أمد/ بينما يزداد ويتفاقم التعنت الإسرائيلي برفض وقف إطلاق النار، ويصر نتنياهو على هدنة قصيرة مؤقتة، ويؤكد على استمرار العدوان وحرب الإبادة على قطاع غزة، ويهدد باقتحام رفح، تنشغل محكمة العدل الدولية بحرب الإبادة هذه، وبقضايا تخص الحالة الفلسطينية. فبعد أن رفعت جنوب أفريقيا دعوى إلى محكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب أعمال إبادة جماعية خلال العدوان الحالي على غزة، ثم واستناداً إلى قرارات المحكمة بهذا الخصوص، رفعت نيكاراغوا في الأول من آذار / مارس، دعوى لمحكمة العدل الدولية تقاضي ألمانيا لأنها لم تلتزم بمنع الإبادة الجماعية في غزة عبر تسليح إسرائيل، مطالبة من المحكمة اتخاذ قرار بفرض تدابير مؤقتة طارئة تمنع ألمانيا من مواصلة تزويد إسرائيل بالأسلحة، وغير ذلك من أشكال الدعم، كما دعت المحكمة لإصدار أمر لألمانيا بـ«التراجع عن قرارها تعليق تمويل الأونروا». عقدت المحكمة جلسات في 8 و9 نيسان/أبريل للاستماع إلى مرافعات البلدين. وبغض النظر عن نجاح نيكاراغوا في دعواها لإصدار قرار بوقف إرسال أسلحة ألمانية إلى إسرائيل، فإن لهذه المحاكمة أثر كبير في مراجعة دول أخرى حساباتها في بيع السلاح لجيش العدوان الإسرائيلي، هذا وسيكون أهم وأشد أثراً لو أن دولة أخرى مناصرة للعدالة والقيم الانسانية تمتلك الشجاعة التي تحلت بها كل من جنوب أفريقيا ونيكاراغوا لتكمل ما بدأته الأولى وتابعته الثانية، فتعمل على رفع دعوى قضائية على الولايات المتحدة الأمريكية المصدر الأول للسلاح والمعدات والذخائر إلى إسرائيل التي تفتك بالفلسطينيين، بما يدين الدولتين المارقتين إسرائيل والولايات المتحدة، وإنهاء الوضع غير السوي لهما بممارستهما وكأنهما فوق القانون الإنساني الدولي.
قال ممثل نيكاراغوا في محكمة العدل الدولية إن إسرائيل لم تنقذ أمر المحكمة، والأسلحة المرسلة لها يجب أن تتوقف، فإسرائيل تمارس إبادة جماعية بحق الفلسطينيين.
الدعوى التي قدمتها نيكاراغوا لم تكن عبثية، والأساس القانوني لقضية نيكاراغوا قوي جداً، وبرلين متواطئة مع إسرائيل في ارتكاب إبادة جماعية بقطاع غزة، لا يلغي صحة الاتهام رفض ألمانيا ما سمته مزاعم نيكاراغوا، فهي لم تلتزم بمنع الإبادة الجماعية في غزة عبر تسليح إسرائيل، وكما يقال أدينوهم من أفواههم، محامون وحقوقيون ألمان رفعوا دعوى قضائية عاجلة في برلين ضد حكومتهم لحملها على وقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، مستشهدين بأسباب تجعلهم يعتقدون أن الأسلحة تُستخدم في غزة بطرق تنتهك القانون الإنساني الدولي. ورفضت المتحدثة باسم الحكومة الألمانية كريستيانه هوفمان التعليق على الدعوى القضائية أو الكشف عما إذا كانت ستعلق صادرات الأسلحة لتل أبيب، انتظاراً لصدور حكم قضائي.
وكانت ألمانيا والولايات المتحدة، قد صوتتا ضد قرار غير ملزم في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لفرض حظر دولي على توريد الأسلحة لإسرائيل بتأييد من عدد من الدول، خاصة مع قيام دول أوروبية بالإعلان عن وقف بيع الأسلحة لها، فيما تدور مناقشات في فرنسا وبريطانيا حول هذا الأمر.
الضغوط الأممية لوقف توريد السلاح لإسرائيل -سواء قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الداعي إلى حظر بيع وتصدير السلاح لتل أبيب، أم قرار محكمة العدل الدولية بهذا الخصوص- أثمرت بتعليق حكومات بلجيكا وكندا وإيطاليا وهولندا وإسبانيا مبيعات الأسلحة لإسرائيل، معلنة حرصها على القانون الإنساني الدولي. وأنهت شركة “إيتوتشو” اليابانية شراكتها مع شركة «إلبيت» العسكرية الإسرائيلية، إثر الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية. وفي فرنسا أعلنت منظمة العفو الدولي وست منظمات غير حكومية عن رفع دعوى قضائية لمطالبة الحكومة الفرنسية بتجميد العمل بجميع التراخيص التي أصدرتها لتوريد أسلحة إلى إسرائيل، ووجه مشرّعون وبرلمانيون فرنسيون رسالة إلى الرئيس إيمانويل ماكرون للمطالبة بوقف تصدير السلاح إلى اسرائيل.
وفي عدد من الدول رفعت جماعات حقوقية دعاوى قضائية ضد حكوماتها لمنع تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية والذخائر إلى إسرائيل، مثلما جرى في بريطانيا والدنمارك.
تعتبر برلين ثاني أكبر مورد للأسلحة لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، تقدم الولايات المتحدة وألمانيا نحو 99 % من مجمل الأسلحة التي تستوردها إسرائيل. وأعطت الحكومة الألمانية الضوء الأخضر لعمليات توريد أسلحة ومعدات إضافية بذريعة حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها معتبرة هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، تبرر ارتكاب حرب إبادة، وافقت ألمانيا العام الماضي على تصدير أسلحة إلى إسرائيل بقيمة 5.326 مليون يورو (7.353 مليون دولار)، بزيادة 10 أمثال مقارنة مع عام 2022 وفقاً لبيانات وزارة الاقتصاد الألمانية. واستمرت في ذلك بعد قرار محكمة العدل الدولية حول التدابير المؤقتة وسط تحذيرات من ارتكاب «جرائم إبادة جماعية» في القطاع، في ظل استمرار سقوط الضحايا من المدنيين الفلسطينيين.
تحيي ألمانيا في 27/1 ذكرى جرائم النازية. وقد مر ثمانون عاماً على بدء المحرقة، و 77 عاماً على انتهاء محاكمات نورمبرغ، حيث جرى محاكمة بعض مرتكبي الإبادة الجماعية، وماتزال ألمانيا تشعر بالحرج أو الإحساس بالذنب، بالقول إن مرور الوقت لا يقلل من الذنب المرتكب، في هذا السياق أكد المستشار الألماني يوم الجمعة 27 يناير/ كانون الثاني 2023 المسؤولية التاريخية لبلاده عن مقتل ملايين اليهود خلال الحقبة النازية، وكتب على موقع التواصل الاجتماعي « معاناة 6 ملايين يهودي قُتلوا دون ذنب لا تُنسى – وكذلك معاناة الناجين». وقالت رئيسة البرلمان الألماني بيربل باس إن مهمة كل جيل أن يتعامل من جديد مع جرائم التاريخ وأن يروي قصة كل المضطهدين.
إن ألمانيا التي اعترفت بمسؤوليتها عما اقترفه نازيوها من جرائم، عليها أن تعترف بالنكبة الفلسطينية وبالمجازر التي ارتكبتها إسرائيل منذ العام 1948، وبالأخص الاعتراف بارتكاب إسرائيل إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، عبر الستة شهور الماضية. والالتزام بتنفيذ ما يؤكدونه حول محاكمات نورمبرغ، إن المحاكمة الناجحة توفر العدالة للضحايا وأسرهم، وتعمل كرادع قوي للجناة المحتملين في المستقبل، وها هم قادة إسرائيل وضباطها يظهرون أنفسهم كمجرمي حرب بأقوال وأفعال.
وعلى ألمانيا ومعها دول الغرب الاستعماري أن تعي أن إسرائيل -التي فاقت جرائمها جرائم النازية- ليست هي ضحية النازية، بل اليهود هم ضحايا النازية، وإسرائيل مجرد مستثمرة في الهولوكوست تبتز ألمانيا في طلب المزيد من المساعدات المالية والعسكرية، وإذا كان دعم ألمانيا لإسرائيل تكفيراً عن أخطائها التاريخية في ارتكاب فظائع الهولوكوست، فإن الماضي لا يشفع للحاضر في ارتكاب ذات الأخطاء بتسهيل ألمانيا ارتكاب الإبادة الجماعية في فلسطين.
هل في إسرائيل من ضحايا للنازية؟. أو بالأحرى أحفاد ضحايا المحرقة النازية؟. لماذا لا يكونوا يهود حركة ناطوري كارتا أو غيرهم من اليهود الأمريكيين الرافضين لإنشاء دولة يهودية في فلسطين؟.
26/1/2024 محكمة العدل الدولية تفرض «تدابير مؤقتة» على إسرائيل بقضية الإبادة الجماعية وهو اليوم الـ« 113» للعدوان الإسرائيلي على غزة، ومع استمرارها بجرائمها في غزة، ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر حتى هذا اليوم ارتفعت حصيلة الشهداء في العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة إلى أكثر من 26 ألف شهيد، بالإضافة إلى نحو 64500 جريح. وكان اليوم الذي يليه 27 كانون الثاني/ يناير يوم إحياء ألمانيا ذكرى المحرقة النازية، تقام فعَّاليات عديدة في هذا اليوم للإبقاء على جرائم النازية حاضرة أمام أجيال المستقبل، وأجيال المستقبل ترى فعاليات إسرائيلية إجرامية في بث مباشر وحي على شاشات التلفاز.
وفي يوم الـ 27 من يناير/ كانون الثاني عام 2006، قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان في مراسم الإحياء الأول لذكرى المحرقة في مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك: مأساة المحرقة منقطعة النظير لا يمكن محوها، وتذكرها يجب أن يرافقه شعور بالعار والرعب، ما دامت الذاكرة البشرية قائمة. ألا يشعر العالم بالعار والرعب مما يراه على أرض الواقع في غزة. القرار 7/60 للعام 2005، الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يرفض أي شكل من أشكال إنكار الهولوكوست، إنه يدعم تطوير البرامج التعليمية لإحياء ذكرى الهولوكوست ويريد المساعدة في منع وقوع الإبادة الجماعية في المستقبل حتى لا تتكرر أسوأ جريمة في تاريخ البشرية، وها هي تتكرر في فلسطين على يد النازيين الجدد. مما يقتضي تعزيز تعليم تاريخ النكبة الفلسطينية في جميع أنحاء العالم، ورفض أي شكل من أشكال إنكار النكبة، وتحديد تاريخ إصدار قرار محكمة العدل الدولية 26/1 يوماً لإحياء الهولوكوست الفلسطيني، حتى لا تتكرر فظائع الإبادة بأفران المحرقة أم بهدم المباني فوق رؤوس العائلات ودفن الآلاف منهم أحياء تحت ركام سقوفها، فما أسوأ من هذا إلا ذاك.