علاء مطر
أمد/ يعاني الشعب الفلسطيني في قطاع غزة حروب كثيرة، غير الحرب الإسرائيلية المدمرة التي يعرفها العالم، ويشاهدها عبر شاشات التلفاز، والمستمرة منذ أكثر من ثمانية أشهر، حيث يعاني من حرب أخرى شنيعة، يمكن التعبير عنها بأنها حكم غزة تحت إمارة “العصابات”، التي تطبّق القانون على المواطنين، في ظل غياب جهاز الشرطة والمحاكم والقضاء الفلسطيني.
ووفقا لما أظهرته الكثير من مقاطع الفيديو المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فإن عددا من الملثمين يطلقون النار على أقدام شبان آخرين في إحدى شوارع قطاع غزة ، بتهمة السرقة، بينما كان عدد من الناس ينظرون إلى المشهد دون أن يحركوا ساكنا، أو يحاولون إسعافهم، لكن السؤال الطبيعي: من هؤلاء الملثمين؟ وإذا كان صحيح أنهم ألقوا القبض على “السارقين” في أماكن تم إخلاء بيوتها.. فما الذي جاء بهؤلاء الملثمين إلى هذه الأماكن؟ ومن الذي أعطاهم الأمر بإطلاق النار وتطبيق ما يسمى “القانون”؟ وهل من الجائز في الدين أن يتم إطلاق النار عليهم بهذه الطريقة؟
أليس من الغريب أن يتم إطلاق النار على هؤلاء “السارقين” ومحاسبتهم فورا، وترك المجال أمام سائقي السيارات والشاحنات وحتى البهائم -أعزكم الله- الذين ينقلون الناس النازحين من رفح إلى المحافظة الوسطى بقطاع ب500 دولار؟ أين هؤلاء الملثمين من الاستغلال الموحش للتجار في أسعار السلع التي أصبحت أضعاف مضاعفة وتضاهي أسعار أوروبا؟
لو عدنا لتجربة التسعينات، عندما انتشرت ظاهرة تصفية “العملاء” من قبل ملثمين أيضا، فإنه سيكون خير مثال على مقتل كثير من الناس ظلما، وهكذا سيكون الحال الآن، فما الذي دفع هؤلاء الشبان إلى السرقة “إن ثبتت التهمة”، لولا الأوضاع الصعبة التي يعيشونها وانعدام الأفق في حياتهم -وهنا لا أبرر جريمة السرقة أبدا- ولكن أطالب بتنفيذ القانون الفلسطيني الواضح، وليس إطلاق النار عليهم من قبل عصابات وأفراد، قد يكون بينهم وبين شبان آخرون ثأرا أو عداوة ويصبون غضبهم عليهم بهذه الطريقة وبتهمة جاهزة دائما إما “السرقة” أو “العمالة”.
وإذا كان هؤلاء الملثمين الذين تقول بعض الفيديوهات أنهم تابعون للشرطة وجهاز الأمن الداخلي التابع لحماس، لا يحمون الناس فعلا من الاستغلال والاحتكار، وتطلق النار على الناس تحت حجة أنهم “حرامية”، فلماذا تصمت بشكل مطلق على وصول أسعار الخيمة الواحدة هذه الأيام إلى أكثر من 3400 شيقل أي 1000 دولار أمريكي، رغم أنها قد وصلت مساعدات ومجانا للناس النازحين، والأمر مستمر بالنهج ذاته منذ أشهر ولكن ازداد الآن مع استمرار نزوح الناس من رفح إلى خانيونس والوسطى؟
كما أنه ينبغي على الحكومة بغزة وقادتها الإجابة على العديد من الأسئلة الواقعية، أولها لماذا وصل سعر المواد الغذائية وأهمها الطحين ثم أدوات النظافة الشخصية إلى ثلاثة أضعاف هذه الأيام؟ مع استمرار إغلاق معبر كرم أبو سالم ومعبر رفح، ولماذا تصمت على الكثير من الانتهاكات التي تجري في غزة؟
والأدهى من ذلك كله، لماذا تصمت الحكومة على الحرام بعينه الظاهر في استغلال أصحاب محلات الصرافة للناس، عبر أخذهم “خاوة” نسبة تصل إلى 25% على أي حوالة تصل من الخارج، أو من الموظفين الذين يتلقون رواتبهم من البنوك الفلسطينية، بذريعة عدم وجود سيولة نقدية؟ رغم استمرار الأمر منذ أكثر من ثلاثة أشهر؟
أليس من المعقول أن يكون كل هذا منظم ومتوافق عليه ، وهناك مكاسب من خلفه وأشخاص مسؤولين متورطين؟
يبدو أن معاناة الناس من حصار إسرائيلي ظالم على مدار 17 عاما، وصبرهم على 5 حروب، لم يكن كافيا لترحم شعبها في ظل حرب ضروس وتهجير جديد لم تشهدها فلسطين منذ 1948، لذلك لابد على حماس وقادتها النظر إلى الواقع الفلسطيني في قطاع غزة جيدا، وأن يتقربوا من الناس ويساعدونهم، وبدلا من إطلاق النار على أقدام الشبان، عليهم أن يوقفوا الحرب وفتح أفق أمام مستقبل هؤلاء الغلابة، أو أن يرحلوا من مستقبلهم..