فاضل المناصفة
أمد/ ليس خافيا أن جولة الرئيس الصيني شي جين بينغ الى فرنسا وصربيا والمجر تنذرج في اطار الحفاظ على المكتسبات الإقتصادية للصين وهي تفتح المجال لمناقشة عن قرب لمختلف القضايا التجارية العالقة وملف المناخ في محاولة لخلق أجواء محفزة ومطمئنة للشركاء في أوروبا، وفي مضامينها ما هو رسالة مشفرة لدول أخرى في الإتحاد الأوربي يفرض عليها بضغط أمريكي مستتر أن تراجع وتقلص علاقاتها التجارية مع الصين، في وقت لا تقوم فيه الولايات المتحدة بشيئ سوى أنها تزيد من متاعب القارة العجوز بتغدية الصراع في أوكرانيا ومنه اطالة أمد أزمة الطاقة على هذه الدول، والحقيقة أن الجميع في أوروبا بمن فيهم ألمانيا التي تقف على رأس الكتلة رافعة شعارات أمريكية أحوج الى مدخرات الصين و أموالها فائضة و إلى مصادر تمويل للمشاريع والبنى الأساسية في وقت لا تفعل فيه أمريكا شيئا سوى حث شركاءها على زيادة الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا .
أقحمت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ملف أوكرانيا خلال المحادثات التي جمعتها ب ” شي ” في باريس حيث طالبت أورسولا بأن تستخدم بكين نفوذها على روسيا لإنهاء الحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا وذهبت الى أبعد من ذلك عندما طلبت من الزعيم الصيني أن تساعد بكين في وقف انتشار الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية، متجاهلة الإشارة الى مبادرة الصين لحل الأزمة الأوكرانية التي أطلقتها العام الماضي وهو ما يقدم تأكيدا على أن الموقف الأوروبي روسيا غير قابل للتغيير .
الصين كانت قد قدمت المبادرة الأكثر واقعية لحل الأزمة في أوكرانيا وجاء من ضمن بنودها أن يتم التخلي عن عقلية الحرب الباردة وأن يتم استئناف محادثات السلام وفق مبدأ احترام سيادة الدول حتى أن الرئيس الأوكراني نفسه رحب بتلك المبادرة لكنها لم تلقى استجابة والسبب أن المواقف الأوروبية مرهونة بالموقف الأمريكي فيما يخص أوكرانيا وروسيا، وأمريكا ترى في مبادرة الصين محاولة لإخراج بوتين منتصرا من الحرب .
لذلك فإن كلام أورسولا حول انهاء الحرب في أوكرانيا يمكن تأويله على أنه نوع من المساومة بمعنى أن أورسولا تقول بأسلوب أقل حدة بأنه لا يمكن للطموح الصيني في المزيد من العلاقات الاقتصادية مع أوروبا أن يجتمع مع التوجه الصيني نحو تعميق تحالفها العسكري مع روسيا بنقلها على نطاق واسع لأسلحة فتاكة ومنتجات مزدوجة عالية التقنية ولا يمكن للصين أن تستمر في دعم برنامج ايران للطائرات المسيرة والتي بدورها تقوم بارسالها لروسيا ليتم استعمالها في أوكرانيا .
الصين ليس لديها مصلحة بإلحاق الضرر بمصالحها و تجارتها الدولية ومشاريعها مع الدول الأوروبية وقد استجابت للشروط الأوروبية وأكدت مرارا على أنها لن تقوم ببيع الأسلحة مما يجعلها طرفا مشاركا في الأزمة بأوكرانيا، في المقابل تصر بكين على أن تمارس حقها في تطوير علاقات تجارية “طبيعية” مع جميع البلدان بما في ذلك روسيا، لذلك لم تنجح الضغوط الغربية في ايقاف النشاط المزدهر للمبادلات التجارية بين الصين وروسيا حيث زادت القوتان الجارتان من تجارتهما في السلع والخدمات ووصل قيمة المبادلات التجارية بينها الى 240.1 مليار دولار عام 2023 بزيادة قدرت ب 26 % .
المد والجزر الذي يسببه إحتدام المنافسة الإقتصادية بين الصين والإتحاد الأوروبي لا يمنع أن يكون كل طرف بحاجة الى الآخر وبمثل ما يحتاج الاتحاد الأوروبي بشكل أساسي على بكين في الحصول على المعادن النادرة ، تحتاج الصين بدورها الى الاتحاد الأوروبي من أجل استيراد التكنولوجيا الفائقة و بشكل خاص منذ اتخذ الأميركيون تدابير ضد تصدير التكنولوجيات إلى الصين، لذلك فإن التأثير على العلاقة الاقتصادية المتينة لا يمكن أن يكون الا في مصلحة الولايات المتحدة التي تمارس هيمنة واضحة على السياسات الخارجية الأوروبية وتجد في حرب أوكرانيا الذريعة المناسبة للتشويش و الحد من التقدم الصيني، فهل سينجح اللغم الأمريكي في أن يقف عقبة أمام الصين ويقطع طريقها نحو أوروبا ؟