أحمد عبدالوهاب
أمد/ ماذا يحدث في الأردن؟، وهل هناك جهة خارجية تقف وراء تلك الاحتجاجات؟، وما هو تأثير تلك الاحتجاجات على أمن واستقرار المنطقة؟.. أسئلة تحتاج للإجابة عليها، لتفسير ما يحدث في المملكة الهاشمية، التي تشهد مظاهرات غير مسبوقة، تضامنًا مع الشعب الفلسطيني، تجاه العدوان الغاشم على غزة، منذ أحداث السابع من أكتوبر.
خروج آلاف الأردنيين في مظاهرات حاشدة، في ظاهره التنديد بما يحدث في غزة، ولكن في باطنه قد يخفي مخططًا يسعى لتنفيذه طرفًا خفيًا، لتوسيع دائرة الصراع في الشرق الأوسط، لتخفيف وطأة الحرب على غزة، وملاحقة الاحتلال لعناصر وقادة حركة حماس، فلم يبق لجيش الاحتلال الإسرائيلي، سوى اجتياح «رفح» بريًا، لتنفيذ مخططه الشيطاني، وهي الخطوة التي شهدت رفضًا واسعًا من كافة الأطراف الدولية، وطالب المتظاهرون في هتافاتهم، بإغلاق سفارة إسرائيل لدى عمّان وإلغاء معاهدة السلام الموقعة معها عام 1994.
استمرار المظاهرات قد يجعل الأردن في مرمى المخططات الخبيثة من عدة أطراف وعلى رأسهم إيران، وهو الأمر الذي يضع أمن واستقرار المنطقة على المحك، خصوصًا وأن العديد من الهتافات واللافتات حملت اتهامات مباشرة لقادة المملكة الهاشمية، وموقفهم تجاه مما يحدث في غزة، على عكس الحقيقة، وهي قيام الأردن بجهود كبيرة بجانب مصر وقطر، في التفاوض مع إسرائيل والولايات المتحدة، لمحاولة وقف إطلاق النار، لحماية المدنيين الأبرياء، والوصول لحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.
الاحتجاجات الواسعة دفعت الحكومة الأردنية، لاتخاذ عدة قرارت شملت حظر التظاهرات والتجمعات على طول الحدود، وأطلقت الغاز المسيل للدموع على التظاهرات التي حاولت اقتحام السفارة الإسرائيلية، واعتقلت عدد كبير من المتظاهرين، ممن حاولوا ارتكاب أفعال تخالف القانون، وتضر بأمن واستقرار الأردن.
مطلع نوفمبر الماضي، اتخذت الأردن قرارًا بسحب سفيرها من تل أبيب، في خطوة تعكس الموقف الأردني الرافض للجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال تجاه المدنيين في غزة، بالإضافة إلى قيام سلاح الجو الأردني بعمليات جوية لإنزال مساعدات على شمال القطاع، وشارك العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، في إحداها، ورغم المواقف المذكورة تظل الاحتجاجات مشتعلة وتتفاقم يومًا بعد يوم، ما يشير إلى وجود رغبة في تأجيج الموقف وإشعاله.
هناك آراء ترى أن خروج الأردنيين في مظاهرات تصامنية مع غزة، استغلها البعض ممن لديهم مطالب فئوية، والمعترضون على تدني مستوى المعيشة وارتفاع معدل البطالة، وجميعها أمور قد تنذر بعواقب وخيمة، إذا لم يتم السيطرة عليها، وتدفع التنظيمات المتطرفة لاستغلال الموقف، لاستقطاب الساخطين على نظام الحكم، وإشعال الفتنة في فترة معقدة، تمر بها منطقة الشرق الأوسط، ولا تسمح بفتح جبهة جديدة للصراع، المشعل حاليًا في غالبية دول المنطقة.
ولا يمكن لأحد أن يغفل الدور الذي تقوم به إيران، في الصراعات المشتعلة بين دول المنطقة وخصوصًا في غزة واليمن ولبنان والعراق وسوريا، فالظاهر من خلال المشهد السياسي، هو دخول تلك الدول في حرب وصراع مع العدو الإسرائيلي، ولكن اللاعب الرئيسي والخفي في تلك الحروب هو إيران، التي تمد الجماعات المسلحة بدعم لوجيستي، لمواجهة دولة الاحتلال، دون الدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل، فزادت التهديدات المدعومة من وكلاء إيران على الحدود الأردنية، وتفاقمت المخاوف بسبب الهجوم الذي وقع في يناير الماضي على نقطة عسكرية في الأردن، والتي أسفرت عن مقتل ثلاثة جنود أميركيين، ناهيك عن التهديدات الأخرى المرتبطة بتهريب الأسلحة والمخدرات.
من يتابع المشهد جيدًا يرى أن «عين إيران»، تراقب عن كسب نسيج الشارع الأردني، وتسعى لإظهار الاحتجاجات على أنها ساحة جديدة تضاف إلى سوريا والعراق واليمن ولبنان، بالإضافة إلى وجود تقارير تشير على ضلوع «حماس» بالاتفاق مع إيران لتأجيج الشارع الأردني، ما دفع أحد قادة الحركة، للرد على تلك المزاعم، بأن علاقات الحركة ممتدة بكل المنطقة ومحاولة الربط بين حدث «مثل زيارة إسماعيل هنية لإيران»، وأي فعل تقوم به حماس هو محاولة مشبوهة ومرفوضة، وشدد في تصريحاته على أن الحركة ليست معنية بإثارة أي اضطراب في أي بلد عربي أو إسلامي.
وقطعًا العلاقات بين حماس والأردن لم تنقطع، على اعتبار أن المملكة الهاشمية، أحد الأطراف الرئيسية في المفاوضات بين دولة الاحتلال وحماس، لوقف إطلاق النار على غزة، ويقينًا إطالة عُمر الحرب له دور في تعقيد المشهد، وإحداث حالة الحراك في الشارع الأردني من جهة، وزيادة الضغط على الدبلوماسية الأردنية من جهة أخرى، رغم انحيازها المطلق لشعب غزة المدني، وهجومها السياسي الشرس على إسرائيل، في كل لحظة ممكنة.
وتشير الدلائل إلى أن محاولة طهران اختراق الأردن عسكريًا، ليست وليدة لحظة الحرب الإسرائيلية على غزة، فهي تسعى لذلك منذ سنوات، ففي 2016، أُسقطت طائرة إيرانية مسيّرة في الجنوب السوري، تحمل صورًا لمواقع أردنية حسّاسة، علاوة على وجود تمركزات لمقاتلي «حزب الله» اللبناني وفصائل شيعية أخرى في الجنوب السوري، بالقرب مع الحدود الأردنية.
كذلك توجد محاولات اختراق إيرانية ناعمة عبر السائحين والمزارات الشيعية، فقد طالب أحد المسؤولين الأردنيين في يوليو 2023، باتخاذ خطوات جريئة لاستقبال السائحين الشيعة وجذبهم، ولاقت دعوته رفضًا من المسؤولين الأردنيين، وأثارت جدلًا واسعًا في الأوساط الأردنية، باعتبارها دعوة لا قد تهدد الأمن القومي الأردني، علمًا أن بالأردن مقامات مهمة لدى العقل الجمعي الشيعي، مثل مقام جعفر الطيّار، وهو شخصية مهمَّة ومركزية عند الشيعة. وقد طالبت إيران عبر سفارتها في عمّان مِرارًا بناء حسينيات في بعض المناطق، مثل منطقة مؤتة بمدينة الكرك الجنوبية، بحجة وجود طائفة شيعية، لكنَّها قُوبلت بالرفض. أيضًا، شملت محاولات الاختراق، ما تُجريه السفارة الإيرانية في الأردن من محاولات تبشير ثقافي وخلق بيئة مواتية للاختراق الإيراني، وتنظيم حفلات وندوات دينية وثقافية، والتعاون مع كُتاب ونُخب ثقافية.
لذلك يتطلب الموقف المُعقد، والتدابير الخفية الإيرانية، من قادة الأردن، اليقظة والتعامل بحنكة سياسية، وعدم الانسياق إلى المحاولات المُريبة، لفتح جبهة جديدة في الصراع، الأمر الذي يُضعف الدول العربية أكثر وأكثر، ويعطي فرصة لدولة الاحتلال، لفرض سيطرتها ونفوذها في المنطقة، وتبقى إيران هي «اللاعب الخفي»، في الصراع العربي الإسرائيلي.