د.تحسين الاسطل
أمد/ منذ اعلان الاحتلال الاسرائيلي انتهاء العملية البرية بمحافظة خانيونس قبل ثلاثة أيام، وعشت بهاى٥٢ عاما مع 700 الف مواطن، وكانت تعج بالحياة حتى يوم 4/12/2023 الذي بدأ فيه جيش الاحتلال حربه على كل اشكال الحياة فيها ، وكل مظاهرها العصرية، مستخدما احدث ما توصلت اليه تكنولوجيا السلاح الأمريكي والالماني والبريطاني ، وغيرها من الدول المساندة للاحتلال بجرائمه ، لتمكن حكومة تعلن عن توجهاتها الفاشية والعنصرية ، ونوياها الاجرامية في تنفيذ حرب الابادة التي ما زالت ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة كما الضفة الغربية والقدس.
على مدار الايام الثلاثة الماضية حاولت بكل السبل ان اعرف خانيونس ، او أجد لها عنوان او معلم او مدرسة او مسجد نبدأ منه المشوار فلا تجدها غير حساب الخطوات للوصول إلى العنوان المراد والتي اختفت بفعل حرب التدمير على مدار أربعة شهور كاملة تحركت فيها فرقة عسكرية كاملة ، مدعومة بقصف مدفعي وجوي وبحري ، وجابت كل حارة ومربع وزقاق وشارع ، بعد إجبار سكانها على ترك منازلهم تحت تهديد القصف والمجازر الجماعية بحقهم ، خاض جيش الاحتلال معارك طاحنة مع محافظة بكل ما فيها من مباني ومؤسسات ، وجعل مكوناتها ساحة حقيقية لهذه المعارك التي لم تتوقف ساعة واحدة ، غيرت فيها معالم المحافظة وعناوينها وشوارعها وتم تجريف المنازل بعد قصفها بالطائرات الحربية والمدافع والدبابات وتقتل كل من تبقى فيها من المواطنين العزل الابرياء ، حيث سجل الدفاع المدني غياب اكثر من عشرة آلاف مواطن تقطعت بهم السبل ودمرت منازلهم وهم بداخلها .
وكصحفي من أبناء المحافظة ، استطيع القول انني لم أستطع الاستدلال على كثير من الشوارع ، رغم معرفتي بالجيدة بها ، خلال العودة إلى المنزل بعد غياب أربعة شهور، رغم ان منزلي لا يبعد اكثر من خمسة دقائق بالسيارة عن المكان الذي نزحت اليه .
ويمكن لخبراء الزلازل والهزات الأرضية ان يقولوا لنا بعد مشاهدة صور الأقمار الصناعية لخانيونس قبل وبعد حرب الابادة التي شنها الاحتلال على المحافظة ، والتي نشرها الاحتلال وتفتخر بها دولته الاجرامية، كم درجة علي مقياس الهزات الأرضية ضربت المحافظة، وكم تعادل من انفجارات القنابل النووية، ورغم كل صور الدمار التي ضربت المحافظة، الا ان مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الأمنية لا يرى اي دليل ان دولة الاحتلال انتهكت القوانين الدولية خلال الحرب، في استخفاف حقيقي لعقول وبصيرة البشر التي انتفضت في كل مكان واستيقض ضميرها الإنساني أمام جرائم الاحتلال.
في خانيونس كل المواطنين الذين عادوا إلى المدينة على مدار ثلاثة أيام، كان لديهم امل بالبقاء بمنازلهم، الا انهم صدموا من حجم الدمار بعد مسح منازلهم عن الوجود، وعادوا إلى أماكن النزوح القسري بالخيام ، فلم يبقى منزل يأوون اليه، ومن تبقى جزء من منزله لم يجد الماء احد اسباب الحياة ، بسبب تدمير الاحتلال لكل الابار وشبكات توصيل الماء وكذلك خزانات المياة وشبكات الصرف الصحي لم تسلم من تدمير دولة الاحتلال.
انسحب الاحتلال الاسرائيلي من خانيونس ، وترك اكثر من ٧٠٠ الف انسان بلا مأوى وسط صمت وعجز المجتمع الدولي ، الذي لم يستطع احد يسأل هذه الدولة المارقة عن مصيرهم ، وماذا ستفعل بهم ، و لم تحرك المنظمات الدولية ساكنا في تسهيل عودة الناس ، او تحميل الاحتلال مسؤولية إعادة اعمار ما دمره في حربه لابادة الشعب الفلسطيني.
والمتتبع لما يقوم به الاحتلال بغزة ، وخانيونس وكل المحافظات الجنوبية يجد انه ينبع في عدوانه سياسة الابادة الجماعية بكل أشكالها، وخاصة ارتكاب المجازر وقصف المنازل فوق روؤس سكانها وسياسة التجويع والارهاب لمن ينجو من المجازر التي ينفذها بحق النساء والأطفال الابرياء كهدف رئيسي واساسي في حرب الابادة التي يشنها، تلاحقه طائرات الاحتلال خلال رحلة البحث عن الطعام لاطفاله وعائلته.
الاحتلال الاسرائيلي عمل على قتل محافظة خانيونس وعمل جاهدا من أجل ترحيل سكانها. بعد أربعة أيام من انتهاء العملية لم يتمكن مواطن واحد ان يبيت في منزله ، فمن تبقى أجزاء صالحة من منزله لا يستطيع أن يبقى دون الجيران والأقارب خاصة أن الاحتلال تعمد على تدمير ٩٥% من المنازل ، ودمر كل اشكال الحياة .
والسؤال الذي يطرح نفسه هل تسمع الإدارة الأمريكية من الوفود التي غادرت خانيونس ، ام انها تدرك جيدا انها شريكة في العدوان ، ولا تستطيع باي حال من الأحوال اتخاذ مواقف عملية لاجبار حكومة التطرف وقف عدوانها.
ونصحية لكل القوى الفلسطينية، لا تنتظروا تدخل المجتمع الدولي لوقف حرب الابادة ، ولابد من توحيد الجهود والطاقات في إطار منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الفلسطينية ، كبيت معترف به يحاول الاحتلال بكل السبل هدم البيت السياسي لشعبنا كما هدم حياتنا سابقا في نكبتنا الاولي ، وهدمها الان ، لتنصب كل الجهود لعودتنا الي قضية انسانية وليس سياسية. تنصب كل الجهود على وقف المجاعة وإيصال المساعدات ، وعودة النازحين التي سيعمل الاحتلال على جعلها القضية الأهم، فيما يتم تجاوز القضايا الكبرى.