حميد قرمان
أمد/ قطر تعلن إعادة تقييم دورها في الوساطة بين إسرائيل وحركة حماس، بسبب انسياقه وتوظيفه من قبل بعض الجهات لمصالح سياسية ضيقة، بحسب تصريحات رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، في دلالة واضحة على ارتفاع وتيرة ونسق التهديدات التي لوح بها أعضاء داخل الكونغرس الأميركي بمعاقبة الدوحة وإعادة تقييم العلاقات معها. تهديدات أخذت طابع البيانات الصحفية تارة، وتارة أخرى عبر تحركات جدية داخل الكونغرس لإصدار قرار بإنهاء التعامل معها كحليف رئيسي من خارج حلف الناتو. ولطالما تباهت قطر وساستها بخلق تكتل سياسي داعم لها داخل الكونغرس الأميركي.
سابقا، اعتمدت قطر في سياساتها على استغلال موقعها الجيوسياسي كدولة مؤثرة في الإقليم، من خلال سعيها لامتلاك مفاتيح القوى الناعمة والتأثير الدبلوماسي والاقتصادي المؤيد لدول المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، فلجأت في البداية إلى فتح قنوات تواصل واتصال مع دولة الاحتلال الإسرائيلي على شكل علاقات اقتصادية وتجارية في تسعينات القرن الماضي، كورقة عبور نحو دوائر صنع القرار الأميركي.
ورقة لم تسعف كثيرا الطموحات القطرية التي ذهبت إلى أبعد من ذلك من أجل تحقيق حماية ورعاية أميركيتين بصورة تحالف متكامل الأبعاد – العسكري والاقتصادي والسياسي – فاستضافت على أرضها أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، وقدمت العطايا الاقتصادية لقصور الحكم الأوروبية، واستثمرت بتكوين علاقات مع دول وأنظمة وجماعات على عداء مع الولايات المتحدة كوسيط يقدم خدمات سياسية على قاعدة: كلما زاد اعتماد الولايات المتحدة على قطر ودورها في المنطقة والإقليم كلما استقر نظام قطر السياسي واستمرت شرعيته.
مضت قطر موغلة في الالتصاق أكثر بسياسات الإدارات الأميركية المتعاقبة، ونسجت دور الوساطة باستمرار حسب مقاييس ومتطلبات رؤى الولايات المتحدة ومصالحها، لتأتي أحداث السابع من أكتوبر وما تلاها من حرب إبادة على قطاع غزة وارتداداتها في الإقليم، كاختبار حقيقي لهذا الدور وطبيعته وحجمه، لتكتشف قطر عجز ساستها وقصورهم عن تحقيق أرضية مشتركة بين أطراف الصراع، التي تريد تماهيا سياسيا قطريا، كل حسب مصالحه، مما وضع قطر أمام ضغوط كشفت حقيقة محدودية نطاقها الإقليمي والدولي في حشد ضغط دولي داعم لفرض رؤيتها في تحريك مياه المفاوضات الراكدة.
حالة الجمود التي شهدتها مفاوضات الهدنة بين أطراف الصراع شكلت خناقا سياسيا على قطر، دفعها إلى اللجوء إلى تركيا “الأردوغانية” مستنجدة بها لتسويق مبادرة سياسية تسمح بقيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح مع حل حركة حماس لجناحها العسكري وتحولها إلى حزب سياسي، كنوع من كسر الجمود الذي تسبب فيه اتساع الفجوات بين تلك الأطراف وتضارب مصالحها.
قطر اليوم بمراجعة وتقييم دورها، كمن يزحف على حد السكين للخروج من أزمتها، والحفاظ على استقرار نظامها السياسي واستمرار شرعيته من خلال توازن معادلاتها السياسية وعلاقاتها الإقليمية والدولية، وإبقاء العلاقة مع حركة حماس ومن ورائها إيران، إضافة إلى حماية تحالفاتها مع الولايات المتحدة التي ستلجأ حتما إلى سياسة ترويض قطر مجددا بما يخدم مصالحها في المنطقة والإقليم.