علاء مطر
أمد/ الغريب في قضية الرد الإيراني على إسرائيل، والذي جاء بعد نحو 14 يوما على استهداف إسرائيل قنصليتها في دمشق، وقتل عدد من كبار قادتها، أنه تم تحديد واعلان وقته مسبقا، وهو ما صرح به وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، بأنهم أبلغوا دول المنطقة بطبيعة الرد على إسرائيل قبل 72 ساعة، وهو ما لم يحدث في التاريخ، أن تبلغ دولة معادية بموعد هجومها عليها، حتى أنه تم تصوير الصواريخ والطائرات المسيرة خطوة بخطوة، فيما تم تحديد نوع أسلحة الهجوم وعددها، كما تم الاعلان عن الأهداف من طرف المهاجمين، مما يثير الكثير من الشكوك حول جدوى هذا الرد الإيراني، والتي تشبه الى حد كبير “المسرحية”، خصوصا بعدما نشر من كواليس المفاوضات والتطمينات التي جرت تحت الطاولة.
ولم يتعد الرد الإيراني، سوى استعراض للعضلات و”شو اعلامي”، بهجوم بالمسيرات والصواريخ التي لم يصل جزء كبير منها لهدفه، وحفظ لماء الوجه أمام شعبه وما يسمى “محور المقاومة” الذي يتخذ خطابه الزائف بمعاداة إسرائيل دائما.
ولكن، من جهة أخرى، يبدو أن المسرحية الإيرانية المتفق عالميا على السيناريو الخاص بها، قد كانت بشكل واضح للعلن، مصلحة إسرائيلية كبيرة، وخسائر لقطاع غزة الذي يعاني من حرب إبادة غير مسبوقة ومستمرة منذ أكثر من ستة أشهر، فكيف ذلك؟
الجواب على السؤل، يبدأ من أن الهجوم “المسرحي” قد أظهر أن اسرائيل تعيش في وسط معادي، مما سيدفع أوروبا من جديد الى مساندتها ودعمها عسكريا وسياسيا واعلاميا، بعدما تغيرت النظرة الأوروبية والأمريكية الى إسرائيل مؤخرا بسبب مجازرها بغزة.
والأهم في كل الموضوع، هو أن المسرحية الإيرانية، قد صرفت النظر بشكل كبير عن حرب غزة وعن الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في القطاع المحاصر، من قتل ودمار وتهجير وتجويع، فبعدما أصبحت هناك صحوة كبيرة لدى الدول الأوروبية وخاصة الشعوب التي بدأت تضغط بقوة على حكوماتها بإيقاف الدعم لإسرائيل، ورفعت بعض الدول مثل جنوب أفريقيا دعاوى للمحاكم الدولية ضد إسرائيل، فيما وصل الأمر الى أن الرئيس الأمريكي نفسه لم يعد قادرا على إقناع الكونجرس باستمرار الدعم المالي والعسكري لإسرائيل، وطلبه بشكل علني وواضح من إسرائيل بوقف الحرب فورا، جاءت المسرحية العبثية لإعادة خلق المبررات لاحتشاد الغرب مجددا حول اسرائيل.
لقد أظهرت المسرحية الإيرانية أن إسرائيل مهددة، وأنها الآن تدافع عن نفسها ووجودها، الأمر الذي سيوجد لدى الحكومات الغربية مبررا منطقيا أمام شعوبها لدعمها وإعادة حمايتها لإسرائيل، لتصرف بكل جدارة الرأي العالمي عن جرائم إسرائيل في غزة والشعب الفلسطيني الذي يتعرض للإبادة بالألة الإسرائيلية.
وفي ذات السياق، فإن الرد الإيراني، سيوقف زخم المعارضة الإسرائيلية الداخلية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يعاني من أزمة داخلية كبيرة ومظاهرات ضخمة تطالبه بالرحيل وعقد صفقة تبادل مع حماس، وسيعيد توحيد الساسة والمجتمع الإسرائيلي وتوحيد الجبهة الداخلية، وفضّ الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات ضدّ نتانياهو وحكومته، فبعد أن كان نتنياهو يعاني ضغطا كبيرا من الشارع الاسرائيلي، تخلص من “وجع الراس” وهذا الضغط الكبير بعد هذا الرد، فيما أعادت أيضا تجميع الرأي العام الإسرائيلي وراء زعيم حكومة الحرب.
كما سمحت “المواجهة الإيرانية” للدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة، بإعادة إظهار تأييدها لإسرائيل بشكل علني من جديد، بعد أن أصبح ساسة هذه الدول وزعمائها يخجلون من ذلك، كما سمحت للإعلام الغربي بالدعاية للمظلومية الإسرائيلية والخطر المحدق بها في المنطقة، وجلب تعاطف جديد من الرأي العام الغربي لاسرائيل بعد أن كاد يتلاشى بسبب جرائمها في غزة.
وهذا جزء من فيض كبير من المضار التي أصابت القضية الفلسطينية وقطاع غزة خصوصا، بسبب مسرحية الرد الإيراني الذي لم يتسبب بقتل أحد، وحتى لم يتسبب بأي أضرار مادية في إسرائيل..فهل تعيد حماس والفصائل حساباتها مع ايران؟ لا أعتقد ذلك..