محمد المحسن
أمد/ هل هناك قواسم مشتركة بين إرهاب التقنية الرديئة وإرهاب التقنية الحديثة.. بين إرهاب متطرفي الأديان ومتطرفي الأسواق، بين البؤساء والطغاة.؟
وبسؤال مغاير أقول: هل الزلزال العنيف الذي ضرب نيويورك وواشنطن في العام 2001 فرصة لمحاكمة الولايات المتحدة أم فرصة لدفعها باتجاه تسريع أوجه سياساتها في المنطقة العربية على الأقل نحو الموضوعية ومن ثم التأييد؟
ثم أولا وأخيرا، ألم تسمع الإنسانية الأمريكية التي اهتزت جراء تلك الكارثة أنين الأبرياء الذين ذُبحوا ومازالوا يُذبحون عن طريق الخطأ في أفغانستان؟ ألا يتساوى قتل الأبرياء في أفغانستان وفلسطين والعراق.. مع قتل الأبرياء في نيويورك.. أم أنّ كلّ ما في هذا الكون الفسيح لا يساوي دموع البيت الأبيض؟
جميع عَبدة الموت يتفقون على الحاجة إلى اختزال الفوارق الاجتماعية والثقافية والوطنية إلى تلك العسكرية وحدها. وباسم الخير ضدّ الشرّ، باسم»الحقيقة الواحدة الوحيدة» يحلّون كلّ شيء عن طريق القتل أوّلا ثم طرح الأسئلة لاحقا.
وبهذه الطريقة يقومون بـ»أبلسة» العدوّ الذي يحاربونه، أو بالأحرى الإرهابي المفترض، بلغة تشومسكي، أي يجعلون منه –إبليسا- يتّفق الجميع، خاصة المجتمع الأمريكي على ضرورة إلحاق أشدّ العقاب به ومن ثم تتمّ صياغة-السيناريو- وفقا لطبيعة العقاب القادم.. وهذا ما أنجزه ريغان وهو»يؤبلس»الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، تمهيدا لضربه. وأنجزه بوش الأب وكذا الابن، كي يؤبدا تعذيب الشعب العراقي، مبرهنين للمرّة الواحدة بعد الألف تلك القاعدة الظالمة التي تعاقب شعبا بأسره من أجل فرد واحد.
ومن هنا كان- لزاما-على الرئيس بوش أن يدير ظهره للشعب الفلسطيني بحجة ممارسة الإرهاب ومحاصرته للشعب الإسرائيلي كما قالت مادلين أولبرايت ذات مرّة. وانطلاقا من هذه العقيدة الأمريكية التي تنعت كل من لا يدخل بيت الطاعة الأمريكي بأنه «إرهابي» ارتكبت الولايات المتحدة فظائعها في الشرق الأوسط ومهدّت بذلك الأرض لحرب الإرهاب المقدّسة.
يتجلى اليوم ذلك العنوان القديم – الجديد وهو»غطرسة القوة» تلك التي تساوي بين الجلاّد والضحية، وكأنّ القوّي، وقد تحرّر من الروادع الأخلاقية والإنسانية والدينية، يردّد بدون خجل أو وجل «البقاء للأقوى».. أفلم يقل كيسنجر ذات مرّة «يستطيع القويّ أن يكذب بدون أن يكذّبه أحد»، معلنا أنّ القوّة هي الحقيقة الوحيدة..غير أنّ هذا البقاء الغريب، على الطراز الأمريكي، هــو ما يجعل الولايات المتحدة تغتصب الإرادة الدولية، وتعبث بالأمم المتحدة.. وهل الأمم المتحدة اليوم إلاّ عامل نفايات لدى الإمبراطورية الأمريكية؟
والسؤال لا يطرحه كاتب هذه السطور، إنّما يتستّر تحت الألسنة وخلف الشفاه الأمريكية كي يقول:»لماذا تكرهوننا» وهنا أجيب: «ماذا فعلنا لكم؟» وهل كراهيتكم لنا مقبولة، مما يعني أنّ لكم وحدكم حقّ الكراهية والبغضاء والتعصّب والحنق، أمّا نحن فما لنا إلاّ تأدية التحيّة.. هذا إذا سمحتم لنا بالاقتراب من حضراتكم! ورغم أنّ حكوماتنا بالغت في استجداء الرأفة والرحمة من الولايات المتحدة، إلاّ أنّ هذه الأخيرة، ظلّت ماضية في غيّها، ترفض كلّ أشكال الانحناء والرضوخ، وتُزايد على الدّم العربي والإسلامي الذي ما فتئ يُراق في فلسطين.. وبغداد.. وكابول.. ودمشق.. وتطرح المشكلة برمتها كونها مشكلة إرهاب «يتخفى» في ثوب إسلامي قادم من الشرق»المتوحش».
وهنا أعيد القول، ماذا فعلت واشنطن لكي تكون بمنآى عن كلّ مظاهر التطرف؟
ألم تخنق أنفاس القومية العربية قبل أن يتبلور مشروعها النهضوي وتسلك طريق الديمقراطية والتحديث والتطور الطبيعي كما في شعوب الأرض؟
ألم يدرك حكّام البيت الأبيض أنّ التطور الرّاهن بمختلف أشكاله هو إفراز حتميّ للحرب التي شُنّت على كلّ المحاولات النهضوية العربية بكلّ صيغها وتجلياتها؟ ثم أخيرا أليس إقحام الدّين في السياسة يُعدّ انتهاكا لأهم مبادئ الأيديولوجية العلمانية التي تتمسّك بها أمريكا، وتحريضا لكثير من المسلمين المنسجمين مع الفكرة العلمانية على التراجع والعودة إلى الفكرة الدينية واستفزازا لأكثر من مليار مسلم موزعين على معظم أمم الأرض، وتهديدا لعلاقات إستراتيجية واقتصادية بينها وبين دول المسلمين؟
إذن، كــــان بإمكان الولايات المتحدة أن تستفيد من مواقف الاستنكار والتنديد التي تقاطرت من مختلف أرجاء دول العالم العربي والإسلامي، إثر أحداث سبتمبر الزلزالية التي ضربتها في كبريائها، إلا أنّها- وفي غياب العدوّ الإستراتيجي المنطقي- أوغلت في استفزازها واندفعت أكثر نحو السياسة التي أوصلت العالم إلى هذا المأزق، معتقدة أنّ زيارة بوش الابن إلى مسجد في واشنطن، أو أنّ حبّات الأرز التي تناثرت فوق رؤوس البؤساء في أفغانستان من شأنها تغيير الرأي العام العربي والإسلامي.
أردت القول إنّ الإسلام من حيث هو دين، لا علاقة له بالإرهاب أبدا، وألا قواسم مشتركة بين الإرهاب والمقاومة الوطنية للاحتلال، كما أنّ الجوهر العربي يخلو من الشرّ الجوهري، بل أنّ الشرّ يتجسّد بالأساس في عالم تحكمه الفوضى والعنف وإيديولوجيا القوّة والسّديم، حيث على الضعفاء ألا يرَوا شعاع الشّمس وألا يطمحوا لاكتساب حق المواطنة أو التّمتع بالديمقراطية، بل عليهم أن يرثوا انكسارا يُضاف إلى انكساراتهم، واستجداء متواترا لن يقيم مصالحة بين الضعف والحقيقة..
هذا يعني أنّنا سنكون دوما ضحايا- التاريخ- طالما أنّ الذاكرة الغربية مسكونة بالهواجس والمخاوف والشكوك حيالنا، وهذا الأمر مرده مؤامرات نُسجت بعناية من ِقبل نظام دولي قديم كانت الانتماءات فيه تصاغ وفق العقائد الدينية، ولم تستطع كلّ علمانيات النظام الدولي الحديث صرفها من ذاكرة الغرب، هذا في الوقت الذي ظلّ فيه الشرق الإسلامي يطلق صيحات تحد متوترة تؤكّد تلك المخاوف.
والنتيجة هي أننا سنظلّ متهمين بالإرهاب حتى لو انحنينا- أمام أعتى العواصف الغربية- وهذا ما يفسّر تصاعد صيحات التطرف التي تؤسس لتحويل منطقتنا إلى ساحة حرب طويلة تحت شعارات مخاتلة: تارة تحت عنوان حرب الإرهاب والتطرف، وتارة تحت عنوان صراع الحضارات، وتارة تحت عنوان تدمير أسلحة الدمار الشامل. ويسعى منظرو هذه الحرب لحشد العالم بأسره في معسكر واحد ضد العرب والمسلمين.. ولا عجب في ذلك طالما أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تملك قواعد عسكرية وتسهيلات لوجستية في منطقتنا، وطالما أنّ لها رؤية استراتيجية جديدة في آسيا تستدعي قيامها بمهام عسكرية، ولا غرابة كذلك – والحال هذه – أن نصبح في المدى المنظور طرفا في حروب استنزاف كثيرة تنهش إمكانياتنا وتقوّض أمننا..
ولكن..
هل بحوزتنا من الأسلحة الفعّالة ما يمكّننا من مجابهة كل هذه التحديات؟ أم أنّ -سياسة النعامة- هي أفضل السياسات، وأكثر الشعارات وهجا والتماعا.. وكفانا جميعا شرّ القتال..
سأتركك أيها المتلقي الكريم تصوغ الجواب المناسب..