فراس ياغي
أمد/
صحيح هناك خلافات بين أقطاب “مجلس الحرب”، حيث يمثل “غالانت” و “غانتس” و “إيزنكوت” قطب، و “نتنياهو” يمثل قطب آخر، وهذه الخلافات تتمحور حول نقطتين:
الأولى- تحديد الاولويات “من يسبق من، الأسرى والمحتجزين أم إستمرارية الحرب”…
هذه النقطة تقريبا تم تجاوزها بشكل محدود في قرار التوغل في “رفح” واحتلال معبر “رفح”، لكن بالنسبة للقطب “الغلانتي” فهذه كانت خطوة نحو الضغط لتغيير الورقة التي وافقت عليها “حماس” والمقاومة وهناك إتفاق مع “الأمريكي” على ذلك، في حين قطب “نتنياهو” أراد منها ان تكون البداية لإجتياح كل “رفح” وبما يعزز من رؤيته ويُثبت إئتلافه مع المتطرفين في حكومته “سمتريتش” و “بن غفير”.
الثانية- ما بعد الحرب على “غزة”، وهنا مركز كل الخلافات، لأنها تتعدى “إسرائيل” إلى “أمريكا” مروراً ب “الإقليم”.
يتوافق القطب “الغلانتي” مع توجهات قيادة الجيش وقيادات الأجهزة الامنية غير القادرين على طرح مواقفهم بشكل واضح بسبب ما حل فيهم من ضعف نتيجة السابع من أكتوبر/تشرين أول، وهذا القطب يفضل “الرؤيا الأمريكية” وهي رؤيا تتحدث عن “سلطة مُتجددة” بدعم قوات حفظ سلام “عربية” وبقيادة “أمريكا” دون ان يكون لها وجود على الأرض، وبحيث يكون ذلك جزء من رؤيا سياسية اكبر تتعلق بالتطبيع وبالذات مع “السعودية” وبما يؤدي تدريجيا وعبر المفاوضات إلى قيام “دولة فلسطينية” في غضون خمس سنوات بالحد الأعلى، “رؤيا بحاجة لتدقيق ونقاش لأن السلطة والعرب يُفضلونها رغم أن مخاطرها كبيرة خاصة إذا لم تستند لتوافق فلسطيني فلسطيني، واذا لم تستند إلى جداول زمنية وضمانات دولية وليس أمريكية”.
أما قطب “نتنياهو” فهو واضح، إحتلال “قطاع غزة” بشكل مباشر أو غير مباشر، وبما يستدعي إستمرار العدوان حتى القضاء على آخر “حمساوي” ليس في “غزة” فحسب وإنما في “ماليزيا”…أي أن هذا التحالف يبحث عن حسم الصراع وبما يؤدي للتطهير والتهجير والتدمير بإعتبار أنها فرصة للتخلص من الفلسطيني في “غزة” و “الضفة”، ويتم ذلك بفرض الأمر الواقع، ثم جلب الأمريكي “إنتظار قدوم ترامب للبيت الأبيض” مع حلفاءهم العرب لينفذوا إرادة “نتنياهو”، وبحيث يتم تشكيل قوى أمنية محلية مدعومة عربيا لأجل نقل الصراع إلى فلسطيني فلسطيني، وليس مع قوة الإحتلال.
هذا الإختلاف يندرج في خانة الصراع على هوية دولة إسرائيل، لأن قطب “غالانت” يريد فرض مفهوم أمني وانفصال دون دولة فلسطينية للحفاظ على “يهودية الدولة”، وقطب “نتنياهو” يبحث عن كل ارض “إسرائيل” الممنوحة من “الرب”، ولكنه يريد أولا “الضفة” و “القدس” بشكل تام و “غزة” تحت السيطرة الأمنية المباشرة أو غير المباشرة، حيث سيتم ضمها بعد تطهير سكانها وتهجيرهم، لأنهم يَعتبرون أن هذه هي الفرصة التي يجب إغتنامها.
إذا الخلافات الداخلية في “إسرئيل” مرتبطة بطبيعة الصراع الداخلي الذي حكمها قبل السابع من أكتوبر/تشرين اول، بما يؤسس لاحقا لتطوره أكثر، خاصة مع إصرار قطب “نتنياهو” على إغتنام الفرصة التي يراها إستراتيجية لتحقيق اهدافه المستحيلة، ويبدو أن الإصرار على ذلك سيؤدي حتما لعكس ما تشتهي سفنه.
قطب “نتنياهو” هو الأقوى في النظام السياسي لدى الكيان، وهو الذي يحصل على تفويض شعبي لإستمرار المعركة حتى تاريخه، لكن هذا القطب يأخذ بإتجاه ليس “عدم هزيمة حماس وفقد مصر” كما يقول الجنرال “إسحق بريك” الملقب بِ “نبي إسرائيل”، وإنما إلى أبعد من ذلك بكثير، إلى الهاوية العميقة التي لا يمكن الخروج منها، هاوية “النبذ” و “العزلة” إقليميا ودوليا، بل وأكثر من ذلك نحو جغرافيا جديدة ومعادلات جديدة ترسمها المقاومة ومحورها والتضحيات العظيمة التي قدمتها ولا تزال على طريق “القدس”، خطوة تؤدي كما قال الجنرال السابق في غرفة عمليات الجيش “يسرائيل زيف”: ” إلى هزيمة سياسية لإسرائيل” ف “إسرائيل بلا صفقة تبادل للأسرى ستؤدي إلى بقاء “حماس” وستضطر في النهاية إلى إنهاء الحرب”، لذلك يرى الجنرال “زيف” أن على “نتنياهو” أن يختار “إما بن غفير وسموتريتش والهزيمة، وإما صفقة تبادل أسرى والإنتصار”، لكن من الواضح أن السيد “نتنياهو” رئيس الوزراء صاحب النفوذ والقرار قد إتخذ الموقف وأعلنه بشكل واضح وهو “إحتلال غزة” وفرض السيطرة الأمنية المباشرة عليها بشكل مؤقت كما يدعي، لكن حقيقة الأمر “نتنياهو” يريد أن يقول أن سبب الفشل في تحقيق الأهداف “الإسرائيلية” هو “الجيش والجهاز الأمني وليس المستوى السياسي” في محاولة منه للتنصل من المسؤوليات المترتبة عليه في “السابع من أكتوبر/تشرين أول”.
واضح أن ما كتبه الكاتب الإسرائيلي “زئيف معوز” في “هآرتس” هو الذي سيتحقق وسيوصم دولة “إسرائيل” بوصمة عار أبدية، حيث قال: ” حرب غزة ستسجل في تاريخنا عار الهزيمة الأكثر خزياً على مر السنين وهذا دون أخذ بالإعتبار أيضا فضيحة السابع من أكتوبر/تشرين أول”، ويأتي ذلك كله في خضم التضامن الدولي مع “غزة” والقضية الفلسطينية، حيث حرب الإبادة التي يقوم فيها جيش الكيان الصهيوني كشفت الوجه الحقيقي لذراع الرأسمالية المتوحشة في منطقة “غرب آسيا”.
إذا الخلافات القائمة في الموقف “الإسرائيلي” ليست على رفض مبدأ قيام دولة فلسطينية، وإنما على طريقة التعامل والتصرف الذي يؤدي لمنع قيامها من جهة، ومن الجهة الأخرى على الأولويات التي تتحدد ب “الأسرى” و طبيعة العلاقة مع الحليف الإستراتيجي “الأمريكي” وما يترتب على ذلك من عدم إحتلال “غزة” بشكل مباشر، الخلافات نابعة من ظهور فرصة حقيقة تؤدي إلى قيام “دولة فلسطينية” لذلك يطرح كل “قطب” رؤيا تقطع الطريق على ذلك، حيث “نتياهو” ومعه “سموتريتش” و “بن غفير” يرون بفرض الأمر الواقع الذي سيضطر الآخرين لتغيير أولوياتهم من رؤيا “الدولة الفلسطينية” إلى التعامل مع الواقع الجديد المفروض، في حين قطب “غالانت” يرى أن من سيجهض مفهوم “الدولة الفلسطينية” هي الرؤيا الأمريكية والتي جوهرها إدارة الصراع وثبت جدواها منذ إتفاقيات “أوسلو” عام 1993 وتحت باب قيام “دولة فلسطينية” يكون فقط عبر المفاوضات بين الطرفين.
أما عن الموقف الفلسطيني
حتى الآن هذا الموقف لم ينضج بعد ليصل إلى درجة وجود خطة فلسطينية شاملة لما بعد الحرب على “غزة”، فلا زال المرتهن للموقف “الأمريكي” يتعاطى مع سياساتها ويرى فيها المُنقذ ليس للقضية كما يبدو ولكن لسلطته وحكمه، مبررا ذلك بأن هناك توجه “أمريكي” ناتج عن موقف “المملكة العربية السعودية” ويقضي بربط “التطبيع” مع رؤيا “الدولة الفلسطينية”، ولم يصل حتى الآن إلى قناعة بأن المُعطل لقيام الدولة الفلسطينية وفقا لقرارات الشرعية الدولية هي “الولايات المتحدة الأمريكية”، وأن كل ما تقوم فيه ليس سوى “إدارة الصراع” بما يتعلق بالقضية الفلسطينية لتحقيق رؤيا “التطبيع” وخلق أحلاف عربية-اسرائيلية، لكن المعطل لهذه الرؤيا هو موقف “نتنياهو” وحكومته الرافض لمجرد ذكر مصطلح الدولة الفلسطينية في أي خطة قد تُطرح.
في حين قوى المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة “حماس” همها الأول والأخير هو وقف العدوان المُستمر على قطاع “غزة” والذهاب نحو صفقة تبادل للأسرى مُشرفة، وترك ما بعد الحرب ليكون قرار فلسطيني فلسطيني بإمتياز وبما يؤدي إلى تحقيق المصالح الفلسطينية وبالذات لأهلنا وشعينا في قطاع “غزة”، أي أن التوافق يجب أن يستند إلى تلك المصالح، وهذا يُشير للمرونة في إستعدادات حركة “حماس” للتخلي عن الحكم والسلطة في قطاع “غزة” وبما يؤدي لتولي حكومة “توافق وطني” لمرحلة إنتقالية بمرجعية “منظمة التحرير الفلسطينية” الشاملة للكل، ومن ثم إجراء إنتخابات جديدة بعد فترة زمنية مُتفق عليها تؤدي لإختيار قيادة فلسطينية جديدة.
عدم التوافق على برنامج فلسطيني واحد يُعتبر السبب الجوهري الذي يمنع من إعتنام الفرصة الذهبية التي ظهرت على مستوى العالم والتي تؤيد بشكل كامل قيام “دولة فلسطينية”، ومن يتحمل المسؤولية عن ذلك أؤلئك الذين لا زالوا يعملون ويتصرفون بإملاءات “أمريكية”، ولا زالوا يُصدقون أن “البيت الأبيض” يدعم فكرة ومفهوم “الدولتين” على الرغم من إستخدام “الفيتو” في الإعتراف ب “دولة فلسطينية” في “مجلس الأمن” والذي وحده يُشير أن الموقف “الأمريكي” غير جدي بل هو الذي يعمل على إجهاض قيام أي “دولة فلسطينية”.
حديث ما بعد الحرب على “غزة”، والخلاف “الإسرائيلي” الداخلي، والموقف الفلسطيني، كل ذلك سيبقى مرتهن للميدان، لأن من سيقرر كل شيء هو الذي يحدث في ساحة المعركة، فإما الذهاب نحو خطوات وخارطة طريق تؤدي إلى قيام “دولة فلسطينية” في النهاية، وإما الذهاب إلى “حرب إستنزاف” نهايتها ستكون لصالح الفلسطيني رغم عِظم التضحيات وستؤدي حتما لتغيير مجمل الجغرافيا وليس جزءاً منها، جغرافيا “الدولة الواحدة” بين البحر والنهر وليس الدولتين لأن هناك دائما منطق في التاريخ يعمل بطريقة تكاد تكون عفوية مصححا ذاك الخطأ الذي حدث في صيرورته.