أحمد عبدالوهاب
أمد/ «الكذب»، هو عنوان الإدارة الأميريكية، التي تُظهر أمام الرأي العام العالمي، أنها تسعى لإنهاء العدوان على غزة، وهي محاولة لتخفيف حدة الكراهية تجاه بلاد «العم سام»، بسبب الدعم المقدم من إدارة بايدن، لجيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي لازال يتحدى العالم أجمع، ويضرب بالقوانين الدولية عرض الحائط، بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية تجاه المدنيين في غزة.
منذ عدة أيام، كانت حركة قد أبدت موافقتها على وقف إطلاق النار، بعد جلسات من المفاوضات وهو الأمر الذي التقطه سكان غزة بنوع من الإرتياح وكبادرة لنهاية حرب أكلت الأخضر واليابس، ولكن كان للإحتلال رأي آخر بعد أن زادت حدة الهجمات وغارات على مناطق في مدينة رفح الفلسطينية قبل الاستعداد لدخولها، وتمكن جيش الاحتلال من السيطرة على معبر رفح، وأجبر أكثر من 100 ألف شخص على إخلاء المدينة، الأمر الذي أحبط المسؤولين الأمريكيين، لأن أولئك الذين أمروا بالمغادرة لم يحصلوا على وجهة آمنة وصالحة للعيش. وينظر بعض المسؤولين الأمريكيين إلى هذه التصرفات باعتبارها محاولة من جانب إسرائيل لممارسة الضغط في مفاوضاتها الجارية مع «حماس»، بشأن وقف إطلاق النار الممتد، مقابل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.
وغادر المفاوضون القاهرة هذا الأسبوع، مما أدى إلى تضاؤل الآمال في التوصل إلى اتفاق، لكن مساعدي بايدن يصرون على أنهم ما زالوا يعملون على التوصل إلى اتفاق، والذي يعتبرونه الطريقة الواعدة لإنهاء الحرب. ورغم الضغوط من كافة الاتجاهات، فإن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، لا يزال قادرًا على المناورة، يقابله أيضًا لهجة حادة من ذوي الأسرى، على نحو يمثل خطرًا على رئيس الحكومة الاحتلال.
ورغم فقدان الثقة المتزايد داخليًا وخارجيًا في جدوى الحرب، لم يرضخ نتنياهو للضغوط، معتمدًا على شبكة الأمان التي يوفرها اليمين المتطرف، الذي يشغل 64 مقعدًا في الكنيست تضمن له عدم سقوط الحكومة، ونجح نتنياهو طوال الفترة الماضية، في إدارة العلاقة مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، رغم كل الخلافات، وحتى حديث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، عن عدم دعم واشنطن عملية كبرى في مدينة رفح دون توفير ضمانات للمدنيين، يعني أن الأميركيين يدعمون عملية تدريجية.
حديث الإدارة الأميركية، عن عدم دعم عملية عسكرية واسعة في رفح يحمل في طياته إشارة أميركية لنتنياهو، بعدم المضي قدما في هذه العملية، ولكن من الواضح أن نتنياهو لا يزال يحاول إظهار أنه قادر على الدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة، والمرونة التي أبدتها إسرائيل في مسألة إدخال المساعدات لقطاع غزة، تعكس خوف قادة إسرائيل من احتمال صدور مذكرات اعتقال دولية بحقهم، وهو الأمر الذي دفع النواب المنتمين للوبي اليهودي في مجلس الشيوخ الأميركي إلى تهديد قادة محكمة العدل الدولية، في تحدي صارخ لكافة القوانين والأعراف الدولية.
احتمال وجود خطة إسرائيلية أميركية لدخول رفح، والبقاء عسكريًا بالقطاع، تتعلق بحجم الضربات التي قد تتعرض لها قوات الاحتلال في غزة، لأن الإصابة مهما كانت بسيطة في صفوفه تزيد من حالة القلق داخل إسرائيل، وقد يقامر نتنياهو بعلاقاته مع بايدن لكنه لن يضحي بعلاقاته مع الولايات المتحدة خصوصًا وأنه رهن تاريخه ومستقبله السياسي بهذه الحرب، وعلى العكس يقامر الرئيس الأميركي بمستقبل الحزب الديمقراطي كله من أجل نتنياهو، خصوصًا مع تزايد الحراك الطلابي المناهض للحرب، والذي يكشف مدى سقوط الإدارة الأميركية أخلاقيًا في نظر هذه الفئة من الشباب.
وأدركت واشنطن فشل نتنياهو عسكريًا في غزة، وتحاول استقطابه إلى مقاربتها التي طرحتها أول الحرب والتي كانت ترفض الاجتياح البري الواسع للقطاع، والاكتفاء بعمليات محدودة، وهو ما يحدث حاليًا بالنسبة لرفح، الأمر نفسه تفعله واشنطن في الجانب السياسي، وتسعى لاستقطاب نتنياهو إلى مقاربتها السياسية والتي تحتم عليه التعامل مع السلطة الفلسطينية وبعض الدول العربية، التي تريد واشنطن أن يكون لها دور في مستقبل غزة.
ومع استمرار جيش الاحتلال في العدوان الغاشم على غزة، والبدء في شن هجمات على مدينة رفح، والتهديد باجتياحها وطالبة السكان بالنزوح، رغم التحذيرات المصرية والعربية، والأممية، قدمت إدارة بايدن عرضًا لإسرائيل بمدها بمعلومات استخباراتية حساسة عن موقع قادة «حماس»، والعثور على أنفاق الحركة المخفية، وأيضًا المساعدة في توفير آلاف الملاجئ حتى تتمكن إسرائيل من بناء مخيمات، والمساعدة في بناء أنظمة توصيل الغذاء والماء والدواء، حتى يتمكن الفلسطينيون الذين تم إجلاؤهم من رفح من الحصول على مكان صالح للعيش فيه.
وقدم بايدن وكبار مساعديه مثل هذه العروض على مدى الأسابيع القليلة الماضية، على أمل إقناع إسرائيل بتنفيذ عملية محدودة وموجهة بشكل أكبر في جنوب مدينة غزة، حيث يحتمي حوالي 1.3 مليون فلسطيني بعد أن فروا من أجزاء أخرى من القطاع.
ليس غريبا أن يقابل العرض الأميركي برفض من رئيس حكومة الاحتلال، والدليل على ذلك، التصعيد الذي يقدم عليه جيش الاحتلال في مدينة رفح، وهو يعكس تنفيذ مخطط الاجتياح ولكن جزئيًا، لتجنب اتهامات الإبادة الجماعية، التي تبدو واضحة أمام العالم أجمع، ولكن جيش الاحتلال يُعلل أسباب الإصرار على اجتياح رفح بتدمير شبكة الأنفاق الواسعة في المدينة، بحجة تمركز العديد من قادة «حماس» بداخلها.
نية نتنياهو في اجتياح رفح وتهجير السكان، ظهرت عندما رد رئيس حكومة الاحتلال على بايدن، الذي صرح بأنه سيمنع نقل الأسلحة إلى إسرائيل، إذا مضت في قرارها الذي يستهدف المراكز السكانية في رفح، فجاء رد نتنياهو بأن إسرائيل ستقف بمفردها إذا لزم الأمر، وهو ما يؤكد عدم موافقة حكومة الاحتلال على أي عروض تقدمها الولايات المتحدة، وعدم الاستجابة لأي ضغوط، وهو ما ينذر بكارثة جديدة للمدنيين الأبرياء في رفح، وتستمر إسرائيل في تحدي العالم، في ظل عدم وجود موقف دول قوي وواضح، للتصدي لجرائمها ومحاكمة قادتها.