محمد احمد ابو سعدة
أمد/ هناك حالة ترقب كبيرة على المستويين العالمي و الإقليمي الرسمي أو الشعبي ، لقرارات أو مواقف تؤدي إلى إنتهاء الحرب الهمجية على غزة والتى بدأت منذ السابع من اكتوبر عام 2023م. والتي تشير التقديرات أن عدد القتلى و الإصابات و المفقودين و المهاجرين من غزة تجاوز 200 ألف نسمة أي ما يقارب 10% من إجمالي تعداد سكان قطاع غزة . هذا بالإضافة إلى وجود حالة تدمير شبه كلية لكافة المظاهر العمرانية في قطاع غزة . كما إنه لا يمكن القول أن مواطنا فلسطينيا واحداً في قطاع غزة قد عاش حياة طبيعية أو شبه طبيعية على مدار أيام الحرب الشرسة. بعد أن تعرضت كافة المدن الفلسطينية في قطاع غزة لحالة قصف ممنهجة. حيث يمكن الجزم أنه لا توجد منطقة أمنية واحدة في قطاع غزة، كما يدعى جيش الإحتلال الإسرائيلي .
ولإن قاعدة الحياة أن لكل بداية نهاية ، فإن الحرب سوف تنتهي اليوم أو غدا لا محالة. والتي أتمنى أن يكون الخلاص منها قريباً . وإنطلاقا من إنني لا أرجح دائما نظريات المؤامرة ، و لا أحبذ سياسة جلد الذات ، أو توجيه النقد العلني؛ أو تقديم قراءات حول الحرب وأسبابها و تحليلها عبر مقالات و آراء. بل إن قناعاتي بأن النصائح الصادقة تكون في المكان و التوقيت المناسب ، لذلك لا أرى أن الوقت و المكان مناسبا لشرح الحرب او تحليليها . بل إنني أرى أن واجبي الوطني و الاخلاقي يحتم عليا تقديم حلولاً واقعية إنقاذية مساعدة قدر المستطاع، لليوم التالي للحرب. والعين هنا على أهل غزة وجراحهم الغائرة . أملا أن تقدم الحلول رؤية يمكن البناء عليها والاستفادة منها؛ وهي على النحو التالي :
أولاً- مشكلة الركام : مما لا شك فيه أن كمية الركام الناجمة عن التدمير الممنهج لمعظم مباني قطاع غزة كبيرة جداً . وهنا أرى إنه يمكن تلخيص الإستفادة من هذا الركام في نقطتين ؛ الأولى: إستخلاص ما يصلح للإستفادة منه في إعادة إعمار غزة؛ كالقضبان الحديدية المتواجدة في الأبنية المهدمة و إعادة تدويرها ، مما قد يساهم في علاج جزء من الاشكاليات المتعلقة بعمليات البناء . أما النقطة الثانية هو دفن الركام في منطقة محددة مسبقا على إحدى شؤاطي البحر في غزة . بحيث يمكننا إنشاء مدينة جديدة في البحر؛ فليس من الضرورة أن يكون كل شاطئ غزة صالحا كمصايف ، وعليه فإنه يمكننا تأسيس مدينة جديديدة في البحر . وهذا البند تحديداً بحاجة إلى دراسة معمقة من قبل المختصين في مجالي الهندسة و البيئة . على الرغم أن هذه التجرية لا تعد الأولى في العالم فهناك العديد من الدول التى أقامت مدن في البحر قبل ذلك.
ثانياً- الأوضاع الأمنية : من المعلوم أن الحروب يسقط فيها الإقتصاد مما يترتب عليها إشكاليات إجتماعية معقدة؛ ينجم عنها فوضي أمنية مقلقة. فقد بدأت معالم الإنفلات الأمني في غزة ظاهرة للعيان؛ مما يستدعي تشكيل فرق أمنية من الأجهزة الأمنية العاملة في قطاع غزة ، إلى جانب الفصائل الفلسطينية ، وفق ضوابط قانونية ، كي لا ينتج عنها زعرنه أمنية منظمة.
ثالثاً- النظام التعليمي : المطلوب من اليوم التالي للحرب استصطلاح ما يمكن من المدراس المتبقية في قطاع غزة ، على أن تعمل المدراس على ثلاث فترات يوميا بهدف تعويض حالة النقص بسبب ضخامة أعداد المدراس المدمرة . مع إمكانية تخصيص الفترة الثالثة للطلاب الذكور في المرحلة الثانونية نظراً لخصوصية التوقيت بالنسبة للأهالي . مع إتباع الرزم التعليمية الهادفة إلى تسليط الضوء على الموضوعات المهمه وذات العلاقة بالمرحلة التعليمية اللاحقة ، بمعني يتم التركيز على موضوعات الصف الخامس على ما هو ذو علاقة مباشرة في الصف السادس وهكذا.
كما يمكن أن يكون كل فصل دراسي بديلاً عن عام دراسي؛ بهدف تعويض العام الحالي. بمعني أن يخصص الفصل الدراسي الأول ليكون بديلاً عن العام الحالي ( عام الحرب) ، و الفصل الثاني هو ( العام الدراسي الطبيعي ) ، بحيث يكون الطالب في المرحلة التعليمية المناسبة للعمر.أما في حال نقص المدراس و أن ما سبق لم يعد يفي بالغرض الكافي وهذا المتوقع ، فيمكن تشكيل ساحات تعليمية تستهدف الطلبة الذكور في المرحلتين الاعدادية و الثانوية .
أما بالنسبة للتعليم الجامعي ، فربما تكون أفضل الحلول يتمثل في التعليم عن بعد ” التعليم الالكتروني ” لكافة المساقات النظرية ” ، ولكافة التخصصات ولكل الجامعات العاملة في قطاع غزة ، على أن يتم استصطلاح جزء أو بعض المباني في الجامعات الفلسطينية ، لتخصيصها في تدريس المساقات العملية، كالمختبرات وما إلى ذلك . بحيث تتعاون كل الجامعات في غزة مع بعضها لتغطية الجانب العملي في الخطط الدراسية في المبني الذي يمكن استصطلاحه بهذا الخصوص.
رابعاً- البيوت و المساكن : مما لا شك فيه بأن هذه و احده من أعقد الملفات التى نجمت عن الحرب البربرية على غزة ، وذلك لحجم الدمار الكبير. كما إنه يمكن الجزم والتأكيد بأن المدارس لا يمكن أن تبقى ملجأ بديلاً للسكان؛ إضافة إلى أن الخيام و الكرفانات حلول غير مجدية، في ظل التحديات البيئية و الصحية و الاجتماعية . و عليه فإننا نوصي أن يكون البديل عبارة عن مساكن يمكن نقلها بسهولة ؛وهي موجودة في العديد من الدول على هيئة غرفتين و صالون و حمام و مطبخ. بمعني هي شكل مطور و أجمل من الكرفانه . كما أن كل ولي أمر لا يحصل على بيت مؤقت يمكن تعويضة بمبلغ 5000 دولار كدفعة أولى ليقوم باستصطلاح جزء من بيته الأصلي للبقاء فيه .
خامساً- الكهرباء: أزمة الكهرباء المعقدة و الغامضة في قطاع غزة ، والتى زادت تعقيداً بكل تأكيد بسبب الحرب. فقد بات من الواضح أن الوصول إلى جدول الكهرباء السابق ؛ “اي الجدول الذي كان معمول به في الفترة التي سبقت الحرب”، بات أقرب للخيال أو الأحلام للأسف. فربما يحتاج التيار الكهربائي لعمليات صيانة قد تمتد لفترات زمنية طويلة لإصلاح الخطوط الرئيسية و الفرعية التى دمرها الإحتلال و جيشه. وهو ما يتطلب من المسؤولين في غزة التركيز على أن يكون جزء كبير من المساعدات على هيئة ألواح شمسية و بطاريات ، بحيث يتم تخصيص لوحين و بطارية لكل بيت ، و بالتالي حل جزء مهم من أزمة الكهرباء .
سادساً- قطاع الصحة : للأسف بسبب بربرية الهجوم الإسرائيلي على المرافق الصحية ، فقد تم تدمير القطاع الصحي في غزة بشكل شبه كامل ، و عليه فإن البديل يتمثل في إصلاح ما يمكن إصلاحه من المستشفيات التى استهدفت وتعرضت للتدمير الممنهج؛ إلى جانب فتح العديد من المستشفيات الميدانية ، خصوصا وإنه من المتوقع إنتشار أمراض و أوبئة بكثافة مما يستدعي اهتماما طبيا غير مسبوق .
ختاماً ، يأتي هذا المقال ليقدم حلولاً عملية على المستوى الإنساني ، بعيداً عن المستويات السياسية ، فقد بات واضحا أن الحديث عن المصالحة الفلسطينية في ظل القيادات الفلسطينية الحالية؛ تعني الدخول في حالة جدالية عقيمة ، وإن كانت الظروف الحالية و التحديات التى تعيشها القضية الفلسطينية في هذه الظروف تؤكد أن من يعارض السير في ركب المصالح الفلسطينية العليا يمكن وصفه بأدنى عبارات الخيانات الوطنية . كما إنني لست مقتنعا بالوعود المتعلقة بإعادة إعمار غزة ، والتى سيغلب عليها المؤتمرات أكثر من الواقع ، فغزة التى بنيت على مدار عشرات السنين ، لا يمكن إعادة بنائها في غضون سنوات قليلة ، وأن غزة قبل السابع من اكتوبر لكي تعود . فهي بحاجة على الأقل إلى ثلاثون عاماً ، هذا إن صدقوا في إعمارها .