المحرر: أحمد أبو السعود
أمد/ فلسطيني من مدينة باقه الغربية من المناطق المحتلة عام 1948، من أسرة فلاحيه، علاقاتها وعاداتها وقيمها وطنيه بامتياز، يتفاخر بأنه بقي على صدور الأعداء ينغص عليهم بوجوده وكل أبناء شعبنا في تلك المناطق، ابن لأسرة متشبعة بالروح الوطنية، الأمر الذي انعكس على وليد منذ كان طفلاً.
درس في مدارس بلدته، وعمل في أخر وقت قبل اعتقاله في محطة لتوزيع الوقود، ولحظات اعتقاله جاؤوا إليه وهو يحمل ساندويشاً من الحمص، لم يدعوه يكمل ساندويشته، فبقي كل السنوات يشعر برغبة قويه لحمل ساندويشة حمص، تحول من شاب بعمر العشرينات يعيش في وسط (يهودي) متفكك أخلاقياً، وفيه كل المغريات إلى مناضل يبحث عن الثورة، فيتاح له السفر إلى اليونان ومن هناك إلى سوريا فمعسكر التدريب، ويقضي ما هو مطلوب من الوقت، ثم يعود حاملاً تعاليم ووصايا رفاقه، وكأنه أصبح يحمل مسؤولية الوطن، كانت مهمته والمجموعة التي يعمل من خلالها أسر جندي صهيوني لكي يتم من خلاله عملية تبادل للأسرى، لم تمض سوى أيام قليله حتى بات الجندي بأيدي المجموعة أسيراً، وكان المفروض أن يتم استلامه من قبل مجموعة أخرى بمنطقة جغرافية أخرى لإخراجه خارج أرض فلسطين، لكنهم لم يأتوا لاستلامه، مكث مع المجموعة يتنقلون به من مكان لآخر مدة أسبوع، وحين اشتد الخناق عليهم اضطروا إلى تصفيته غير أسفين، رغم أن طموحهم كان برؤية ألاف الأسرى وهم يتحررون في عملية تبادل نوعيه، غير أن حساب السرايا لم يطابق حساب القرايا.
خاض وليد معركة التحقيق وعمره حينذاك 24 عاماً، ولم يقرأ لا فلسفة المواجهة ولم تحيط به أجواء ثوريه كشباب غزه والضفة الغربية، مع ذلك ناور وحاور وصمد ومورست معه أساليب قمعيه وتنكيل وغيرها، لم يقدم أي اعتراف، إلا بعد أن اعترف عيله أحد افراد المجموعة وشهد في وجهه مرات عديده، مكث شهوراً بالتحقيق، فتشكلت لديه تجربة قاسيه جداً، درّسها إلى ألاف الأسرى، وخرج إلى السجن مع رفاقه، متفتح شغوف على إقامة علاقات مع الأسرى رفاقاً وأخوة ومجاهدين وحظي على احترام وتقدير الجميع، وليد يتمتع بشخصية مرحه ويحب النقاشات ولديه دائماً افكاراً جديده سواء بالواقع الذي يعيش فيه أم بواقع النضال عموماً.
حلم بالدراسة بالجامعة والحصول على شهادة جامعيه، وكان يعبر عن ذلك، فوجد فرصته في عام 1992 حيث حصل إضراب شهير بأن يتقدم باقتراح مطلب الدراسة الجامعية عن بعد كجزء من مطالب الإضراب، وقد تمت الموافقة على هذا الطلب الذي عنى له الشيء الكثير، وكان من أوائل من تقدموا بطلب الالتحاق بالجامعة العبرية، وشجع العشرات ونجح بالجمع بين الدراسة والعمل الاعتقالي والتنظيمي، بكل الأحوال رغم شغفه بالجامعة، لكنه أوقف الدراسة لأسباب تتعلق بمهام عمله التنظيمي، وحقق حلمه وشاركه الرفاق وكل محبيه وهم كثر الفرح، ثم استكمل دراسته ليحصل على الماجستير كذلك، وما بين دخوله السجن عام 1986 ونيله شهادة الماستر تحول وليد من مناضل عادي إلى قائد فذ، ومن وليد البسيط بوعيه وثقافته إلى كاتب محترف ومبدع في الابتكار لأفكار ومصطلحات، وأكثر من ذلك فإن وليد يذوب في هموم الآخرين فكانت والدته تتبنى العديد من الأسرى العرب (الدوريات) يتقاسم وإياهم ليس فقط الملابس وأموال الكانتينا وإدخال الكتب، بل حب الأهل ورعايتهم واهتمامهم، كان فخور بنفسه وبأهله الذين يستجيبون بمحبة ورضا تام لمطالبه الكثيرة والمكلفة أحياناً.
في زمن الانتفاضة الثانية كان لديه رصيد واسع جداً من العلاقات مع الأخوة والرفاق والمجاهدين، لا يعيقه التباين السياسي أو الإيديولوجي، فهو وطني بامتياز وروحه وطنيه، كان يستقبل الأسرى المقاومين الجدد وخاصة في سجن شطه حيث كان يتواجد في تلك الفترة، من تم اعتقالهم من جينين وكانوا من أبطال مخيم جينين، أجرى معهم لقاءات وحوارات لخصها بكتابه الأول عن المقاومة، يوميات مقاوم.
38 عاما لوليد كفيله أن تحوله إلى مفكر بحق لأنه كان مختلفاً ومتميزاً بأفكاره وتطلعاته ورؤيته للتغير للأفضل، إنه يتفاعل مع الواقع ويستفيد من دراسته والبرامج التي كان يتابعها والكتب غير المحدودة التي كان يقرأها، والجرائد التي يتفحصها بدقه يومياً، ما كان غريب أن يكتب عن الزمن الموازي، فيشرح الزمن العادي الذي يعيش فيه العالم وزمن الأسرى الموازي والمغاير، ثم يقدم حكايات سر الزيت التي لقيت اهتماماً كبيراً وسر السيف، لم يعد وليد يعبئ ويحرض ويوجه الأسرى وكل من يمكنه التواصل معهم، بل أصبح يحرض كتلة بشرية أوسع من خلال كتاباته.
لأنه غير عادي نجح بقوة إرادته وإصراراه أن يحقق شيئاً لم يحصل من قبل أو بعد، وهو نسج حكاية حب مع سناء سلامه المتطوعة لخدمة قضايا الأسرى، ليس هذا فحسب، بل جعل الإدارة الصهيونية توافق على عمل عرس وعقد قرانه عليها في حفل مميز، حيث حضر ثلاثون شخصاً من ذويه وذوي العروس بالإضافة إلى مشاركة خمسة عشر أسيراً بالحفل داخل السجن وفي قاعة خاصه، وكتب كتابه وشهد الأسرى أمام الشيخ الذي حضر خصيصاً، ولبس لباس العرس هو وزوجته، والتف من حولهما كل الحاضرين ليلتقطوا صوراً ما تزال شاهداً على ذاك الحدث المميز، وعلت الزغاريد داخل السجن ودق الطبل والأهازيج لمدة ساعتين، ليعلن أن وليد اصبح متزوجاً وعريساً، ويوزع الحلوى على جموع الأسرى بالسجن.
القانون الصهيوني يسمح للأسرى اليهود أن يتزوجوا وأن يجتمعوا مع زوجاتهم وينجبوا أطفالاً، حاول وليد من خلال المحاكم سحب هذا القانون على حالته فرفضوا مراراً وتكراراً، الأمر الذي اضطره إلى تهريب نطفة وانجاب طفلته ميلاد، ليعلن بعدها وليد ويقول لقد أصبح اسمي جملة مفيدة (ميلاد وليد دقه)، كافحت سناء زوجته وناضل هو من داخل السجن كثيراً ليبقى وإياهم على تواصل فعمل على تهريب موبايلات وعلى مدى أكثر من عشرين عاماً، لكنهم أوقعوا به في إحدى المرات حيث أدخل له عضو كنيست موبايلات وقاموا بتصويرهم، ثم محاكمتهم وإضافة عامين على حكمه الذي كان بالأساس مؤبد ثم تم تحديده عبر جولات مع المحاكم إلى 37، أضافوا إليه عامين، ولم يتبقى له سوى أقل من عام للتحرر, وعلى ذكر المحاكم، اشتغل وليد ومعه سناء ومحامين أخرين على رفع الكثير من القضايا لأسرى ومنهم من تحرروا, ومنهم من استعادوا حقوقاً لهم، ممن تحرروا أبو رفعت شيخ الأسرى وكان عمره سبعون عاماً أمضى 23 عاماً بالأسر، وكذلك أبو سميره أسير مصري أمضى أكثر من عشرين عاماً، كما عمل على ملف أبو السكر الذي حمل لقب شيخ الأسرى بعد أبو رفعت، وغيرهم.
كان هم وليد وشاغل تفكيره كيف يمكنه مساعدة الآخرين، لولا ذلك ما كان حظي على كل هذا الحب من جموع الأسرى فكلهم أصدقاء له، تحول وليد إلى شخصية وطنيه من المثقفين والمفكرين والأهم من المناضلين المتفانين، هذه صفات الشهداء، المجد لوليد نمر دقه الشهيد الذي ينحفر اسمه عميقاً في القلوب وفي تاريخ الكفاح والبطولة الفلسطينية. عقله وقلبه وإرادته تغلبت وصمدت وكان لها أن تصمد سنوات أخرى، لكن جسده الذي زرع الصهاينة فيه جرثومة السرطان لم يقوى على الصمود والمقاومة فتوقف ليعلن وليد شهيد مع قوافل الشهداء الذين يفدون الوطن وفلسطين.
المجد للشهداء والنصر لشعبنا حتماً وأكيد