حميد قرمان
أمد/ بعيدا عن الصخب الإعلامي والاستعراض السياسي، تُنضج السعودية على نار هادئة خطة سياسية من أربع مراحل تحقق عناوين رئيسية: إنهاء الحرب، وتمكين السلطة الفلسطينية في أراضي دولتها المنشودة، التي تسعى المملكة لتثبيت أركانها للوصول إلى استقرار حقيقي في المنطقة برمتها، واستقرار إقليمي قادته السعودية من خلال عدة سياقات ومحاور بدءاً من إعادة ترتيب البيت الخليجي واستيعاب قطر مجددا، تلاها تهيؤ الأجواء لعودة العلاقات العربية مع سوريا، ثم تخفيض الصراع على الساحة اليمنية، مرورا بانفتاح سياسي واقتصادي متدرج مع إيران، واحتواء براغماتي لتركيا أردوغان، فضلا عن الحفاظ على التوازن السياسي والاقتصادي بين معسكري شرق العالم وغربه.
ما سبق عزز مكانة السعودية المحورية بثقلها وامتداداتها العربية والإقليمية والدولية كصانعة رؤى في شرق أوسط يحتاج اليوم إلى الواقعية السياسية لمعالجة الفوضى المتأَجّجة في الكثير من مناطقه.
الخطة المنتظرة التي تم إعدادها ومشاركتها مع دول عربية وازنة في المنطقة، وبتفاوض مباشر مع الإدارة الأميركية الحالية، مبنية على أسس تختلف عن سابقاتها من مبادرات سياسية عربية لحل القضية الفلسطينية، كونها تجمع مصالح (سعودية – أميركية – فلسطينية – إسرائيلية) في بوتقة واحدة، فالمملكة بقنواتها الدبلوماسية ذات التأثير تدرك قيمة العرض وشرعية المطلوب، وما بينهما من توازن مصالح يدعم الوصول إلى خطة تجمع الأطراف المذكورة.
فلسطينيا مطلوب التشبث بالمساعي السعودية، ودعمها وتسويقها في القنوات الدبلوماسية والسياسية كمطلب فلسطيني مجمع عليه، خاصة بعد إعلان حماس المتكرر قبول دولة فلسطينية منزوعة السلاح بعد فشل هجومها في السابع من أكتوبر من تحقيق أهدافه المعلنة والتي كان أحدها قطع الطريق أمام هذه المساعي، والتي أصبحت اليوم ملحة وضرورية لإطفاء نيران الحرب المستعرة.
مفاتيح الدبلوماسية السعودية وضيق هامش المناورة لدى بعض الأطراف سيحققان اتفاقا شاملا يراعي مصالح المملكة المطلوبة عربيا، والتي – أي المملكة – لن ترمي بأوراقها دفعت واحدة أمام سعي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تأمين مستقبلها السياسي، فالخطة تمثل للإدارة الأميركية رافعة حقيقية في الانتخابات القادمة وسط تنافس محموم مع خصمها الجمهوري.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى الخطة العربية للسلام بقيادة السعودية مرهونة بقدرة إدارة جو بايدن على تثبيت هدنة حاليا في القطاع عبر الوسيط المصري كمقدمة تفضي لتحقيق جملة توافقات (سعودية – أميركية) متبادلة بجوانبها السياسية والاقتصادية والعسكرية والنووية، ملحق بها مسار تطبيع العلاقات مع إسرائيل بالتزامن مع مسار حقيقي وجاد لمعالجة نتائج الحرب خاصة في ملفي إعادة الإعمار وتمكين السلطة من جمع أراضيها تحت سقف دولة مستقلة على حدود الرابع من يونيو – حزيران عام 1967.