمة وشهادات دكتوراة فخرية من دول وجامعات خلال مراحل قيادته للشعب الفلسطيني. وقع مع اسحق رابين في 4/5/1994″ اتفاقية القاهرة” لتبدأ مرحلة نقل الأراضي المحتلة “غزةـ أريحا أولا” إلى السلطة الفلسطينية. عاد إلى أرض الوطن في 1/7/1994 لأول مرة بعد 27 سنة من الغياب القسري بزيارة “استهلالية” لغزة وأريحا قبل عودته النهائية للاستقرار في الوطن يوم 12/7/1994حين وصل إلى غزة ليبدأ من مقره في”المنتدى” معركة بناء السلطة الوطنية وإقامة مؤسساتها. رزق بابنته الوحيدة “زهوة “في 24 /7/ 1995. انتُخب رئيسا للسلطة الفلسطينية بحصوله على88.1% من أصوات المشاركين في الانتخابات التي جرت لأول مرة في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية في 20 /1/1996. شارك في مؤتمر القمة الثلاثية في كامب ديفيد بالولايات المتحدة في تموز/يوليو 2000 والتي انتهت بالفشل بعد رفضه لمحاولات فرض حلول إسرائيلية لقضايا الوضع النهائي، لتبدأ بعد ذلك الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الثانية إثر زيارة ارئيل شارون للحرم القدسي الشريف يوم 28/9/2000. تعرض لحملة منهجية أدارها شارون بدعم أميركي في العام 2001 لإلصاق تهمة الإرهاب به شخصيا. منعته إسرائيل يوم 8/12/2001من مغادرة رام الله إلا بإذنها وبدأت فعليا مرحلة محاصرته في رام الله. غاب عن المشاركة في القمة العربية في بيروت في 26/3/2002 لأن شارون هدد بأنه لن يسمح له بالعودة إلى الأراضي الفلسطينية إذا غادرها. حاصرته القوات الإسرائيلية داخل مقره بالمقاطعة في رام الله صباح 29/3/2002 ومعه 480 شخصا وأطلق الجنود النار والقذائف في جميع الاتجاهات. وانسحب الجيش الإسرائيلي من المقاطعة ليلة 1ـ2 /5/ 2002بعد تفجير آخر مبنى فيها. ولم يكن رفع الحصار كاملا فقد حظر شارون على عرفات مغادرة الأراضي الفلسطينية إلا إذا قرر عدم العودة إليها. هاجم الجيش الإسرائيلي مقره بوحشية يوم 5/6/ 2002، ولم تسلم غرفته من الرصاص، لم يصب بأذى لكن أحد حراسه استشهد وأصيب سبعة آخرون. وجد عرفات نفسه يوم 24/5/2002 أمام حرب صريحة من بوش عليه: فقد طلب بوش في خطابه في ذلك اليوم تشكيل قيادة فلسطينية جديدة ومختلفة .. ودعا إلى رحيل عرفات عن منصبه. تعرض مقره لهجوم جديد من قوات الاحتلال في19 /9/2002 واحتل الجيش الإسرائيلي المقاطعة لمدة ستة ايام وقصف مبنى الرئيس بالمدفعية. تعرض لحملة اميركيةـ إسرائيلية لإقصائه عن السلطة وتحويله إلى رئيس بصلاحيات محدودة في أواخر العام 2002. قررت الحكومة الأمنية الإسرائيلية المصغرة مبدئيا في اجتماعها يوم 13/9/2003 ” ازالته ” وأطلقت بعد ذلك جملة من التصريحات والتلميحات حول التخلص منه.. بقتله أو ابعاده أو سجنه وعزله. منع من مغادرة الاراضي الفلسطينية للمشاركة في القمة العربية بتونس يوم 22/5/2004 فتحدث اليها في كلمة متلفزة. ظهرت أولى علامات التدهور الشديد على صحته يوم الثلاثاء 12تشرين الأول/أكتوبر 2004 وأصيب بمرض في الجهاز الهضمي. تدهورت حالته الصحية تدهوراً سريعاً يوم الأربعاء 27 تشرين الأول/ أكتوبر2004. ووافق بنفسه على قرّار الأطباء بنقله إلى فرنسا للعلاج، بعد تلقي تأكيدات أميركية وإسرائيلية بضمان حرّية عودته للوطن. أدخل إلى مستشفى بيرسي في كلامار قرب باريس في فرنسا في 29تشرين الأول/ أكتوبر 2004 وتزايد الحديث عن احتمال تعرضه للتسمم، ثم تدهورت صحته أكثر. ظل يصارع مرض موته إلى أن أسلم الروح لباريها في الساعة الرابعة والنصف من فجر الخميس الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2004. ودع الرئيس الفرنسي جاك شيراك جثمانه يوم 11/11/2004 أمام المستشفى ثم ودعته فرنسا بمراسم رسمية مهيبة. وأقلت طائرة حكومية فرنسية جثمانه إلى القاهرة حيث أقيمت له في اليوم التالي الجمعة جنازة عسكرية مهيبة بمشاركة وفود رسمية من 61 دولة وبحضور حشد من قادة الدول العربية والاسلامية والأجنبية. نقلت مروحية عسكرية مصرية جثمانه في نفس اليوم الجمعة 12/11/2004 إلى رام الله حيث كان نحو ربع مليون مواطن في انتظاره في رحلته الأخيرة..
ووضع جثمانه في ضريح خاص في المقاطعة دفن فيه “مؤقتاً”، لأنه أوصى بدفنه في باحة الحرم القدسي الشريف، حيث سيتم نقل رفاته إليه بعد تحريره…. وقد تولى رفيق دربة محمود عباس أبو مازن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية خلفا له كرئيس للجنة التنفيذية ثم رئيسا للسلطة الفلسطينية ورئيسا لدولة فلسطين ورئيسا لحركة فتح ليكمل المسيرة التي ابتدأها الشهيد القائد وتحقيق اهداف الثورة الفلسطينية في العودة والحرية والاستقلال وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس متمسكا بالثوابت الوطنية التي قضى على اساسها الشهيد الخالد أبوعمار ..
ولنا في مسيرته ومواقفه الثورية وفي معاركه العسكرية والسياسية والديبلوماسية العبرة يا جيل الشباب ….