علاء مطر
أمد/ منذ اندحار المستوطنين من مستوطنات قطاع غزة عام 2005 الماضي، بدأت حماس تتفاخر بأنها هي التي أخرجتهم من غزة، بانتهاج سياسة إعلامية غير واقعية وفي بعض الأوقات غير مسؤولة، تتحدث دائما عن تضخيم القدرة العسكرية لكتائبها القسامية، والحديث عن صناعاتها الصاروخية، وطائراتها المسيرة، والوحدة الجوية والضفادع البشرية، وقوات النخبة، وكأن القسام أصبح جيشا منظما، أمام العالم، الذي بدأ يرى أنه من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، مقابل هذه الحركة الفلسطينية التي قدمت نفسها أمام العالم على أنها قادرة على تحرير فلسطين في ليلة وضحاها.
وانتهجت حماس هذه السياسة الإعلامية في الواقع، طمعا في حشد دعم شعبي داخلي وخارجي، بالإضافة إلى دعم مادي مما يسمى محور المقاومة التي ترأسها ايران، وهذا ما اثبتته بعض التقارير التي كشف عنها مؤخرا من تلقي يحيى السنوار ملايين الدولارات من إيران خلال فترة زمنية قصيرة، لكن، ألم تفكر حماس بأضرار هذه السياسة الإعلامية غير المسؤولة على القضية الفلسطينية وشعب غزة المكلوم أصلا منذ أن حكمت القطاع عام 2007 الماضي؟ ألم تفكر ولو للحظة واحدة بالمصلحة الوطنية؟
لقد استغلت إسرائيل هذه السياسة الإعلامية الحمساوية، في روايتها للمجتمع الدولي، بأنها دائما في إطار الدفاع عن نفسها من الخطر الفلسطيني على حد زعمها، الذي يستهدف وجودها، مما يعطيها زخم دولي واضح وانحياز أمريكي أوروبي عالمي، لدعم كل خطواتها الاحتلالية والاستيطانية وحتى عدوانها المستمر على قطاع غزة، والذي شارف على الـ 200 يوما، في حين لم تلق حماس أي دعم دولي أو حتى عربي في وجه إسرائيل، لأن سياستها الإعلامية أضرتها وأضرت القضية الفلسطينية برمتها، وجعلت أهالي غزة يدفعون ثمن الوعي المتأخر لقادة حماس، من دمهم وبيوتهم وحياتهم التي انقلبت رأسا على عقب.
ولا زلت أذكر تصريحا للقيادي في حماس فتحي حماد، عندما قال بأن حماس قد تفوقت على الدول العربية في صناعة الصواريخ طويلة المدى، وأنها على استعداد لتصدير الصواريخ للدول العربية ولمن يحتاجها، في تصريح صدم الجميع، وحتى قادة حماس أنفسهم، حيث جعل التنظيم وكأنه قوة عظمى، خجلت روسيا أو حتى أمريكا “قطبي العالم”، التحدث بهذه العنجهية، الأمر الذي يدل على سياسة مبتدئة، ووعي متأخر ومتحجر.
ومما زاد الطين بلة، برامج قناة الجزيرة التي كان يقدمها تامر المسحال تحت عنوان “ما خفى أعظم”، والتي أظهرت القسام وكأنه قوة عسكرية منظمة لا يضاهيها أحد في المنطقة، وأنها قادرة على صناعة الصواريخ طويلة المدى رغم الحصار.
ومنذ السابع من أكتوبر، ظهرت حقيقة “النمر الكرتوني” الذي كانت الجزيرة تصوره للعالم ولنا، وبدأنا نشعر نحن المدنيين بخطورة اعلام حماس غير المسؤول، الذي تجاهل بكل غشمية مليوني ونصف المليون مواطن يعيشون في قطاع صغير ساحلي، سيكونون هم من يدفع ثمن خطأ بعض القادة الذين اتخذوا قرارا بالهجوم في ذلك اليوم، ليستمر هؤلاء الغلابة بدفع الثمن للشهر السابع على التوالي من قتل وتدمير وتهجير وكل ما يمكن للعقل أن يتخيله، دون أن توفر حماس أدنى حماية لهم.
لقد صنعت حماس طوفانها يوم السابع من أكتوبر، ونسيت صناعة السفن والملاجئ للمدنيين، الذين يدفعون وما زالوا يدفعون الثمن من دمائهم حتى اليوم، خصوصا وأن أغلب ضحايا الحروب السابقة والحرب الحالية من المدنيين، فيما تتفاخر حماس في نهاية الحرب وتعلن الانتصار على إسرائيل، وتدعي بأن سلاحها وترسانتها العسكرية لم تمس وأنها بخير، وكأن نتائج الحروب تقاس فقط بأن المقاومة بخير، متجاهلة آلاف الشهداء والجرحى البيوت المدمر.
وللأسف، فإن وسائل إعلام حماس، تعمل على تضخيم “صواريخ آخر خمس دقائق من الحرب”، وكأن هذا هو الانتصار الحقيقي، في أمر يقهر قلوب الذين فقدوا بيوتهم وأبنائهم، لترسخ فكرة أن التنظيم لا يرى إلا نفسه ومصالحه الضيقة.
كما أن العقيدة الإعلامية الحمساوية، دائما تعلّق القتل والدمار وكل ما تشهده غزة، على أسباب غيبية، فمثلا يقول إعلامهم بأن كل ما يجري بغزة من نتاج الحرب رغم أن ظاهره شر فإن في باطنه كل الخير، لكن لو سألت أحد منهم كيف ومتى لن يستطيعوا إجابتك، ليثبتوا استعدادهم بتعليق كل هذا الدمار والقتل ورجوع غزة 100 عام إلى الوراء على غيبيات، وغير مستعدين أبدا الاعتراف بإساءة التقدير والتصرف، أو انهزمنا أو خُذِلنا.
في النهاية، أساءت حماس في إدارة مؤسساتها الإعلامية الضخمة بشكل جيد ومهني ووطني، وكل ما كان يهمها هو تضخيم قدراتها العسكرية، حتى جعلت الناس بغزة تقتنع عن غير وعي بأنه لا يمكن لأي جندي إسرائيلي أن يدب بقدمه أرض القطاع بريا، لتسقط كل هذه القناعات، وتنكشف حقيقة وحجم حماس الحقيقي.. لكن يبقى السؤال: من دفع فاتورة هذا التضخيم ووعي حماس السياسي المبتدئ؟