محمد المحسن
أمد/ «العودة إلى فلسطين حقي وقراري».
– أن تكون فلسطينيا..يعني أن تصاب بأمل لا شفاء منه ( محمود درويش)
“فلسطين.. أبحرتُ مبتعدا عن متاهات روحي فيك..فإنّي من أمّة تنفجر في ليلها الصحراء.. وما غرابة لا أرى في عيونك غير المواجع.. ما بهذا إنتقاء..فأنتِ تنامين على أرض مجزأة..والتجزؤ فيها جزاء..لكنّك في الفكر والرّوح أصل..ومن معجز الملتقى..توحّد فيك الثرى والفضاء..” (مظفر النواب-بتصرف).
-إن إستراتيجية عربية مقاومة تصبح اليوم أكثر إلحاحا من أي وقت مضى في ظل مواجهة بات العدوّ فيها أمام مرحلته الأخيرة لحسم مصيره في كيان مرتسم الحدود ترعبه فكرة المستقبل عن وجوده وخوفه من إجتياح الديمغرافيا العربية لطبيعته العنصرية العمياء..(الكاتب)
مقدمة : “الفردوس المفقود”
تمسّك الفلسطينيون بذكرياتهم لأرضهم ومدنهم وأريافهم ومعيشتهم الماضية..وهذا يدلّ على أنّ هذا النوع من الذاكرة هو الذاكرة الأبدية التي لا يمكن نسيانها مما يساهم في استمرار هويتهم الجماعية.
ولعل ذلك «الفردوس المفقود» في الذاكرة الجماعية الفلسطينية يمكنه تعزيز انتماء الفلسطينيين إلى الهوية الفلسطينية،ويجعلهم يبنون ماضيهم بما يتوافق مع هويتهم ومصالحهم كجماعة. فاختيار محتويات الذاكرة في عملية بناء الذاكرة الجماعية،وبناء الهوية على ذكريات الفلسطينيين عمليتان يتفاعل الواحد منهما مع الأخرى.وهذا ما فعله الفلسطينيون، فقد ساعدت ذكرياتهم عن أرضهم ووطنهم ومعيشتهم السعيدة قبل النكبة وتمسكّهم العنيد بهذه الذاكرة الجريحة،على بناء ماضيهم وتحميله في ذاكرتهم الجماعية وهويتهم.وهكذا عُدت النكبة الفلسطينية من مصادر هويتهم وصنعت منهم شعبًا مؤمنًا بشعار «العودة إلى فلسطين حقي وقراري».
واليوم..
ستة وسبعون عاما مضت على النكبة الفلسطينية الأليمة عام 1948،وطوى التاريخ صفحاتها دون أن تطويها مرارة الواقع الأليم.
فالنكبة لا تزال نكبة والجرح يستمر بالنزف،والدّم يراق بدون شفقة،ونتنياهو كأسلافه متمسك بما أباحه التشريع التلمودي: يقتل بنهم شديد-دون حساب ولا عقاب.. هذا في الوقت الذي ننام فيه ملء جفوننا من غير أن نعي بما يجري تحت أقدامنا من مياه هادرة..!!
* أليس من المعيب؟؟
والسؤال الذي ينبت على حواشي الواقع: أليس من المعيب على العرب أنظمة وشعوبا الإستمرار باجترار مقولة المؤامرة الصهيونية على حقهم بأرضهم وفي ثرواتهم في فلسطين وخارج فلسطين لتغطية عجز بل بالأحرى تواطؤ مراكز قوى هامة بينهم في مواجهة تلك المؤامرة طيلة ثمانية وستين عاما منذ نكبة فلسطين إلى اليوم..؟!
وبسؤال مغاير أقول :
طالما أنّ الأنظمة العربية بمجملها قد اكتسبت شرعية وجودها منذ حصول الدول العربية على استقلالها من خلال تبنيها لشعار تحرير فلسطين،وبعد مرور كل هذا الزمن ولا تزال فلسطين سليبة وأبناؤها يواجهون بصدورهم العارية عسف الاحتلال وقمعه الوحشي..
*لماذا لا تستقيل هذه الأنظمة من دورها..!؟
فالشرعية أسقطها عنها واقع استمرار الاحتلال لفلسطين ولأراض عربية أخرى في الجولان ولبنان وإستمرار تخريب العراق والتآمر على تفتيت السودان..؟
ولعلّ السؤال الأكثر وجاهة هو أين الشعب العربي (شعب الملايين؟!) أمام هذه الصورة التاريخية الدراماتيكية،الذي لم يعد يبرّر انكفاءه كلام تافه عن قمع من هذا النظام العربي أو ذاك؟!
فحرية أي مواطن عربي ودمه ليست أثمن ولا أغلى من حرية أي فلسطيني ولا أقدس من دم أي طفل فلسطيني يتعرّض يوميا للقهر والقتل والاعتقال والتشريد على يد قوّات العدوّ الصهيوني..
فالشعب العربي الذي عانى طويلا هول الفواجع والمواجع،مدعوّ إلى إيقاظ الشارع من غفوته لتشكّل صحوته القومية تعرية لهذا الواقع العربي المترجرج،لا سيما وأنّ العدوّ لا يتجسّد فقط بالكيان الصهيوني بل هو يتمثّل أيضا بالحاضنة الأمريكية لهذا العدوّ وسلوكه وممارساته المنافية لكل ما تنص عليه شرعة حقوق الإنسان.
هذا الحاضنة التي لا تزال تحظى بولاء العديد من الأنظمة العربية وبأموال المستهلك على إمتداد الوطن العربي،تلك الأموال التي ترتدّ بمعرفة الجميع قنابل حارقة على فلسطين..بغداد، بيروت ودمشق..
ما أريد أن أقول؟
أردت القول أنّ إستراتيجية المقاومة للمشروع الصهيوني التي شكلّت الساحة اللبنانية ميدانها الأساسي منذ حرب النكسة في حزيران 1967 وكانت خيارا لبعض القوى العربية الرسمية والشعبية رغم ما واجهته من كرّ وفرّ ورغم ما حملته من شوائب قد أنتجت إنتصارا تاريخيا مشرقا يعدّ مفخرة لكل عربي أصيل بغض النظر عن قربه أو بعده عن خطر المواجهة مع العدوّ الصهيوني.
فالإندحار المذل لقوّات العدوّ الإسرائيلي في الخامس والعشرين من آيار عام 2000 من جنوب لبنان حوّل أسطورة الجيش الذي لا يقهَر التي أرادوا ترسيخها في وعي الأجيال العربية المتعاقبة إلى مهزلة ترتجف من نسيم حجر تطلقه يد طفل فلسطيني جُبِل على الرفض والتحدي..
قلت..إنّ إستراتيجية عربية مقاومة تصبح اليوم أكثر إلحاحا من أي وقت مضى في ظل مواجهة بات العدوّ فيها أمام مرحلته الأخيرة لحسم مصيره في كيان مرتسم الحدود ترعبه فكرة المستقبل عن وجوده وخوفه من إجتياح الديمغرافيا العربية لطبيعته العنصرية العمياء،ولأنّه يعيش هذه اللحظة فهو يزداد شراسة ودموية (أنظر وحشية العدوّ بغزة خلال هذه الأيام العصيبة ) ويتجه لخلق وقائع جديدة من خلال توسيع عدوانه داخل فلسطين وخارجها تبقي له حدود الصراع مفتوحة على كل الإحتمالات،وبخاصة إحتمال تكريس الشرذمة داخل الجسم العربي وتغذية الصراعات العربية العربية.
سأصارح :
إنّ الإستراتيجية العربية المقاومة المفقودة حتى الآن والتي يجب أن تنهض بها وتتصدى لها القوى الحية في المجتمع العربي تقوم على الأهداف التالية:
أوّلا: تجنيد كل الإمكانات والطاقات في سبيل دعم المقاومة الفلسطينية وإدارة الصراع مع العدو وفق آليات تضمن تحرير الأرض العربية وإستعادة الحقوق العربية المتمثلة في الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وتحرير الجولان ومزارع شبعا.
ثانيا: الخروج من مأزق التبعية وإنقاذ الوطن العربي من محاولة إحتوائه وإخضاعه والسيطرة على موارده وأمنه الغذائي وبرامج تنميته إقتصاديا وسياسيا وثقافيا وتفريغ إستقلاله الوطني من معناه الحقيقي.
ثالثا : عملية تحديث شاملة ونقلة حضارية نوعية جديدة ودخول عصر”ما بعد ثورة الإتصالات”عصر الروبوت والآلية المتناهية والهندسة الوراثية وخلق الإنسان العربي الذي يرتفع إلى مستوى المرحلة.
قلت هذا،لأننا أشرفنا جميعا على هوة العدم وغدونا منها على الشفير بعد أن أصبحنا في مواجهة الحقيقة العارية التي ستصرخ في وجوهنا للمرة الواحدة بعد الألف:الوجود أو الإنقراض..ولا بديل آخر..إما أن نكون عربا أو لا نكون على الإطلاق..
فهل نبرهن للتاريخ مرّة واحدة أننا أصحاب مجد وحضارة،وأننا مازلنا قادرين على أن نعيد لتاريخنا مجده الوهّاج ونتجاوز رد الفعل إلى مختلف مجالات الفعل الهادف،الخلاق والمفتوح على كامل المفاجآت..؟!
هوامش :
*يستذكر الفلسطينيون في الخامس عشر من ماي/أيار من كل عام “نكبتهم” التي يحتفل بها الإسرائيليون عيدا لقيام “دولتهم “عام 1948.
ويجمع بين النكبة وإعلان تأسيس إسرائيل وعد بلفور البريطاني الذي يعتبر أساسا للاثنين.
خلال الحرب العالمية الأولى طرد البريطانيون العثمانيين من فلسطين بمشاركة العرب الذين وعدوا حينها بالحكم الذاتي.
لكن في عام 1916 قسم اتفاق “سايكس بيكو” الأراضي التي كانت خاضعة للسيطرة العثمانية بين بريطانيا وفرنسا، فسيطرت بريطانيا على فلسطين.
وذكرى النكبة (15 ماي) هو يوم إحياء الذكرى السنوية لنكبة الشعب الفلسطيني،حيث يتذكر الفلسطينيون ما حل بهم من مأساة إنسانية وتهجير. اتُّفِق على أن يكون يوم الذكرى هو اليوم التالي لذكرى إعلان قيام “دولة” إسرائيل وذلك في إشارة إلى أن كل ما قامت به المجموعات المسلحة الصهيونية في حق الشعب الفلسطيني كان من أجل التمهيد لقيام هذه الدولة التي أريد منها أن تكون دولة لليهود فقط..