د. رمزي عودة
أمد/ قامت الولايات المتحدة الاميركية الخميس الماضي باستخدام (الفيتو) ضد مشروع القرار الذي قدمته الجزائر، بصفتها العضو الممثل للمجموعة العربية في مجلس الأمن، والذي يوصي الجمعية العامة بـ”قبول دولة فلسطين عضوا في الأمم المتحدة”. وقد أيد المشروع 12 عضوا في مجلس الأمن وعارضته الولايات المتحدة وامتنعت عن التصويت المملكة المتحدة وسويسرا.
وفي الوقت الذي توقعت فيه أنا شخصيا امتناع الولايات المتحدة عن التصويت، وذلك نتيجة لارتفاع وتيرة الاختلاف بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو في الستة شهور الأخيرة، وخاصة بعد استمرار سياسة الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بدون أخذ توصيات الادارة الأميركية بعين الاعتبار لا سيما في موضوعة الهدنة ومنع إيصال المساعدات الى شمال القطاع. ولكن يبدو أن الأمور لم تسر حسب المتوقع، وربما يعود السبب في ذلك الى نجاح حكومة نتنياهو في استرداد التعاطف والتأييد الأميركي والغربي لاسرائيل بعد الضربات الجوية التي قامت بها إيران ضد إسرائيل الأسبوع الماضي.
يشير بعض المحللين الى معلومات بأن إسرائيل قايضت الولايات المتحدة الأميركية بالقيام بضربة صورية أو استعراضية للرد على ضربات إيران كما حدث فجر أمس الجمعة- بحيث لا يتم التصعيد في المنطقة، مقابل الفيتو الأميركي ضد الدولة الفلسطينية.
وفي الواقع، وبعيدا عن التكنهات، فإن الولايات المتحدة الأميركية وضعت نفسها في مجلس الأمن في موقف “غير نزيه وغير أخلاقي وغير مبرر” على حد بيان الرئاسة الفلسطينية، كما أن هذا الموقف نال معارضة واسعة من قبل العديد من دول العالم، حيث أعلن السفير الصيني فو كونغ عن خيبة أمله من الفيتو الأميركي مضيفا أنه قد حطم حلم الشعب الفلسطيني. كما أكدت الجزائر أنها ستعود مرة أخرى أقوى الى مجلس الأمن وبدعم من الجمعية العامة من أجل العضوية الكاملة لدولة فلسطين بالأمم المتحدة. واعتبرت العربية السعودية أن فشل مجلس الأمن الدولي في اعتماد مشروع القرار لا يؤدي الى السلام. بالمقابل، رحب وزير الخارجية الاسرائيلي يسرائيل كاتس بما سماه رفض الاقتراح المخزي مبررا الرفض بعدم مكافأة الإرهاب!
إن الرفض الأميركي لقرار منح الدولة الفلسطينية العضوية الكاملة في الامم المتحدة هو وصمة عار على الولايات المتحدة التي يجب عليها أن تخجل من نفسها على هذا الفيتو لا سيما أن التبرير الذي قدمته في قرارها ليس منطقيا، حيث بررته بأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يجب أن يكون نتيجة للمفاوضات بين الجانبين، وأن الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية لن يؤدي الى تحقيق الأمن والسلام في المنطقة. في الواقع، هنالك عدد من المقدمات التي تنسف هذا التبرير وأهمها:
1 – إن المفاوضات المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي توقفت منذ مفاوضات انابوليس عام 2007، حيث رفضت حكومة نتنياهو الاستمرار بالمفاوضات ولم تقم لا الولايات المتحدة ولا الدول الغربية بأي جهد للضغط على اسرائيل للاستمرار بالمفاوضات.
2 – إن المفاوضات بالسلوك الاسرائيلي اتسمت بالعبثية وعدم الجدية ولم تكن تتناول القضايا الحساسة مثل الدولة الفلسطينية والحدود واللاجئين والقدس، بل على العكس أصر الاسرائيليون على عدم مشاركتهم في أي مفاوضات تتناول هذه القضايا.
3 – إن رئيس الوزراء نتنياهو نفسه اعترف وتباهى بأنه أفشل مفاوضات حل الدولتين على مر العقود السابقة ولم يكن لهذا الاعتراف أي رد فعل أميركي تجاهه.
4 – إن خطة نتنياهو لليوم التالي بعد العدوان تتضمن إعادة احتلال غزة وتوسيع الاستيطان ومنع قيام دولة فلسطينية، ولم يكن هنالك أي رد فعل أميركي ضد هذه الخطة.
5 – إن الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية سوف يفرض ضغطا دوليا على حكومة نتنياهو اليمينية بأنه يجب الامتثال لأحكام القانون الدولي بما فيه الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
6 – إن الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية سوف يؤدي الى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة لأنه سيجنب دول المنطقة الحرب والصراعات، والتي هي في غالبيتها تتخذ من القضية الفلسطينية محورا أساسيا لها.
7 – إن الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية سوف يضغط على حكومة نتنياهو بوقف العدوان على غزة وضرورة التوصل الى صيغة سياسية لإنهاء مسلسل الإبادة الجماعية في القطاع.