راسم عبيدات
أمد/ يبدو بأن طهران ودعت الى غير رجعة سياسة الإحتواء ..وتخلت عن مقولة ” الصبر الإستراتيجي”،وناسج السجاد العجمي قطبة قطبة بتأني وصبر لكي يخرجها تحفة فنية،تخلي عن نَفسه الطويل في النسج،وهذا أتى بعد أن أنجزت ايران بناء قدرات عسكرية وتسليحية وتكنولوجية وسيبرانية وجيوفضائية كبيرة جداً،فيها الشيء الكثير من التطور التقني والعسكري والتكنولوجي والعلمي،وبالذات المسيرات الحديثة من طراز” شاهد 149″ والتي اختبرها الروس في تدمير الدبابات والأليات والقطع العسكرية الأوكرانية،وكذلك الصواريخ فرط صوتية ذات المدايات الطويلة والإصابة الدقيقة والرؤوس التفجيرية والتدميرية الكبيرة جداً ،ومنظومة كاملة من منظومات الدفاع والحماية الصاروخية والإعتراض الجوي ذات الكفاءة العالية،والتي اختبرت في إسقاط أحدث طائرات التجسس الأمريكية غلوبال هوك ” في حزيران 2019 في مضيق هرمز فوق المجال الجوي الدولي ….ايران بعد قصف قنصليتها في دمشق،ورفض امريكا ودول الغرب الإستعماري، في مجلس الأمن الدولي إدانة هذه العملية التي خرقت القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني بشكل سافر،لم يكن أمامها من خيارات،إلآ ان ترد على ذلك،فهذا الرد يتعدى الرد على إستهداف القنصلية الى رد يتصل بفرض معادلات اشتباك وقواعد ردع جديدة،وهو كذلك يتصل بالكرامة الوطنية والسيادة والردع بالنسبة لإيران وعدم القيام به،يضر بالمصداقية والثقة والهيبة الإيرانية،أولاً أمام الداخل الإيراني،الذي ‘طالب برد قاس ومؤلم،وكذلك سينعكس ذلك سلباً على حلفائها ومحورها في المنطقة والإقليم…وأيضاً عدم الرد يعني السماح ل”اسرائيل” بفرض قواعد اشتباك ومعادلات ردع جديدة،ويجعلها في المستقبل تتمادي أكثر وأكثر،ليس بقصف اهداف ومواقع عسكرية وأمنية ودبلوماسية ايرانية في سوريا والعراق،بل قصف اهداف ومنشأت واغتيال قادة عسكريين وسياسيين وعلماء في قلب طهران،ومن هنا جاء الرد ممهوراً بتوقيع المرشد الأعلى والقائد العام لقوات المسلحة الإمام علي خامينيئ، وأحيل الرد توقيتاً ومكاناً وحجماً الى الجهاز التنفيذي،وبقرار المرشد هذا الذي لم تتوقعه لا أمريكا ولا ” اسرائيل”،بات القرار ملزماً،وإن كانت ايران كجزء من المحور الداعم والمشارك في الدفاع عن قطاع غزة ومقاومتها ،كانت مستعدة للتخلي عن الرد في سبيل وقف إطلاق نار دائم وإنسحاب ” اسرائيلي شامل من القطاع وعودة نازحي الشمال وإنجاز صفقة تبادل تستجيب لمعظم مطالب المقاومة الفلسطينية …ولكن عدم تحقيق ذلك ورفض ” اسرائيل” الإستجابة له،جاء الرد الإيراني، الذي في إطار الإستعداد والتحضيرات له، عاشت ” اسرائيل حكومة وقيادة عسكرية وامنية وسياسية،حالة من الإرباك والقلق والتخبط والهوس والإستنفار ،ووضع المجتمع “الإٍسرائيلي” وجبهته الداخلية في حالة نفسية غير مسبوقة ..اضطرت الناطق العسكري باسم الجيش ” الإٍسرائيلي” لمخاطبة الجمهور،بعدم التهافت على تخزين المواد الغذائية وعبوات المياه،وأيضاً عدم التسابق على سحب النقود من ماكنات الصرف الألي البنكية،لأن من شأن ذلك خلق حالة هستيريا بين الجمهور ووضعه في ضغط نفسي كبير.
أمريكا و”اسرائيل” لم تتوقعا تخلي ايران عن سياستها التقليدية بالإحتواء،وموقف المرشد الأعلى ،والذي شكل تطور في الموقف الإيراني وجرعة كبيرة من التحدي والتغير في الموقف.
حالة من الإرباك والتخبط سادت المقاربات الأمريكية و” الإسرائيلية ” حول الرد على الهجوم الإيراني، هذه المقاربات ادت الى تغير المواقف بزمن قياسي، فمن نصيحة بعدم الرد ،والإكتفاء بهجوم دبلوماسي وفرض عقوبات على ايران والحرس الثوري ،الى قرار بالرد واجماع عليه من قبل مجلس الحرب ” الإسرائيلي” ،وفشل في تحديد موعده وحجمه، فالبداية أمريكا ومعها حلفائها من التوابع الغربية الأوروبية،نصحوا ” اسرائيل”، بأن تحتفل بالنصر الإستراتيجي،بإسقاط 99% من الصواريخ والمسيرات الإيرانية،ولكن بعد إنكشاف الحقيقة،وبان الصواريخ الإيرانية إستطاعت الوصول الى القاعدة الإستخبارية “نيفاطيم” التي اتخذ فيها قرار القصف للقنصلية الإيرانية،ومطار رامون الذي انطلقت منه طائرات ” اف 35″ لقصف القنصلية الإيرانية،وبأن هذا الهجوم الإيراني غير المسبوق الذي تتعرض له ” اسرائيل” يستوجب الرد،لأنه يمس بقدر كبير بقوة الردع ” الإسرائيلية” وبالأمن القومي “الإسرائيلي،ولذلك تلاشت الفوارق بين الموقف “الإٍسرائيلي” والموقف الأمريكية والأوروبية الغربية،وباتت ضرورة الرد،ولكن رد مضبوط ومحدود، لا يؤدي الى ” تهور” ايران وإشعالها للمنطقة ،ووصل الأمر بالرئيس الأمريكي بايدن، المفتخر بصهيونيته ،للقول بأن الحرب اذا ما توسعت، فإن أمريكا ستشارك فيها الى جانب ” اسرائيل” ،لأنه حسب زعمه بأن ايران تريد ان تمحو الدولة اليهودية في العالم بشكل نهائي عن الوجود.
ايران اعلنت جهوزيتها للرد سواء كان بإستهدف اراضيها ومنشأتها النووية وبرامج صواريخها الباليستية ومصانع المسيرات والأسلحة،او تنفيذ عمليات اغتيال وتخريب داخل ايران،او المس بمؤسسات ايران وبعثاتها الدبلوماسية ووجودها العسكري والأمني في المنطقة.
ايران قالت بأن ردها على أي هجوم ” إسرائيلي ” داخل ايران أو خارجها،ولو كان محدودا،سيجري الردع عليه بشكل مؤلم وقاسي،وسيكون عشرات أضعاف الرد السابق،وأبلغت أمريكا بان قواعدها العسكرية في المنطقة ستكون عرضه للقصف‘إذا ما شاركت في الرد “إسرائيلي” على ايران،وكذلك دول حلف ” الناتو” العربي المصغر، التي تتواجد في اغلبها،أن لم يكن جميعها قواعد أمريكية، تبلغت رسالة ايران،بان تقديمها أي تسهيلات لإمريكا أو إسرائيل، بفتح اجوائها وأراضيها للهجوم على ايران،سيضعها في حالة من العداء مع طهران.
دخل الأميركيون والإسرائيليون في مرحلة الحسابات الدقيقة لمخاطر ومكاسب الرد وعدم الرد على عملية الردع الإيرانية ليل 14 نيسان، ردًّا على الغارة الاسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق، حيث كل من الخيارين محفوف بمخاطر أقلّها التسليم بموازين جديدة تكون لإيران اليد العليا فيها على مستوى المنطقة، وما لذلك من انعكاسات على مكانة «إسرائيل» الإقليمية وهي في قلب حربها الخاسرة على جبهات غزّة ولبنان، واستطرادًا على النفوذ الأميركي في المنطقة التي تمثل «إسرائيل» القويّة المهيمنة قاعدته الرئيسية. وبالمقابل فإن الرد يفتح الباب لمواجهة تبدو إيران جاهزة لخوضها وقد أعدت لها عدتها، رغم تأكيدها أنها لا تسعى إليها لكنها لا تخشاها، وحتى منتصف ليل أمس، كانت المعادلة المعلنة تقوم على أن القرار يعود لـ «اسرائيل» وأن واشنطن تحترم ما سوف تقرره تل أبيب وأنها تلتزم بحماية «اسرائيل»، مهما كان قرارها، بينما تحت الطاولة يستمر التشاور الأميركي الإسرائيلي على مستوى الخبراء لبلورة جواب يتيح ردًّا لا يؤدي الى المواجهة المفتوحة او الى رد إيرانيّ أشد قسوة، وهذا ما ظهر في تردّد مجلس الحرب في “إسرائيل” تجاه بلورة قرار واضح.
الحجيج الأوروبي الى ” إسرائيل” ممثلاً بوزراء خارجية بريطانيا ديفيد كاميرون ووزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك”،للوقوف الى جانب ” إسرائيل وخلف خياراتها وقرارتها، يذكر بالحجيج الأمريكي والأوروبي الغربية قادة وجنرالات ،بعد معركة 7 أكتوبر،حيث حضروا من أجل المصادقة على الخطط ” الإسرائيلية” ومشاركتها في شن حربها على قطاع غزة ومقاومتها و” اجتثاث” حركة حماس،ولكن هذه المرة الحجيج،يأتي من أجل إقناع ” إسرائيل” بعد الرد أو رد مضبوط ورمزي، لا يستثير حفيظة ايران وما يسمونه بتهورها،برد يقود الى خروج الأمور عن السيطرة ،والذهاب الى حرب إقليمية شاملة مدمرة،وقالوا بأنه سينفذون سلسلة عقوبات بحق ايران وحرسها الثوري واعتباره منظمة ” إرهابية.
“إسرائيل” أرادت من عدونها على القنصلية الإيرانية في دمشق ، ان تكون مصدر تظهير لإستعادة قوة ردعها،ولكنها جاءت كمصدر لتظهير الردع الإستراتيجي الإيراني.
لم يعد هناك تباين أمريكي -“إسرائيلي” من بعد مرحلة الرد الإيراني،فهناك حالة من التبخط والإرباك،وهذا ما نشهده من التاجيلات المستمرة للرد ” الإٍسرائيلي”،والتنسيق المتواصل والمستمر أمريكياً و”إسرائيلياً” واوروبياً ،لبلورة مخرج لهذا المأزق لا يذهب الى التحدي ولا يسلم بخسارة قوة الردع،ولكن يبدو ذلك وهماً ودرباً من الخيال حتى اللحظة،فتارة يتحدثون عن رد دبلوماسي وسيبراني،واخرى رد مؤلم وصادم،ومن ثم عدم القدرة على إتخاذ القرار.
كل المعطيات تقول بأن هناك تحولات كبرى واستراتجية تحدث في المنطقة،ومن شأنها ان تقود لوقوع المواجهة الكبرى.