عمر حلمي الغول
أمد/
غير ذي مرة كتبت في زاويتي هذه عن التحالفات ومستوياتها وعناوينها والفوارق بين النماذج المختلفة، وهي لصيقة الصلة بأشكال وطبيعة التناقضات والصراعات بين الدول والقوى المختلفة. وهناك مقولة تاريخية نرددها وغيرنا بشكل دائم: لا صداقة ثابتة، ولا عداء تناحري دائم، عدو اليوم قد يصبح حليف الغد، والعكس صحيح. إذاً لوحة وبارومتر التحالفات والصراعات متحرك بعاملين أساسيين، الأول مصالح الدول والقوى، الثاني موازين القوى في سيرورة العلاقات البينية بين الدول.
ومن أبرز واهم عناوين واشكال التحالفات: أولا التحالف الاستراتيجي بين الدول، وهذا التحالف عميق ويستند الى أكثر من معادل، منها الخلفية الفكرية السياسية الواحدة؛ حجم تشابك المصالح الاستراتيجية بين الدول؛ التكامل التكتيكي والاستراتيجي بين الحلفاء في المحطات التاريخية المرتبطة بتحقيق الأهداف المشتركة؛ عمق التناقضات التناحرية مع الأقطاب والقوى المعادية. ثانيا التحالف التكتيكي، ويستند الى تحالف متحرك مرهون بتحقيق أهداف بعينها تخدم مصالح الحلفاء في محطة او محطات تاريخية بعينها، أو لمواجهة قطب دولي او دولة إقليمية تمارس البلطجة والاستقواء على الدول المجاورة، او تحالف وصراع في آن بين قوى إقليمية متنافسة، والأخير نلحظ فيه مرونة وسيولة التقدم والتراجع في التحالف والصراع ارتباطا بتداعيات صيرورة الاحداث. ثالثا التحالف النفعي المؤقت او البراغماتي الضيق، ويرتكز على مبدأ “اعطيني أعطيك” ويتجلى هذا النموذج في الانتخابات السياسية والنقابية، وحتى في المنابر الدولية بالتصويت على قضية ما تخص دولة بعينها. رابعا نمط او تحالف يقوم على قاعدة سادة واتباع، او تابع ومتبوع، ونموذج ذلك العلاقة يتمظهر بين الأقطاب الدولية كالولايات المتحدة والدول النامية، أي دول العالم الثالث الضعيفة، ويصنف هذا النموذج بانه بين دول المركز ودول المحيط التابعة، والاخيرة تبحث أنظمتها السياسية عن الحماية على المستويين الإقليمي والدولي، وتكون خاضعة بشكل عام لدولة المركز، وإن وجد تباين ما في سيرورة العلاقة، يكون محدود التأثير والزمان، الا اذا حدثت تطورات دولية اقصت دولة المركز عن مكانتها العالمية، عندئذ تبحث الدول الضعيفة عن قطب مركزي جديد يؤمن لها الحماية.
ومع ذلك، كل عناوين واشكال التحالفات الاستراتيجية والتكتيكية ليست ثابتة، حتى الاستراتيجية تفسخت وانقلبت رأسا على عقب ارتباطا بالتحولات الدراماتيكية في سيرورة وصيرورة التطورات الإقليمية والدولية، ومن يعود لتحالفات القرن التاسع عشر بين الدول الأوروبية والاقطاب الدولية الأخرى يلحظ هذا التحول، ومن ينظر لها في مطلع القرن العشرين زمن الحرب العالمية الأولى، وزمن الحرب العالمية الثانية يرى انها متحركة، وحتى في عصر صراع القطبين بعد الحرب العالمية الثانية، أي في النصف الثاني من القرن العشرين شهدنا تحولات وتفكك وتشبيكات جديدة، وفي عصر تفرد الولايات المتحدة مطلع تسعينيات القرن الماضي لمسنا تحولات نوعية ايضا، والان مع العمل على إعادة تقاسم النفوذ في العالم، وبناء منظومة عالمية جديدة شهدنا، وسنشهد تحولات كيفية جديدة في خارطة التحالفات.
اردت مما تقدم، ان اتوقف امام انزعاج ورفض بعض الأصدقاء من استخدامي مفهوم “التحالف الإيراني والأميركي والإسرائيلي”، والذي أعتبره البعض لا يستقيم مع الواقع، او لأقل مع الشعارات المرفوعة من الجمهورية الإيرانية ضد واشنطن “الشيطان الأكبر” و”تل ابيب”، كما انها لا تستقيم مع المساعدات التي تقدمها دولة الملالي لحلفائها او ادواتها من فصائل الساحة الفلسطينية او العربية الأخرى. والاسئلة التي تطرح نفسها هنا، هل هناك تحالف بين القوى والدول الثلاث ام لا؟ وفي اي نموذج يقع هذا التحالف؟ ومن هم أعدائه؟ وأين حدود تناقضات اطرافه؟
يندرج التحالف الأميركي الإسرائيلي الإيراني في النموذج التكتيكي، أي الثاني، وهذا التحالف قائم على الأرض، لكنه غير معلن، ولم يأخذ صفة الترسيم اسوة بتحالفات أخرى في الأقاليم المختلفة من العالم لاعتبارات تكتيكية، والاعداء المشتركين للتحالف الثلاثي هم شعوب الامة العربية وحركات تحررها الوطنية، ونهب ثروات العرب وتمزيق وحدتهم تحت شعارات متعددة ومتباينة بتابين موقع دول الحلف، وخطورة ايران على العرب إسوة بالإخوان المسلمين، انها ترفع شعارات “المقاومة” و”تحرير فلسطين” وأنشأت ما يسمى “لواء القدس”، فضلا عن انها تمول العديد من الفصائل المسلحة، وترصد لها موقعا في الموازنات السنوية الإيرانية، الامر يضع المراقب العادي او المنحاز لإيران امام الرفض المبدئي لاتهامها بإمكانية وجود تحالف. ولكن الحقيقة الموضوعية تؤكد هذه المعادلة. لان إيران لديها عقدة تاريخية من العرب، أضف الى انها قطب في الإقليم اسوة بالأقطاب العربية والتركية والأميركي الإسرائيلي، وجميعها تتنافس على من يتسيد على الإقليم، ومن هو القطب الأضعف، الذي يمكن تهميشه وإخضاعه لتبعيتها واجنداتها؟ ولها حساب تاريخي مع العرب تسعى لتصفيته، وإخضاع العرب لنفوذها، ونجحت عبر البوابة الدينية ذات الخلفية القومية في العديد من الساحات العربية. ولهذا اول من إحتل دولة عربية كاملة، هي إيران الفارسية، حيث احتلت دولة الاحواز العربية عام 1925 بالتزامن مع وعد بلفور 1917 وصك الانتداب البريطاني الأميركي في عصبة الأمم 1922، وسبقت سيطرة تركيا على لواء الاسكندرونة السوري، وسيطرت على العراق الشقيق مع احتلاله من الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفهم الثلاثيني عام 1991.
لكن هذا التحالف التكتيكي متحرك، ويشهد تقدم وتراجع وفقا للمصالح المشتركة والمتناقضة. لا سيما وان كل من إسرائيل وإيران يسعى لفرض هيمنته على الإقليم، ولهذا شكلت ودعمت طهران ادواتها العربية لتستثمر تلك الأوراق في تقوية دورها ومكانتها الاستراتيجية في الإقليم، وبالتالي فرضية التناقض بين المشروعين الصهيوني والفارسي موضوعية ولكن يجري ضبط هذا التناقض الى الحد الأقصى دون الذهاب الى حرب إقليمية واسعة، الا إذا اضطرت وفرضت الحرب على أحدهما في إطار إعادة تقسيم النفوذ في العالم.
سؤال أخير، هل العرب لديهم الرغبة باستعداء إيران؟ لا بالمطلق، العكس صحيح، يرغب العرب إقامة علاقات جوار حسنة وطبيعية مع الدولة الإيرانية الإسلامية بغض النظر عن طبيعة وخلفية النظام الإيراني. بيد ان رغبة العرب شيء، وأهداف دولة الفرس شيء آخر. لان كلاهما ينطلق من خلفيات متناقضة. وفي السياق الشعب العربي الفلسطيني يطمح لنسج علاقات إيجابية مع كل دول العالم، وليس الدول الإسلامية فقط. غير ان الطموح الفلسطيني شيء وحسابات جمهورية إيران شيء آخر. فهل يدرك أصحاب وجهة النظر الأخرى خلفية الحديث والتأكيد على وجود تحالف بين الدول الثلاث اميركا وإسرائيل وإيران؟