محمد المحسن
أمد/ “نحن أمّة لو جهنّم صُبَّت على رأسها..واقفة”(مظفر النواب)
-إنّ الأخطار المحدقة بالوطن العربي في كافة بلدانه لا تقلّ خطورة عن مرحلة بداية القرن العشرين،فما تطلبه واشنطن كل يوم عبر التعليمات المتلفزة لا يختلف كثيرا عن التعليمات السلطانية التي كانت تصدر عن الباب العالي..( الكاتب).
مما لا شك فيه أنّ الزلزال الذي ضرب نيويورك طبع بداية القرن الجديد بطابع مأسوي عبّرت عنه:”الإمبراطورية الحديثة”بإعلان الحرب على المجهول أوّلا،ثم على الإرهاب ثانيا،وعلى العرب والمسلمين ثالثا،حسبما استقرّت عليه آخر فرضيات المصالح”الإمبراطورية”للحفاظ على السيطرة السياسية وبالتالي الإقتصادية.
لقد كان مشهد اصطدام الطائرات المدنية المحمّلة بالركّاب الآمنين بالمبنيين التوأمين مشهدا مثيرا للإشمئزاز والإستكار والغضب.فمن غير المعقول أن يقبل أي إنسان طبيعي بأن تُقتَل هذه الأرواح البريئة دون أيّ سبب وبهذه الطريقة..!
لكن..أين الإنسانية الأمريكية التي اهتزّت جراء هذه الكارثة من أن تسمع أنين الأبرياء الذين قضَوا عن طريق الخطأ في أفغانستان!؟
ألا يتساوى قتل الأبرياء في أفغانستان وفلسطين والعراق مع قتل الأبرياء في نيويورك..!؟
سأصارح:
بعد كارثة الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 01 طُرِح السؤال في الولايات المتحدة الأمريكية وبالأحرف العريضة”لماذا يكرهوننا”؟ وقد بحث البعض ووجد ضالته بالعثور على تفسير أقنعوا به الرئيس الأمريكي الأسبق:جورج بوش(الإبن)خطأ،وهو أنّ السبب الرئيسي يعود إلى الفرق الهائل بين مستوى معيشة الأمريكيين والشعوب التي تكره أمريكا ورفضهم لقيم الحداثة والحرية والتطوّر،وغاب عن بال هؤلاء أنّ دولا غربية أخرى لم تتعرّض للهجوم على الرغم من أنّ مستواها المعيشي وحداثتها أفضل من مستوى الولايات المتحدة.
وقد خيّل للبعض الآخر أو تمنّوا،أن سؤال:”لماذا يكرهوننا؟”سيؤدي إلى جواب بسيط موضوعي مفاده عودة الوعي إلى العقل الأمريكي بالنظر إلى المظالم التي تُرتَكَب يوميا في المنطقة العربية بإسم الحماية الأمريكية.لكن الذي جرى،أنّ الجواب كان بمزيد من المجازر في فلسطين،من غزة إلى نابلس فرام الله..تكفي معادلة بسيطة للرد على السؤال،فلتضع واشنطن أمام سؤال”لماذا يكرهوننا؟” سؤالا آخر هو:”ماذا فعلنا لهم؟”
آخر تقليعات مكافحة الإرهاب تقول إنّه على المسلمين عموما و العرب خصوصا أن يتعلّموا من جديد كل شيء،ليس حسن السلوك السياسي فقط،بل حسن القبول والطاعة إنطلاقا من إعادة النظر بالبرامج السياسية،مرورا بالسكوت عن الصراخ والألم،ووصولا إلى إعادة النظر بالبرامج التربوية والثقافية والتعليمية.
بل إنّ الأخطر من ذلك كلّه أنّ البعض منهم يطالب العرب بالتعويض لضحايا كارثة مانهاتن بقصد تحويل كل العرب إلى مسؤولين عما جرى.!!
لماذا لا يُطرح السؤال :”ماذا فعلنا لهم؟” بدلا من سؤال :”لماذا يكرهوننا؟”
كل ما قدّمه العرب رفضته الولايات المتحدة” أمريكية” وإذا كانت المشكلة تطرح اليوم وفي الغرب عموما،وفي واشنطن خصوصا،على أنّها مشكلة التطرّف الإسلامي القادم من الشرق،فإنّ السؤال المقابل هو”ماذا فعلت واشنطن لكي لا تشجّع كل أشكال التطرّف؟”
هل سمحت للحركة القومية العربية بأن تلتقط أنفاسها للإنطلاق في مسيرة التحديث والتنمية لكي تتمكّن من سلوك الديمقراطية والتطوّر الطبيعي كباقي شعوب الأرض ؟
أليس التطرّف الراهن قد استمدّ جذوره من نتائج الحرب التي شنّت على كل المحاولات النهضوية العربية،بكل صيغها وأشكالها..؟
طريق إحباط حروب الكراهية بسيط لمن أراد الحوار الحضاري والتعايش الإنساني،وعلى وجه الخصوص مع الشعوب العربية والإسلامية،وبساطته تقوم على تنفيذ القرارات الدولية وردع إسرائيل وإقامة التوازن العادل.
ما أريد أن أقول؟
أردت القول أنّ الأمر،وكما يبدو حتّى الآن،ليس إلا إعدادا لتغيير وجه المنطقة وإعادتها إلى ما قبل مرحلة سايكس بيكو،وفي هذا المجال لا يمكن إغفال التهديدات والأزمات المفتعلة بوجه لبنان وسوريا.
إنّ الأخطار المحدقة بالوطن العربي في كافة بلدانه لا تقلّ خطورة عن مرحلة بداية القرن العشرين،فما تطلبه واشنطن كل يوم عبر التعليمات المتلفزة لا يختلف كثيرا عن التعليمات السلطانية التي كانت تصدر عن الباب العالي.
وإذن؟
إنّ خطورة الأوضاع الراهنة إذا،تستدعي حشد الطاقات العربية بشكل إستثنائي لمواجهة الحشد العسكري الأمريكي عبر خطوات الحد الأدنى التالية:
1-وضع معاهدة الدفاع العربي المشترك”المنسية” موضع التطبيق،والتي تنص المادة الثانية منها على”إعتبار الدول المتعاقدة كل إعتداء مسلّح على أية دولة أو أكثر،أو على قوّاتها،بمثابة إعتداء عليها جميعا،لذلك فإنّها عملا بحق الدّفاع الشرعي-الفردي والجماعي-عن كيانها،تلتزم بأن تبادر إلى مساندة الدولة المعتدَى عليها،وبأن تتخذ على الفور،متفرّدة ومجتمعة،جميع التدابير،وأن تستخدم جميع ما لديها من وسائل بما فيها إستخدام القوّة المسلّحة لرد الإعتداء ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما”
2-إلزام الحكومات العربية،التي توجد قواعد أمريكية جوية و/أو بحرية،و/أو برية في أراضيها،أو أية تسهيلات مماثلة بحرية أو جوية أو برية،بعدم السماح للولايات المتحدة بإستعمال هذه القواعد والتسهيلات للإعتداء على أية دولة عربية،وذلك تنفيذا لمعاهدة الدفاع المشترك العربية.
3- التفكير الجدّي،وإقرار وإتخاذ الإجراءات العملية للبدء بتشكيل”قوّة عسكرية عربية مشتركة”دائمة على غرار”حلف الأطلسي”تستخدم للدفاع عن أية دولة عربية تتعرّض للإعتداء عليها،وكذلك لحل المنازعات العربية البينية عند الحاجة.لطمأنة الحكومات العربية القلقة على أمنها،وبخاصة حكومات الخليج،تمهيدا لإلغاء القواعد والتسهيلات العسكرية الأجنبية المختلفة المكلفة إقتصاديا وسياسيا.
4-تفعيل دور مصر العربي،وتوفير بديل عربي دائم وغير خاضع للإبتزاز عوضا عن المساعدات الأمريكية الفعلية في حالة تقليصها إو إيقافها.
5-التنسيق الأمني مع إيران،والمعرّضة نفسها للإعتداء عليها،وكذلك تركيا إذا أمكن،ضد أي إعتداءات أجنبية على أية دولة عربية،وتوسيع التعاون الإقتصادي مع تركيا بشكل خاص كوسيلة للضغط العربي عليها وعلى مصالحها.
قد لا أضيف جديدا إذا قلت أنّ قوّة العرب كانت دائما وستبقى في وحدة مواقفهم ووحدة خطواتهم لمواجهة المصير المشترك،وإن كان يظهر في بعض الأحيان أنّ الخطر يطال هذه الدولة دون أخرى،فلم يكن لدى العرب امكانيات أكثر مما لديهم الآن،ولكنّهم لم يكونوا أبدا”أضعف”مما هم عليه الآن،وهي مفارقة آن للعرب لا سيما في ظل بعض الإشراقات الخلابة للمشهد العربي، وإنطلاقا حتى من مصالحهم القطرية،أن يفيقوا مما هم فيه،ويتعاونوا قبل فوات الآوان..