جميل السلحوت
أمد/ صدر مؤخّرا عن مكتبة كلّ شيء في حيفا كتاب “وجه آخر للهويّة-دراسة انثروبولوجيّة في تاريخ تطوّر قبيلة بدويّة، عرب السّواحرة (1703-1967)”، للدّكتور محمّد شحادة، ويقع الكتاب الّذي صمّمه شربل الياس في 520 صفحة من الحجم الكبير.
قرأت هذا الكتاب قراءة متمعّنة وباهتمام بالغ من الغلاف إلى الغلاف، كوني أحد أبناء عرب السّواحرة موضع الدّراسة، واتّضح لي أنّ الكاتب قد بذل جهدا كبيرا في إعداد هذا الكتب، الّذي استغرقت كتابته أكثر من عشر سنوات. ورغم أنّ الكاتب عاد إلى بعض المراجع المكتوبة والّتي لها بشكل وآخر علاقة من قريب أو من بعيد بموضوع الدّراسة، إلّا أنّ ما لفت انتباهي هو اعتماده على بعض الخرافات الّتي سمعها من هنا أو هناك، وسجّلها كتاريخ لهذه البلدة، وكم تمنّيت لو أنّ الكاتب عاد إلى المهتمّين من أبناء البلدة أو من غيرهم، وإلى بعض العارفين من أصحاب الرّأي والمشورة في البلدة؛ للتّأكّد من صحّة بعض الأمور والحكايات والتّقسيمات العائليّة والعشائريّة الّتي أوردها في كتابه؟
اسم الكتاب: تورّط الكاتب في العديد من الأخطاء الّتي لا يمكن القفز عنها بدءا من عنوان الكتاب المرسوم على غلافه الأوّل، فقد ورد في العنوان “دراسة انثروبولوجيّة في تاريخ قبيلة بدويّة” وورد استعمال “قبيلة” مئات المرّات في صفحات الكتاب عند الحديث عن حمايل وعائلات البلدة. وهذا استعمال خاطئ تماما، فالقبيلة تعني حسب موسوعة أوكوبيديا:” جماعة من النّاس تنتمي في الغالب إلى نسب واحد يرجع إلى جدّ أعلى، أو اسم حلف قبليّ يعدّ بمثابة جدّ، وتتكوّن من عدّة بطون وعشائر. وغالبًا ما يسكن أفراد القبيلة إقليما مشتركا يعدّونه وطنا لهم، ويتحدّثون لهجة مميّزة، ولهم ثقافة متجانسة أو تضامن مشترك (أي عصبيّة). وقد وردت قبائل وهي جمع قبيلة في القرآن الكريم في الآية 13 من سورة الحجرات” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [ref]سورة الحجرات (الآية 13)خَبِير”.ٌ
وتعني كلمة قبائل التي وردت في الآية المجموعات التي تنقسم إليها الشّعوب مثل غطفان، وسبأ، وقريش، فهذه إحدى القبائل العربيّة، كما أن للأتراك والرّوم قبائل، وتتجزّأ القبيلة إلى بطون، وكلّ بطن ينشق منه العديد من الأفخاذ، وكلّ فخذ ينشقّ منه العديد من الفروع.
ومعروف أنّ الشّعوب تتكوّن من مجموعة قبائل، والقبيىة تتكوّن من مجموعة عشائر، والعشائر تتكوّن من مجموعة حمايل، والحمايل تتكوّن من مجموعة عائلات.
وعرب السّواحرة ليسوا قبيلة ولا مجموعة قبائل، بل هم عشائر، أو هم بالأحرى عشيرتان هما:” الجعافرة والهلسة”. وهذا ما عُرفوا به عبر التّاريخ رسميّا وشعبيّا” عشائر عرب السّواحرة”، وكلمة “عرب هنا لا تعني القوميّة، وإنّما هي مأخوذة من الأعراب وتعني البداوة، ومع التّأكيد أنّ “السّواحرة” ما عادوا “أعرابا”، فقد انتقلوا من البداوة إلى الحضارة والتّمدّن، وذلك منذ ما يقارب المئة عام، ساعدهم في ذلك قربهم من مدينة القدس، مركز الإشعاع الحضاريّ في المشرق العربيّ، فهم يبعدون عنها أقلّ من خمسة كيلو متر. ونسبة التّعليم الجامعيّ في مختلف التّخصّصات عندهم مرتفعة جدّا، وجميعهم يعيشون في بيوت حجريّة، تتوفّر فيها كلّ متطلّبات الحياة الحضريّة، وهم إحدى مكوّنات النّسيج الاجتماعيّ في مدينة القدس. وما تربطهم بالبداوة سوى معرفة البعض منهم بالأعراف والعادات العشائريّة الّتي توارثوها عن الآباء والأجداد؛ لحلّ الخصومات الّتي تحصل، وذلك بسبب عدم لجوئهم للمحاكم، ولهذا أسبابه أيضا ومن أهمّها عدم وجود دولة وطنيّة بسبب الاحتلالات المتلاحقة، ونحن في هذه العجالة لن نخوض بتفصيلات هذه الجزئيّة.
والسّواحرة يعودون في أصولهم إلى العمر من جذام من لخم وهي إحدى القبائل العربيّة التي تعيش جنوب الجزيرة العربيّة وخصوصا في عُمان. وأصول السّواحرة في فلسطين تعود إلى أكثر من عشرة قرون، وقد استخرج المؤرّخ محمّد هاشم غوشة من سجلّات المحكمة الشّرعيّة، وثيقة تتحدّث عن الشّيخ سعد أحد أمراء الأندلس الّذي جاء القدس لنصرة صلاح الدّين الأيّوبيّ في حروبه ضدّ الفرنجة عندما حرّر القدس من احتلالهم عام 1187م، وقد توفّي ودفن جنوبيّ القدس على جبل يحمل اسمه حتّى الآن”. وهو أحد أحياء السّواحرة.
والسّواحرة ينقسمون إلى عشيرتين رئيستين هما ” الجعافرة والهلسة”، وكل عشيرة تنقسم إلى حمايل كالتّالي:
عشيرة الجعافرة: الجعافرة، العويسات، المشاهرة، الخلايلة، السّراوخة، الخلايلة، الجعابيص وعائلة بشير.
عشيرة الهلسة: الهلسة، العبيدات، الشقيرات، الزّعاترة والزّحايكة.
وكلّ حامولة تنقسم إلى عائلات، وقد جانب الكاتب الحقيقة في تقسيم الحمايل إلى عائلات، فعلى سبيل المثال، جاء في الكتاب صفحة 163:” فحامولة الشّقيرات تنقسم إلى عائلتين اثنتين” الأولى وتضمّ علاء الدّين ومشعل ومطر، والثّانيّة تضمّ شقير وسلامة وحسن وعلّان وعليّان”. ولم ينتبه الكاتب أنّ علّان وعليّان هما أخوان الأوّل توفّي عام 1982 القرن العشرين والثّاني توفّي عام 1963م.
والتقسيم الصّحيح لعائلات حامولة الشّقيرات هو أنّهما ينحدران من أخوين هما علي ومعالي، وأبناء عليّ ينقسمون إلى ثلاث عائلات هي: شقير، سلامة والسّلحوت، وأبناء معالي ثلاث عائلات أيضا هي: علاء الدّين، مطر ومشعل. ولزيادة المعلومات فإن عائلة “شقير” هي أكبر عائلات الشّقيرات وتضم: حسن، عليّان، الحاج خليل وأبو صبيح. أيّ أنّ الشقيرات ستّ عائلات فقط.
ومن الأخطاء التّاريخيّة الّتي وردت في الكتاب:” ففي العام 1938م كان الشّيخ عليّان شقير شيخا لعشيرة الشّقيرات وعشيرة الهلسة وعشائر السّواحرة، وفي العام 1940 وقع الاختيار على علي حجازي ليكون مختارا على الهلسة” ص93. والصّحيح أنّ الشّيخ عليّان شقير، خلف الشّيخ ابراهيم حسن شقير الّذي توفيّ في حادث طرق عام 1932م، وكان كلّ منهما شيخا لـ “جال الهلسة” والمقصود هنا عشيرة الهلسة المكوّنة من حمايل: الهلسة، العبيدات، الشّقيرات، الزّعاترة والزّحايكة، وتنازل الشّيخ عليّان شقير عن “المخترة” لابنه عبد والد الأديب المعروف محمود شقير عام 1949م، وتنازل عبد عليّان شقير عن “المخترة” عام 1951م للشّيخ حسين ابراهيم حسن شقير.
ومن المغالطات الّتي وردت في الكتاب:” تخبرنا السّجلّات أنّ عائلة حسن من الشّقيرات امتلكت عبيدا، وكذا عائلات من الجعافرة” ص123، والصّحيح أنّ الحاجّ خليل شقير وشخص آخر من الجعافرة هما من امتلكا العبيد.
ومن المغالطات الّتي وردت في الكتاب أنّ” المرحوم الشّيخ حسين أحمد حسين سرور، مختار حامولة المشاهرة ولد عام 1930″ والصّحيح أنّه ولد في بدايات القرن العشرين، وابنه متعب مولود عام 1936.
ومن المغالطات الّتي وردت في الكتاب أنّ المئات من أبناء السّواحرة قد شاركوا في معركة القسطل الّتي استشهد فيها عبدالقادر الحسيني قائد الجهاد المقدّس في نيسان 1948م، والصّحيح أنّ من شاركوا في معركة القسطل من أبناء السّواحرة هم اثنان لا ثالث لهما، وهما الشّهيدان عامر محمّد عليّان وأبو احمد أبو دهيم قائد جنوب القدس في الجهاد المقدّس. والأوّل استشهد مع آخرين بنيران صهيونيّة عام 1948م عند منطقة الجثمانيّة ما بين راس العامود وباب الأسباط من نيران أطلقت عليهم من قلعة النّبيّ داود.
لقد أحسن الكاتب في استشهاده من بعض الكتب التّوثيقيّة لمؤلّفيها مثل: عارف العارف، عبدالله التّلّ وبهجت أبو غربيّة، لكنّه ابتعد كثيرا عن الرّواية التّوثيقيّة الشّفويّة لمن شاركوا في معارك جبل المكبّر، وليته استمع لكثيرين ممّن عاشوا تلك المرحلة أو ممّن سمعوها من آبائهم وأجدادهم؛ ليغني بها دراسته.
في الكتاب إيجابيّات عديدة، وفيه مغالطات وخرافات ومبالغات كثيرة، تحتاج إلى دراسات مطوّلة للرّد عليها.