د. عبدربه العنزي
أمد/ إن معطيات الحرب الراهنة على غزة يفترض أن تعيدنا إلى قراءة جادة وفعلية ومتحررة من الانفعالية والشخصانية التي تطغى على الخطاب السياسي والاعلامي الفلسطيني والعربي لتقدير مآلات الحرب وسيناريوهاتها. وذلك بالنظر للاهداف التي حددتها حكومة الحرب الاسرائيلية وباركتها مجموعة تحالفها الدولية، والتي تتضمن انهاء حكم حما/س في غزة وتدمير قوتها العسكرية، بيد أن قضية المخطوفين الاسرائليين هي أسهل الموضوعات التي يمكن البت بها والتوافق حولها.
ومن الواضح، رغم مرور ما يقارب 7 شهور أن حكومة الحرب الاسرائيلية لم تغير من خطابها، او تعدل من اهدافها، مع تركيز واضح لتدمير حكم حما/س وقوتها العسكرية، ولا يمكن اغفال أن حجم الابادة والتدمير الذي لحق غزة بشعبها وناسها وعمرانها لا يندرج ضمن هذا التقويض الاستراتيجي العميق لقوة حما/س السياسية والشعبية. وهذا ما سيتكشف بعد انتهاء غبار المعركة.
وللاجابة على السوال الذي يطرحه كل غزي، وفلسطيني، متى تنتهي هذه الحرب؟ وهي صيغة أخرى لسوال كيف تنتهي هذه الحرب؟
إن هذه الحرب تنتمي إلى مجموعة كبيرة من المحددات والمتغيرات، وليس موضوعيا الاعتماد في التحليل على متغير واحد وقطعه عن بقية المحددات والمتغيرات المتشابكة، بمعنى، أن هذه الحرب ترتبط ظروف سيرها، ومدتها، ونتائجها بمجموعة من المحددات التي قد يعلو أحدها ليؤثر على الأخريات، فمثلا، لو ضغطت إدارة بايدن فعليا وبشكل حاسم على حكومة تنياهو، او تشكل موقف دولي حاسم وملزم في مجلس الأمن، أو تصاعدت التهديدات العسكرية من لبنان، أو انفرط عقد الحكومة الائتلافية الاسرائيلية، فإن مسار هذه الحرب قد يسلك منعطفا يشير إلى نهايتها، أو مخرجا مفهوما لوقفها، أو شكلا مختلفا للتصعيد الاسرائيلي، لذلك، فإن مجمل المحددات الواضحة حتى اللحظة تذهب إلى عدة سيناريوهات:
السيناريو الاول: استمرار الحرب حتى القضاء على حما/س( سلطة حاكمة وقوة عسكرية)
وهذا السيناريو هو الأكثر وضوحا واحتمالا لجملة اسباب، أهمها:
1- الموقف الرسمي الاسرائيلي يتبنى هذه الاطروحة، وقد تلقى دعما واسعا من الراي العام الاسرائيلي بعد احداث ٧ اكتوبر، كما أنه يحظى باجماع للقوى الدولية العظمى، والتي قدمت لحكومة الحرب الاسرائيلية الدعم العسكري والسياسي والاعلامي اللازم لانجاز هذا الخيار.
2- تفتقد حما/س بوضوح لاسناد عربي، أو دولي، يدافع عن شرعيتها السياسية او المسلحة، وأغلب الدول ،حتى المساندة للحق الفلسطيني، حاولت فورا ادانة هجوم حما/س في ٧ اكتوبر، حتى لا تتورط في مواقف تسحبها إلى خسائر كبرى في مواجهة التحالف الامريكي الاسرائيلي، وهذا الامر ينطبق على الموقف الروسي والصيني.
3- الساحة السياسية الفلسطينية، ونظامها السياسي، وسلطتها السياسية، تعيش على وقع ازدواجية وثنائية متناقضة كليا، ومشروعين متعارضين، وقد فقد كل فريق فرصته في تحقيق انجازات سياسية حقيقية ضمن رؤيته وبرنامجه، حيث لم يعدالشارع الفلسطيني بنخبه وعامته واثقا بمشروع التعمير والسياسة في الضفة، او مشروع التحرير والمقاومة في غزة. وهو ما يمهد الطريق لفرض حلول اسرائيلية قادمة بعد تشبع الوعي الجمعي الفلسطيني بفشل وعجز جناحي ممثلي القضية الفلسطينية، والافتقاد لقيادة فلسطينية مسؤولة ونزيهة.
السيناريو الثاني: عودة سلطة رام الله لحكم غزة مع اشتراطات أمنية وسياسية (صفقة وليست تسوية سياسية)
هذا السيناريو تدفع باتجاهه الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وبعض الدول العربية، وهو تجاه يمضي نحو اعادة حكم غزة إلى سلطة الحكومة في رام الله، وهو سيناريو يعتمد على جملة من الأسباب، أهمها أن الالتزام الامريكي والاوربي مع السلطة في رام الله هو المتاح والممكن في ظل غياب بدائل فلسطينية وازنة في الوقت الراهن، وهو سيناريو يتضمن تعديلات واشتراطات في صيغة ادارة سلطة رام الله وادخال مجموعة من الاصلاحات البنيوية والموسساتية، مع هامش واسع للتدخل الامني والاقتصادي والسياسي الاسرائيلي في ملف غزة، وضمان التأكد من انتهاء ظاهرة القوى السياسية او الفصائلية المسلحة التي يمكن ان تشكل تهديد على المدن الحدودية مع اسرائيل او القيام بعمليات عسكرية ضد اسرائيل، وهذا السيناريو سيرتبط بصفقة سياسية أقرب من كونها تسوية سياسية، وسيندرج ضمن هذا السيناريو الاتفاق على آليات الاعمار وشروطها ومرجعياتها وهو سيناريو ممكن.
السيناريو الثالث: اعادة تموضع لقوات الاحتلال وفراغ امني داخل غرة
تنسحب اسرائيل ضمن هذا السيناريو ضمن خطة لاعادة تموضع قواتها، مع قضم جزء من أراضي غزة الحدودية مع اسرائيل في المناطق الشرقية والشمالية للقطاع، مع امكانية وضع قوات ثابتة او متحركة تقسم القطاع وتفصله حين الضرورة الأمنية او السياسية، واللجوء إلى خلق حالة فراغ امني وسياسي ضمن خطة اسرائيلية تستند إلى إحياء القوة القبلية والعشائرية وتمكينها من إدارة الشأن الداخلي الخدماتي. دون التصرف في المصير السياسي، وهو ما سيحرف بوصلة المشروع الوطني نحو الانشغال بمزيد من الأزمات الداخلية وتعميق الاشتباك الاجتماعي الداخلي، والتأسيس لخريطة اجتماعية غزية عمادها مفاعيل الفعل القبلي والعشائري وآلياته المتعارضة مع منطق السلطة المدنية والدستورية. وهو سيناريو يتبناه نتنياهو والائتلاف اليميني المتشدد الذي يعتقد أن هذا السيناريو يجنبهم تقديم اية تنازلات سياسية، او الاعتراف بقدرة الفلسطينيين بحكم أنفسهم، واطلاق يد اسرائيل التدخل كيفما شاءت في الشأن الفلسطيني، وايجاد اطار قبلي وعشائري على حساب الاصطدام بقوة سياسية فلسطينية تعبر عن مشروع وطني، وهو سيناريو محتمل.
أخيرا، وكما تقدمنا، إن مجموعة المحددات الدولية، والاقليمية، والداخلية، وتعدد الفواعل في المسألة الفلسطينية، وتداخل الشأن الامني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتركيبة الحكومة الاسرائيلية، وازمتها الداخلية، والانتخابات الامريكية القادمة، وتعاظم دور الراي العام العالمي في قضية الحرب على غزة، او المفاوضات الجارية حاليا عبر الوسطاء، جميعها متغيرات من الوارد أن يعلو احدها في لحظة فجائية او دراماتيكية او مخططة مسبقا، لبلورة السيناريو الممكن أو المحتمل.