أمد/
واشنطن: بعد 6 أشهر من الحرب بين إسرائيل وحماس، أصبح السؤال المطروح ليس فقط حول مصير قطاع غزة المدمر، بل أيضاً حول قيادة الملايين من الفلسطينيين وتطلعاتهم إلى إقامة دولتهم.
الحرب الحالية أدت إلى تفاقم عجز شرعية السلطة الفلسطينية
وفي تقرير لمجلة "نيوزويك" الأمريكية، تحتل حماس التي أشعلت الصراع بهجومها غير المسبوق في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الصدارة في استطلاعات الرأي.
وأوضحت المجلة أن المنافس الرئيسي لحماس هي حركة فتح، التي تقود السلطة الوطنية الفلسطينية وتدير أجزاء من الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل بموجب اتفاقات عمرها 30 عاماً، وتحظى بدعم الولايات المتحدة لإدارة غزة بعد الحرب.
أزمة شرعية
وقالت المجلة إن "الصراع لم يؤدي إلا إلى تعميق أزمة شرعية فتح بعد عقود من نزيف الدعم".
وحسب استطلاعات الرأي الأخيرة، لا يوجد فرد لديه كتلة من المتابعين، إذ أن الأقرب هو مروان البرغوثي، زعيم فتح الذي يقضي 5 أحكام بالسجن المؤبد بتهمة القتل في سجن إسرائيلي.
ومن خلفه يأتي زعيم حركة حماس إسماعيل هنية، فيما يحظى محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية البالغ من العمر 88 عاماً والذي انتخب قبل 18 عاماً، بدعم لا يتجاوز الـ 10، ويرغب أكثر من 80% من الفلسطينيين في استقالته.
عجز السلطة
ومن جهته، قال غيث العمري، وهو زميل بارز في معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى، لمجلة نيوزويك: "إن الحرب الحالية لم تؤدي إلا إلى تفاقم عجز شرعية السلطة الفلسطينية".
وأضاف "بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي – حتى لو أردنا التكيف مع الارتفاع المعتاد في شعبية حماس خلال الحرب – فقد تراجعت مصداقية السلطة الفلسطينية بين الفلسطينيين، حيث يُنظر إليها على أنها سلبية وغير فعالة، مع عدم قدرتها على التأثير على مسار الحرب أو التوصل إلى نهايتها".
وبحسب المجلة، فإن السؤال الحاسم هو من سيحكم غزة عندما يتوقف القتال، حيث تريد الولايات المتحدة أن تكون تحت السلطة الفلسطينية في حين تدرس إسرائيل فرض الحكم العسكري.
حُكم غزة
والسؤال الحاسم هنا هو من سيحكم غزة عندما يتوقف القتال. وتريد الولايات المتحدة أن تكون تلك هي السلطة الفلسطينية. وتدرس إسرائيل فرض الحكم العسكري.
وقال رشيد الخالدي، الأستاذ بجامعة كولومبيا الذي قدم المشورة بشأن المفاوضات العربية الإسرائيلية خلال عملية أوسلو للسلام في أوائل التسعينيات، إن أياً من هذين الخيارين لن يوفر تمثيلاً سياسياً للفلسطينيين. في ذلك الوقت، أنتج الاتفاق بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية أملاً نادراً في إمكانية التعايش بين الدولتين.
وقال الخالدي لمجلة نيوزويك: "إن منظمة التحرير الفلسطينية الديمقراطية التي يتم إحياؤها هي وحدها القادرة على قيادة الفلسطينيين بفعالية للحصول على حقوقهم".
وجاء الاختراق الذي حققته منظمة التحرير الفلسطينية تحت قيادة رجل الكوماندوز الفلسطيني البارز الذي تحول إلى رجل دولة ياسر عرفات، الذي قاد أيضًا فتح وأصبح أول رئيس للسلطة الفلسطينية. لكن المحادثات بشأن إقامة الدولة تعثرت واندلعت انتفاضة فلسطينية جديدة. وبحلول الوقت الذي توفي فيه عرفات في عام 2004، كانت السلطة الفلسطينية تواجه اتهامات بسوء الحكم والفساد. وقد استفادت حماس من ذلك.
عباس، المعروف باسم أبو مازن، حل محل عرفات لكنه كان يفتقر إلى نفس الأتباع. وعندما انسحبت إسرائيل من قطاع غزة عام 2005، كافحت السلطة الفلسطينية لفرض سيطرتها. وفازت حماس بانتخابات عام 2006 هناك ثم استولت على السلطة بالقوة مما مهد الطريق لمزيد من الصراع مع إسرائيل.
وبدوره، قال فيصل العرنكي، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، لمجلة نيوزويك إن "الحكم في غزة لن يعتمد فقط على شروط وقف إطلاق النار، بل على التقدم نحو حل الدولتين الذي تدعمه الولايات المتحدة، ولكن يعارضه رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني بنيامين نتانياهو".
وأضاف أن "الحكومة اليمينية المتعصبة في إسرائيل، عملت وما زالت تعمل على تقويض مصداقية السلطة الوطنية الفلسطينية".
وأشار متحدث باسم مكتب نتنياهو، إلى أن عضواً نشطاً في قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية نفذ هجوماً مؤخراً على إسرائيليين، وأن السلطة تدفع رواتب لعائلات القتلى الذين هاجموا إسرائيليين، وأن السلطة الفلسطينية لم تدين بعد عمليات القتل التي وقعت في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وقال لمجلة نيوزويك: "لن تكون هناك قوة حاكمة تمول الإرهاب أو تثقف على الإرهاب".
وقال غازي حمد، وهو مسؤول كبير في حماس، لمجلة نيوزويك إن الموقف الهامشي للسلطة الفلسطينية وسط الحرب الأخيرة أدى إلى المزيد من فقدان مصداقية عباس.
وأضاف أن "أحداث 7 أكتوبر كشفت هذا العجز عن حماية الشعب الفلسطيني وتقديم الحلول العملية".
وأضاف حمد "نقول إنه يجب أن تكون هناك قيادة وطنية مقبولة وتحافظ على الحقوق الوطنية". وأضاف "يمكن تشكيل هذه القيادة بتوافق الفصائل الفلسطينية لفترة مؤقتة لحين إجراء الانتخابات".
وقال باسم نعيم، وهو مسؤول كبير آخر في حماس ومتحدث باسمها، لمجلة نيوزويك، إنه لا يمكن لأي قوة خارجية أن تفرض زعيماً على الفلسطينيين.
أبرز المتنافسين
ووفق المجلة، لم تعين السلطة الفلسطينية بعد خليفة واضحاً لعباس، على الرغم من أن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ قد تم الترويج له، ولفتت إلى أن الرجل الوحيد الذي يتصدر استطلاعات الرأي باستمرار هو القائد العسكري السابق لحركة فتح مروان البرغوثي.
وأظهر استطلاع للرأي أُجري في مارس (آذار) الماضي، حصوله على تأييد 40%، مقابل 23% لهنية، و8% فقط لعباس، في منافسة افتراضية بين الثلاثة. وشبه بعض الفلسطينيين البرغوثي، المسجون منذ عام 2002، بالزعيم الجنوب أفريقي الراحل والسجين السياسي نيلسون مانديلا.
وقال خالد الجندي، وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط، لمجلة نيوزويك: "يتمتع مروان بشعبية كبيرة بين الفلسطينيين، ويمكن أن يكون قوة موحدة في السياسة الفلسطينية".
سلطة انتقالية
ونظراً للتحديات التي قد تواجهها السلطة الفلسطينية في غزة، فإن قِلة من هذه الأطراف تناقش الآن إنشاء سلطة انتقالية دولية بتفويض من الأمم المتحدة. ومن بينهم هبة الحسيني، المستشارة القانونية السابقة للوفود الفلسطينية في محادثات السلام.
وقالت الحسيني: "إنه نهج مبتكر وقد حقق نجاحات في أماكن مثل تيمور الشرقية وكوسوفو والكونغو وغيرها من الأماكن التي مزقتها الحرب. حيث تتمتع هيئة تقنية المعلومات بسلطة إدارية عامة، لتكون بمثابة سلطة حكم انتقالية بحكم الأمر الواقع لإعادة تشكيل دولة فاشلة، ويمكن أن ينطبق هذا على السياق الفلسطيني في غزة."
ومن غير الواضح ما إذا كانت مثل هذه الفكرة ستجذب أياً من أولئك الذين لديهم رأي – ناهيك عن الفلسطينيين أنفسهم – لكن الحسيني تعتقد أن الوقت قد حان لشيء جديد، وأضافت "من بين رماد هذه الحرب الرهيبة، هناك فرصة يمكن الاستفادة منها، لكنها تحتاج إلى تغيير في القيادة في كل من إسرائيل وفلسطين".