عمر حلمي الغول
أمد/ في سابقة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة هدد نواب من الحزب الجمهوري الأميركي المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان وزملائه القضاة من إصدار مذكرات اعتقال بحق بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء حكومة إسرائيل النازية ويوآف غالانت وزير دفاعه، وهيرتسي هليفي رئيس اركان حربه بارتكابهم جرائم حرب إبادة ضد الشعب العربي الفلسطيني، وتوعدوه بفرض عقوبات قاسيه ضده وضد قضاة المحكمة.
ونشر موقع “زيتيو” للصحفي البريطاني المستقل مهدي حسن، مضمون رسالة التهديد أرسلها 12 عضو جمهوري من مجلس الشيوخ، من بينهم توم كوتون وماركو روبيو، وتيد كروز الى خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية يوم الاثنين 6 مايو الحالي، وجاء فيها، انه في حال إقدام المحكمة الجنائية الدولية على إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو واقرانه، فإن الخطوة ستعتبر تهديدا ليس فقط لسيادة إسرائيل، ولكن لسيادة الولايات المتحدة أيضا، مما ستترتب عليه عقوبات ثقيلة. وهدد الشيوخ الجمهوريين المدعي العام بالقول “إذا استهدفت إسرائيل فسنستهدفك”. وختمت الرسالة بعبارة “لقد تم تحذيرك”. وهذا يؤكد للمرة الالف، ان الولايات المتحدة، هي قائدة حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، وما إسرائيل الا مجرد أداة وظيفية لا أكثر، والا ما معنى اعتبار أعضاء مجلس الشيوخ مذكرة الاعتقال استهداف لسيادة الولايات المتحدة الأميركية؟ ولماذا الإصرار على حماية قتلة الأطفال والنساء الإسرائيليين من الاعتقال اسوة بالمسئوليين من الدول الأخرى؟
وكان أعضاء من المجلسين النواب والشيوخ هددوا بن سوده المدعية العامة السابقة بعظائم الأمور في حال أصدرت أوامر اعتقال ضد المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين. كما هددوا سابقا العديد من زعماء الدول، ومارسوا البلطجة واستباحة القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ونظام روما الأساسي في قضايا ذات صلة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وحتى قضايا دولية أخرى. الامر الذي يؤكد، ان شرطي العالم الأميركي المتوحش لا يكف عن القرصنة الأخلاقية والقيمية والقانونية لفرض الاجندة الأميركية وقانون راعي البقر الأميركي على دول العالم، والمنابر الأممية وخاصة محكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، غير آبه باستقلال القضاء الدولي، وبهدف تطويعه وفق رؤاه وخياراته الاجرامية.
في حين دفعت الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في الغرب الرأسمالي المحكمة ذاتها، والمدعي خان نفسه على إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد اليوم الرابع من الحرب على أوكرانيا عام 2022، وهو ما يدلل على المعايير المزدوجة، والكيل بمكيالين، ففي الوقت الذي ترتكب دولة إسرائيل النازية ابشع جرائم حرب الإبادة الجماعية بحق أبناء الشعب العربي الفلسطيني على مدار سبعة اشهر ادمت الأطفال والنساء والشيوخ والابرياء من أبناء الشعب الفلسطيني على مرأى ومسمع من العالم اجمع وبقيادة إدارة بايدن، ذهب ضحيتها حتى اليوم 219 من حرب الأرض المحروقة 35 الف شهيد وما يقارب ال80 الف شهيد وما يزيد على 10 الاف مفقود، وتدمير مئات الالاف من الوحدات السكنية والمدارس والجامعات وأماكن العبادة والمؤسسات الحكومية والأهلية، وإخراج الغالبية العظمى من المستشفيات والمراكز الصحية، ونشر الأوبئة والامراض المعدية وفرض التجويع المتعمد عليهم، وتدمير البنى التحتية، التي تجاوزت عظائم واهوال الحرب العالمية الثانية في بشاعتها ووحشيتها، يرفض المشرعون الاميركيون مجرد ادانة حكام دولتهم اللقيطة واداتهم الإسرائيلية الوظيفية، وليس إصدار مذكرات اعتقال بحق المسؤولين الإسرائيليين مجرمي الحرب ونازيو العصر الحديث.
وكان نتنياهو ناشد في 30 ابريل الماضي من وصفهم ب”زعماء العالم الحر” الحؤول دون صدور مذكرات اعتقال دولية من المحكمة الجنائية الدولية بحقه وحق اقرانه. وكان يسرائيل كاتس وزير الخارجية عبر عن توقعاته بأن المحكمة ستصدر أوامر اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين من قبل المحكمة الدولية. ورغم خشية رئيس حكومة حرب الإبادة الجماعية من إصدار مذكرات اعتقال، بيد انه صرح يوم الجمعة 3 مايو الحالي، ان أي قرارات للمحكمة لن تؤثر على تصرفات إسرائيل، لكنها ستشكل سابقة خطيرة. لأنه مطمئن بان رعاة البقر الاميركيين سيحمونه ويحمون اقرانه.
من جانبها، طالبت المحكمة الجنائية الدولية بوقف المساعي الرامية لتقويض استقلاليتها، وإعاقة عمل مسؤوليها أو تخويفهم أو التأثير عليهم. وطالب مكتب المدعي العام للمحكمة في بيان يوم الجمعة 3 مايو الحالي بالتوقف عما وصفه بترهيب العاملين في المحكمة، قائلا إن “مثل هذه التهديدات قد تشكل جريمة بحق المحكمة المختصة بجرائم الحرب”. وأضاف الى ان نظام روما الأساسي، الذي يحدد هيكل المحكمة ومجالات اختصاصها، يمنع هذه التصرفات.”
وللعلم فإن كل من إسرائيل والولايات المتحدة ليستا عضوين في المحكمة، ولا تعترفان بولايتها القضائية على الأراضي الفلسطينية. لكن ذلك لا يحول دون حق المحكمة بملاحقة المسؤولين فيهما عن ارتكاب جرائم حرب. لذا انبرى قادة الإدارة الأميركية ومشرعوها، الذين يدعون، انهم حماة “الديمقراطية” و”حقوق الانسان” و”حق تقرير المصير” للشعوب بالانقضاض على تلك الحقوق التي كفلها القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وعلى المحاكم الأممية ذات الصلة بحماية الشعوب من مجرمي الحروب.
وإذا كان المدعي العام خان وقضاة المحكمة الجنائية الدولية يمثلون حقا ما جاء في بيانهم، ومحددات نظام روما الأساسي، فإن الواجب يفرض عليهم، توجيه مذكرات اعتقال فورا بحق قادة إسرائيل والمشرعين الاميركيين ال12 الذين انتهكوا بشكل جلي كل المعايير والقيم ونظام روما الأساسي والمعاهدات الدولية ذات الصلة فورا ودون تردد ليكون ذلك عبرة لهم ولغيرهم، وليكونوا فعلا أمناء على تطبيق الاحكام والقوانين الدولية، وحماية الشعب العربي الفلسطيني من نازيي العصر الحديث من الإسرائيليين والأميركيين ومن يتساوق معهم. فهل يتمثل المدعي العام وقضاة محكمة الجنائية الدولية دورهم ومكانتهم القانونية والأخلاقية؟