ألاء ماجد
أمد/ بعد لحظات من الهجوم الإيراني على إسرائيل قبل أيام، تنبأ العديد من المتابعين للأخبار والمحللين السياسيين وخبراء بالشأن الإسرائيلي، من وراء حواسيبهم من مقاهي الدوحة، أو إسطنبول، أو حتى من لندن، بأن يتسبب هذا الهجوم في منع إسرائيل من إعادة التفكير في اجتياح رفح والقضاء على آخر قلاع حركة حماس في قطاع غزة، وأن ما يسمى “محور المقاومة” سيكون له الكلمة العليا، وأن ما قبل الهجوم الإيراني ليس كما بعده، بل وصل بعضهم الى أن حرب غزة قد تنتهي قريبا وأن ذلك سيشكل ضاغطا على إسرائيل لعقد صفقة تبادل ووقف اطلاق نار شامل في القطاع الذي يعاني من حرب إبادة وحشية على مدار أكثر من ستة أشهر.
لقد أخطأ هؤلاء وأغلبهم من مناصري حركة حماس في قراءة وفهم الواقع جيدا، مثلما أخطأ قادتهم المشهورين بالوعي المتأخر، عندما لم يقرأوا الواقع جيدا في السابع من أكتوبر، وأقدموا على الهجوم، متوقعين بأن تشن إسرائيل حربا مثل الحروب السابقة لأسبوع او أسبوعين، ثم تنتهي بتهدئة وصفقة تبادل، إلا أن الرياح لم تأت بما تشتهيه حماس، وهذه واحدة من أخطاء الساسة الذين تشربوا السياسة متأخرا، فلكل تجربة ظروفها وأجواؤها الخاصة بها، لا يمكن مثلا تطبيق ظروف حرب “سيف القدس” في عام 2021، على هجوم السابع من أكتوبر 2023، وهذا يفهمه أصغر واحد من المتابعين، فكيف لم يتوقعه من يطلقون على أنفسهم قادة وسياسيون؟
هذا هو الفرق بين أناس يمارسون السياسة بالنقل والتقليد، وآخرون يمارسونها بفهم وذكاء، فالنجاح الحقيقي هو عدم الاقدام على أي خطوة سواء عسكرية أو سياسية دون الأخذ بالاعتبار جميع الحسابات الدقيقة والظروف النفسية، وقراءة الواقع الداخلي والعالمي، لأنه دون ذلك فإن الخطأ سيكون فادحا ومكلفا، وقد يكون على حساب وجودك من الأساس، فالحرب التي من الممكن أن يبيدك فيها عدوك لا ينبغي الدخول فيها أصلا.
يدرك قادة حماس الآن جيدا، بأن الهجوم الإيراني وإن تسبب في تأجيل العملية العسكرية المرتقبة على رفح، مثلما أعلنت إسرائيل أمس، فإنه لن يمنع إسرائيل من اقتحام المدينة وأن الأمر أصبح منتهيا، وأن إسرائيل مصممة على ذلك مهما كلفها الأمر، وحتى لو واصلت الولايات المتحدة والعالم ومصر الجارة رفضهم، حيث أن الجيش الإسرائيلي يواصل الاستعدادات للعملية عبر استدعاء لوائين من جيش الاحتياط وانسحب من خانيونس تجهيزا لرفح.. إذن ماذا يمكن لقادة حماس أن يفعلوا لمنع اجتياح رفح والتفكير ولو لمرة واحدة في معاناة الناس ومحاولة منع حرب الإبادة من الوصول الى رفح وزيادة أعداد الشهداء والمصابين آلافا مؤلفة؟
يبدو أن الوصول الى تفاهم وابداء المرونة في مفاوضات صفقة تبادل الاسرى بين حماس وإسرائيل، سيكون هو الأمر الوحيد القادر على منع إسرائيل من دخول رفح، وحفظ دماء أكثر من مليون نازح يوجد في المدينة الجنوبية للقطاع، ولعل ذلك يكون بداية الانفراجة للوصول الى وقف دائم لاطلاق النار، في حرب لم يشهدها التاريخ الحديث.
وإن كنت مع فكرة تسليم 50 أسيرا إسرائيليا مقابل هدنة 50 يوما أو أقل، وانسحاب الاحتلال بما يسمح بعودة النازحين، ثم يتم الحديث في المرحلة الثانية عن صفقة تبادل أسرى وانسحاب كامل ووقف الحرب، وصولا إلى مرحلة إعادة الإعمار والانتهاء من هذه اللعنة بشكل جذري.
مرة أخرى، يكفي مكابرة وتعنت، فليس من المنطق أن يكون الرفض والمعاندة مفيدة لنا بطبيعة الحال، فالمفيد لشعبنا الآن هو وقف الحرب فورا بأي ثمن، حتى نمنع كارثة قد تحدث برفح ليتحول كل قطاع غزة الى مدينة أشباح يعلوها الركام.. يكفي حروب،، قالها شعبنا ألف مرة لكنها لم تجد آذانا صاغية من صناع الحروب على مدار 200 يوما..