علاء مطر
أمد/ بدا حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا الأسبوع مختلفا، في تصميمه على دخول رفح حتى لو تم إبرام صفقة تبادل مع حركة حماس أو بدونها، بعدما أقنع الإسرائيليين من أقصى اليمين حتى أقصى اليسار بأن فوزهم في الحرب يعتمد على هذه الخطوة، ويهدد باجتياحها رغم الضغوطات الأمريكية والدولية، فيما سيستمر هو في بيع الوهم للإسرائيليين بأن أهداف الحرب والنصر سيتحقق بعد القضاء على كتائب حماس في رفح، وإطلاق سراح الأسرى بالضغط العسكري.
في المقابل، فإن أكثر من 1.3 مليون فلسطيني من النازحين في رفح التي لم تدخل المرحلة الأولى من الحرب بعد، يتساءلون: “أين نذهب؟”، بعد هذه التهديدات، فيما بدأ البعض في نقل خيمته إلى المناطق الوسطى في القطاع، مثل دير البلح ومواصي خانيونس والنصيرات وغيرها من المناطق التي يعتقدون بأنها آمنة، رغم أنه لا يوجد مكان آمن في القطاع للأسف، في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية التي اقتربت من دخول شهرها الثامن دون توقف.
وعلى الرغم من أن إسرائيل وحماس بدآ إلى حد ما يسلمان بالواقع الجديد، أو يمكن القول بأنهما تعبا بعد هذه الشهور الطويلة من القتال، إلا أنهما يكابران ويعاندان بعضمها البعض، فمن ناحية نتنياهو فهو يناور بالاجتياح رغم إدراكه بأنه لا كتائب مسلحة حقيقية موجودة، وأنه لن يجد أي من أسراه هناك، بينما حماس تتوعد بصمود المقاومة في رفح، وأنها ستتصدى للجيش الإسرائيلي بكل شراسة، رغم أن الواقع في خانيونس والشمال وغزة أثبت غير ذلك تماما، فيما لا أحد يفكر بشعب ملّ حياة النزوح والخيام، وكأن الجميع يتعامل مع هذا الشعب المظلوم على أنه أرقام فقط.
ولكن، هل يمكن لإسرائيل اجتياح رفح، أم أنها ورقة ضغط على حماس لإبداء مرونة في المفاوضات؟، الإجابة على هذا السؤال تحتاج الحديث ببعض المنطق، فإسرائيل في حال اجتاحت رفح فهذا يعني أنها أعادت احتلال القطاع بأكمله، مما سيترتب عليها الكثير من النتائج الواقعية والحقيقية، مثل فقدانها ورقة الضغط التي تلوح بها دائما أمام حماس والعالم، وفقدانها أيضا ورقة عودة النازحين إلى بيوتهم، نظرا لأنه لم يعد هناك مبرر لنزوحهم، بالإضافة إلى عودة إسرائيل إلى الحكم العسكري والمدني والخدماتي في القطاع، الأمر الذي يرفضه الجيش الإسرائيلي وكافة القطاعات في إسرائيل.
المرعب في الأمر، هو أن توقعات الكثير من المتابعين للشأن الفلسطيني والإسرائيلي، تشير إلى أن تأخير اجتياح رفح، سيكون لما بعد انتهاء الانتخابات الأمريكية في يناير المقبل، والتي يتوقع نتنياهو أن يفوز بها صديقه دونالد ترامب، والذي سيدفع كل خطط إسرائيل إلى الأمام، وهذا يبدو ما يمنع نتنياهو من الموافقة على إنهاء الحرب خلال المفاوضات الدائرة الآن برعاية مصرية، فهو وافق على أغلب مطالب حماس، إلا وقف الحرب، لأنه يحتاج أن يناور بالوقت، ثم يعيد حرب الإبادة بشكل أكبر من قبل.
يبدو أن إسرائيل قد أخرجت كل المشاريع القديمة التي كانت تحلم بها، وأبرزها ترحيل الشعب الفلسطيني من قطاع غزة، أو بالأحرى تخفيف عدده إلى النصف تقريبا، وهذا ما يبرره الدمار الهائل الذي قام به الجيش الإسرائيلي في القطاع، والذي سيكون أول خطوة لتفريغ القطاع واقتلاع أهله إلى الخارج، ثم اجتياح رفح ودفع الناس لاقتحام الجدار مع مصر بشكل متعمد، عبر اجتياحها دون إنذار وفي ليلة وضحاها، مما سيكون أسوأ الكوابيس للشعب المكلوم، لأنه من المعلوم، أن الناس لا تفكر بعقولها في لحظة الضغط بل تسيطر عليهم غريزة الخوف وصراع البقاء ولا يتخذون القرار الصحيح، بل أي قرار عشوائي يأتي في عقولهم.
بالمناسبة، لقد دخلنا شهر مايو/أيار، وخلال أيام ستحل علينا ذكرى نكبة 1948، ولكننا في الواقع لا نعرف، هل سنحيي ذكرى نكبة 48 أم نكبتنا الجديدة 2024؟، شعبنا يستحق أن يرتاح ويلملم جراحه ويعيد بناء نفسه، وأن توافق حماس على المقترح المصري الجديد، وأن يستحي رواد الكافيهات في الدوحة وبيروت وإسطنبول ولندن، الذين يتمنون استمرار الحرب، وأن ترفض حماس الصفقة! لأن “من يده في الماء ليس كمن يده في النار”.