أمد/
احتفت حديثاً الساحة الإبداعية التونسية بمولود إبداعي فاخر وأنيق( ديوان شعري) موسوم ب”عزف إمرأة غاوية” عن “دار الوجيز للنشر ” في تونس،للشاعرة والكاتبة التونسية د-فائزة بنمسعود.
و- فايزة-بارعة في العزف على أوتار النص الشعري الحديث إذ
أتت القصائد على غرار روحها،بهيجة الكلمات ثائرة،عزيزة البناء شاهقة،غزيرة المعاني فائرة..
ويعتبر الكتاب إضافة هامة ومفيدة للمكتبة التونسية والعربية بما يحمله من شغف ومتعة في الكتابة واللعب مع اللغة.فالنص الشعري عند د-فايزة بنمسعود له جماليته وصوره ولغته الخاصة.
واليوم،آن الأوان أن نعانق معها حلمها ونتأبط معها ديوانا جمع جل أشعارها العذبة يبتلعنا كلما اشتقنا لجنونها..ونلتهمه كلما احسسنا بضعفنا..
يتضمن الديوان مجموعة من النصوص المنطلقة من زاوية الذاتية نحو الموضوعية والاشتغال على الإحساس والجوانب الوجدانية، وما يميز هذه النصوص هو الابتعاد عن الزخرفة اللغوية بأسلوب السهل الممتنع والمنغمس في الرؤيا.
وتتناول الشاعرة موضوعات الوجدان والعاطفة والوطن من منظورها الخاص.
تتسم قصائد الديوان بخيال سيريالي واسع،وهذا أمر يحتاج فعلا إلى قدرة موازية على التأويل بإعادة إنتاج الكلمات عبر بناء موازٍ للدلالات وإعادة تركيب العلاقات.
تجدر الإشارة إلى أنّ الشاعرة د- فائزة بنمسعود تمثل واحدة من رائدات الثقافة في تونس،وقد أبانت تجربتها الشعرية عن تفوّق مبكّر ومقدرة فائقة،في الإبداع الأدبي.
إنها بدون أدنى شك -قامة شعرية طبعت بحضورها المتميز النشاط الثقافي والأدبي لسنوات خلت في بلدنا.وهي تشكّل برأيي -إسماً أدبيا مهماً في تاريخ الإبداع في تونس.
إنها شاعرة تشبه شعاع الشمس الذي يخترق الزجاج دون أن يلطخه أو يخدشه،وموجة عابرة على سطح المحيط الإبداعي التونسي،ونسمةٌ دافئة،وبسمةٌ حزينةٌ،وفي شعرها عبق التاريخ والملح والماء والرعاة،وروائح أعشاب برية عانقت الشمس والهواء.
ويعلّمنا تاريخ الإبداع البشري أن الكتابة الحقيقية لا تنبجس من فراغ،ولا تنسلخ من الجاهز ومن رماد السائد وإنّما تقف على أرضية المشكلات الكبرى التي تطرحها الثقافة وهي تستقبل فجر المعنى المرتبط بتاريخيتها الخاصة،في محاولة لتجاوز مآزقها الخاصة واحتضان زمنها وإيقاع لحظتها.
وفائزة بنمسعود-في تقديري-واحدٌة من ألمع شاعرات القصيدة الجديدة في تونس.فقد كانت بداياتها الأولى مبهرة سواءٌ في مضامينها أو في اكتمال بنيتها الفنية.
لقد جاءت قصائد ديوانها الجديد مكتملةً ناضجة،سليمة النطق مستوية البناء مغلفة بغيوم شفافة من الرمز اللغوي والفني،ففي شعرها نلاحظ بشكل غير قليل من الحقائق التاريخية والجغرافية، فضلاً عن الغوص في سديم الطقوس وفي عمق الأساطير القديمة..
وأختم بقصيدة بوسع الخريف أن يكون أنتَ
بوسع الخريف أن يكون زيتونة
دائمة الاخضرار
لاتكشف عورة الفنن
جذورها وشم على زند عاشقة
رماها الهوى من اعالي جبال الشوق
بوسع الخريف
ان يكون سرب حمام
مسافرا لأقاصي الخلود
بوسع الخريف ان يكون
ربيعا يغازل النجوم
ويراقص القمر سرا
ويغتاب ليل الشتاء الطويل
بوسع الخريف أن يكون
نهرا متجمدا يغضّ الطرف
عن العابرين لعدوة الفصول الخمسه
بوسع الخريف
أن يكون خطّاء توّابا
يذرف الدمع على كتف الرعد فينهزم
بوسع الخريف
ان يكون سيل حب جارف
او حتى غانية لعوبا
تغري وتدفع في بحر الغواية بمن تريد
بوسع الخريف
ان يكون صيادا يستدرج بالمديح طريدته
لمقصلة الفناء
بوسع الخريف
ان يكون باقة جلنار على ضريح
او فوق مائدةعشاء فاخر
بوسع الخريف ان يكون أنت يا حبيبي
حتى وان جئتني على هيئة عواصف
وارياه وارد
احتضن الماء والريح وهيا
بوسع الخريف
ان يلدنا أنا وأنت قصيدة وزخات مطر…
(د- فائزة بنمسعود)
ونتمنى أن يذيب هذا الديوان الفاخر حرقة الاسئلة ويقدم المتعة والفائدة المرجوة للقارئ وكلمة جديدة جادة في ديوان الشعر التونسي.