أمد/
أسئلة لجوجة تقض مضجعي :
هل يعي الشاعر أن الحاجة إلى الشعر اليوم هي حاجة إلى حماية الإنسان نفسه من ثقل التسطيح وعمليات تفكيك الروح من جذورها بما يسمح بتحويل الأثر الإنساني إلى مجرد ديكور بلا روح ولا حياة؟ هل الشاعر معني اليوم بالحق في الكلمة ونحتها على نحو يساعد على فهم ترسبات تربك تلك القواسم المشتركة؟ ما معنى أن تكتب قصيدة شعر وهي لا تعبر نحو جغرافيات ثقافية وفنية أخرى؟ هل يمكن القول إننا نعيش تحجرًا غير مسبوق على مستوى التربية على الوجدان والذوق وإنسانية الإنسان؟ ما الذي يمكن أن يقوله الشعر اليوم عربيًّا خصوصًا خلال الفترة الراهنة التي تتعرض فيها فلسطين إلى الحرب الوحشية والقتل والتدمير، كما يتجسّد الأمر في قطاع غزة؟
الشعر في الأصل بوح ذاتاني يعبّر عن علاقة وجدان الشاعر بوجوده من خلال أحلام اليقظة واقتراح عوالم خاصة يصنعها الخيال الشجاع واللغة الجسورة الماكرة. فالشاعر يمثّل هويته الخاصة أولًا، حتى لو عاش في جزيرة معزولة فهو خارج عبودية الزمكان والإرادة الخارجية.فرسالته جمالية فنية في جوهرها. وبما أنه مرتبط بنسيج أمته وهموم مرحلته بالضرورة فمن الطبيعي أن يشارك شعره في الدفاع عن مأساة الجرح القومي فيرقى بشعريته الى فضاء إنساني يسهم في وقف محاولات الاستبداد
كل المحاولات العولمية الساعية إلى تفكيك الروح الجمعية وتذويب خصوصية الشاعر في ماء عكر هجين ستبوء بالفشل لأن كينونة الشاعر تأبى الاتباع والامتصاص.أما موقف الشاعر من محاولات طمس الهوية الفلسطينية فهو واحد في العالم كله.إنه الرفض الكلي.فالشعر دفاع فطري عن هوية الإنسان وخصوصيته، وهو ضد اقتلاع الجذور.وعليه فإن كل طفل فلسطيني يموت تطلع من قبره ألف شمس جديدة تنشر نور الفكرة،فكرة الصمود المفتوح.فالحرية فكرة قد تمرض ولكنها لن تموت.فالكنعانيون باقون وسيستمر الفينيق الفلسطيني بمواصلة الانبعاث من الرماد إلى أن تموت البشرية.
لفلسطين حضورها التاريخي الحضاري قبل من يحاولون سرقتها. الحياة نفسها تستغيث بأطفال فلسطين ليعلموها فن الأمل.ألم نلاحظ أن مئة سنة من التشتيت والتهجير والإبادة قد فشلت في ساعة واحدة فصحا العالم من غيبوبته الطويلة ووقف على الحقيقة؟ فلسطين قصيدة أزلية ينحني لها التاريخ احترامًا.
هي فلسطين تاريخ طويل من النضال وإرث خالد من البطولات،وسجل ناصع للشهادة،تتراكم عبر الشعر الذي قيل فيها معاناة الفلسطينيين وأحزانهم النبيلة وصمودهم المذهل،كما في القصيدة التالية-التي جاءت باللهجة العامية ذات الجرس الموسيقي التونسي-لشاعرنا الكبير د-طاهر مشي :
فلسطين العربية
فلسطين عربية وتبقى هي
رغم الخائن والرجعية
غزة من لوجاع تنين
وقلبي حزين
على حال عربنا راقدين
قنابل دفاقة
زرعوها في البر وهادة
كيف الصيادة
حتى م الجعبات ثنين
ولا كانوا رفاقة
ينوض عباره بالوجهين
غزة من دون العربان
يهدوا في كل السيسان
ولا خلوا انس ولاجان
ولا فلاقة لا حراقه
غزة صناديد وشجعان
وفزاعة في انهار الغاره
معروفين بناس احرار
لا يخافوا الروم الغدارة
ولا مدافع تضرب بالنار
ولا حلاليف الخشوا الغابة
ولا ذلوا للاستعمار
ولا صهيوني مكشر نابه
يرحمهم ضنوة لحرار
حصدوا في ايامات الصابه
ولبسوا الجبة والبنوار
وما جابوا طريق السلهابة
ولا حكام العملوا العار
باعوا لزرق شامخ نابه
لا نخوة ولا استنفار
سحابتهم في البر ضبابا
وداروا قمة في مشوار
وعملوا في التقرير اجوابا
ظني في التقرير احكار
وعملوا العار
وكلمتهم ماهي جيابة
تبقى فلسطين العز
رجال وكايد لا تتحز
بشارتنا صهيون اهتز
وضاع دليله في الميدان
نهار الغورة ذل وكز
معاها من تونس فرسان
عروبة وقت الضيق تبان
ثابت موقفهم بالنية
مع القضية
ما تترك لرض العربية
يصدر د-طاهر مشي في شعره عن رغبة واضحة،تشكّل مرتكزاً مهماً لفكره النضالي،وتقوم هذه الرغبة على تأصيل الاتّجاه المقاوم في الوجدان العربي،وصقله بالشخصية الفلسطينية،التي تنبعث في نصوص الشاعر نيران غضب في وجه المغتصب،وإشادة بالصمود الأسطوري المذهل للمقاومة الفلسطينية سيما بغزة..أرض العزة،لذلك كان التأكيد على ثبات الهوية الفلسطينية في مواجهة سياسة التهويد،وسلب الحقوق التي ينتهجها الاحتلال الغاشم.
ويبقى النص الحقيقي، هو النص المتحرّر من الخو ف،هذا النص هو الذي يمكنه مناوشة أعداء فلسطين الجريحة،وهم كثر.على غرار الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي.