صالح عوض
أمد/ هاهي موجة الطوفان الثانية تنطلق بكل عنفوان وعزيمة تهز الارض تحت اقدام المجرمين النازيين في جباليا والزيتون ورفح وخانيونس وجنين وطولكرم ونابلس والخليل بل كل فلسطين تزيح كثيرا من تخذيل المنهزمين وترد بجلاء على ادعاءات المجرمين.. 67 سنة على حدوث نكبة فلسطين و لايزال قادة العصابات الصهيونية مصرين على مواصلة جريمتهم بكل ما استطاعوا فيما هم يتحسسون شروط بقائهم في فلسطين فيصابون بالدوار، ويستمر المعلّمون الكبار في تكسير كل الحواجز الأخلاقية والقانونية الدولية بدعمهم المعلن وغير المنقوص للجريمة وينفقون عشرات المليارات والعتاد والدعم المتنوع وهم يتوجسون من مصير انهيار امبراطوريتهم الشريرة، هذا صحيح فهو يتحرك الي ظروف مختلفة ونحومرحلة تاريخية اخرى فلقد تحولت الفكرة الصهيونية والمشروع الصهيوني والكيان الصهيوني بل والنظام الدولي الى خانة جديدة في التاريخ البشري على حافة الانهيار الحقيقي ليس فقط بفعل قوى خارجية عنه انما بسبب عدم الالتزام ببقائه من قبل الدهاقنة الذين اقاموه للتحكم بالبشرية.
المفاوضات الخبيثة:
لم يكن نتنياهو غافلا عن التغيرات العميقة التي احدثها 7 اكتوبر في عميق وجدان العصابات الصهيونية فلقد أوقع هذا اليوم المجيد هزيمة كبرى في النفس والعقل الصهيونيين وادرك نتنياهو ان هذا اليوم هو أسوأ فعل واجه المشروع الصهيوني وانه لابد من الرد عليه بعنف حتى لو ادى ذلك الى ابادة الشعب الفلسطيني وبابشع الطرق.. نتنياهو كان مخيرا بين اسلوبين اما ان يستجيب للدعوات الدولية فيوقف العدوان وعملية الابادة وهو بها يكون قد انهى روح الكيان والحق به هزيمة نهائية، او ان يستمر في حربه وجرائمه ضاربا بعرض الحائط نصائح اصدقائه وحلفائه الاوربيين والامريكان وهو لذلك يتملص من مفاوضات ترغمه على توقيف الحرب، ويصر ان يحسم المعركة في الميدان ولايهمه كثيرا شأن الاسرى اليهود لانه يدرك ان الخطر الوجودي هو الموضوع الاكثر وجاهة في التعامل معه، هنا تحرك نتنياهو بعكس ما يحاول الاعلام السخيف تقديمه على انه يصر على الحرب خوفا من مساءلات قضائية انه يسير في حرب الابادة لانه يرى ان البديل عنها انهيارات متتالية في الكيان الصهيوني ثقافية وسياسية واجتماعية فلقد أوقع 7 اكتوبر في التحمعات الصهيونية هزيمة ليس ممكنا تجاوزها الا بالقضاء على الوجود الفلسطيني.. اذا لم نفهم ذلك فاننا حتما سنكون كمن يضرب في الظلام على غير هدى.. ولعلنا بقراءة مواقف اعضاء العصابات الصهيونية جميعا ندرك ان قرار ابادة الشعب الفلسطيني محل اجماع واستمرار الحرب مطلب مشترك.. وهذا ما جعل كل الامال في وقف اطلاق نار مجرد وهم.
في هذه المرحلة يخرج الشعب الفلسطيني كما لم يخرج من قبل بكل يقينه وعزمه وحيدا يهتف للحرية من تحت انقاض بيوته ومع نزف جراح ابنائه وفي لملمة اشلاء شهدائه وقد استقر في وجدانه ان احرار العرب التقطوا طريق العزة من يمن الكرامة ولبنان النصرة وعراق المجد.. و في الوقت ذاته ينتفض الضمير الإنساني رغم كل التضييق والتشويه والضوضاء وتتحرك الكتلة الطلابية في جامعات بلجيكا وفرنسا وبريطانيا وامريكا وكندا لتقر واقعا جديدا في كيفية تعامل جامعات نكتشف كم كانت مسخّرة للعدوان الصهيوني على ارض فلسطين وشعبها.. فلسطين اليوم تشكل المعامل الاساس لتغيرات عميقة في الخرائط ومستقبل العالم.. هذا من جهة كما أنها تمثل الرد الاول الكبير الحقيقي على النكبة بفتحها جبهة الصدام ليس فقط مع الكيان الصهيوني بل مع كل الادوات التي ولدت معه للتخادم معه والتحالف وهي بهذا تفتح جبهة الانسانية ضد اعدائها الكبار الحقيقيين وهذا ما فهمه النابهون في الغرب وامريكا بالذات عندما راوا في كفاح فلسطين عملية تحررية ليس فقط للشعب الفلسطيني انما للانسان كل الانسان في الارض كل الارض ضد المغتصبين واللصوص والمجرمين الذين سخروا امكاناتهم العملاقة لاستعباد الانسان واذلاله وسرقة ثرواته ومسخ شخصيته وفرض قوانين ومناخات مختلة لتحطيم الانسان.
ما يجري الان في الميدان حيث قاصفات القنابل والاسلحة المحرمة دوليا على المستشفيات والبيوت والمساجد ومراكز الايواء ومن جهة اخرى كمائن المقاومين ومصائدهم وانقضاضهم وجرأتهم الاسطورية.. ان مايجري على ارض الميدان هو المفاوضات الحقيقية وهي التي ستحسم النتيجة..
لقد كانت المفاوضات الاخيرة شاقة ومضنية.. وتم التوصل الى ورقة وافقت على شروطها قيادة العدوان ومن ثم وافقت عليها قيادة المقاومة فاسرعت القيادة الصهيونية الى رفضها وتوجيه الدبابات الى رفح لتفتح جبهة جديدة من الحرب.
يدخل نتنياهو الكيان الصهيوني مغامرة بل مقامرة لن يخرج منها بسلام.. هو يراهن على تحقيق افكار اولها ترحيل الفلسطينيين فان لم يتحقق فتكسيرهم بشكل نهائي وادخالهم حالة مشلولة عاجزة وفي هذه الحالة غير مقبول اي طرف سياسي فلسطيني فلا حماسستان ولا فتحستان كما قال نتنياهو الذي يطلق حربه الكلامية من حين لاخر ضد السلطة الفلسطينية ويتهمها بالارهاب.
من هنا بالضبط تأتي اهمية الانطلاقة الثانية للطوفان.. فبعد ان اعاد جيش العصابات الصهيونية تموضعها خارج غزة وخارج جباليا والشمال وخانيونس وادعت انه استطاعت تفكيك كتائب المقاومة والحاق خسائر فادحة فيها وذلك ليتوجه الى رفح ليعلن من هناك انتصاره على المقاومة ومن ثم يبدأ في تشكيل خريطة اليوم التالي.. هنا كانت حسابات اهل البيدر مختلفة عن اهل الانفاق.. بمجرد ان اعلن ابتداء عمليته في رفح التي تصدى لها العالم كله حتى حلفاءه لم يروا فيها فائدة استراتيجية لكن تصميمه بان يعلن الانتصار من اخر قلاع قطاع غزة يفسر اصراره على اعادة الاحساس بالطمانينة وابعاد الاحساس بالخطر الوجودي من داخل الكيان..
وبمجرد اعلان الحملة العسكرية خرجت جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا والزيتون للميدان بقوة مميزة وبطريقة مختلفة وباساليب لم يتوقعها فكانت المواجهة حاسمة في جعله محل سخرية وانتقادات من كل القيادات الصهيوني وكان الاشهر السبعة الماضية لم تنقص شيئا من قوة اندفاع المقاومة ولا من سلاحها وذخائرها.. مقاومة مقدامة موقعة اكبر الخسائر في صفوف اليات العصابات المسلحة فيكفي ان نقول ان 10 ايام شهدت تدمير اكثر من 100 الية صهيونية..
ما تشهده جباليا والزيتون يعتبر بكل وضوح ملحمة الانطلاق نحو الاستقلال واسترداد فلسطين ولقد اوقعت في نفوس قيادات العصابات الصهيونية اليقين بان هناك خطر حقيقي على الوجود الاستعماري الصهيوني في ارض فلسطين ولقد تسنى لنا قد احدثت مواجهات الزيتون وجباليا في الجنود والضباط الذين ذهب عشرات منهم الى الموت انتحارا كما هرب المئات من ساحات القتال وكما التحق عشرات الالاف منهم الى خانة الاعاقة الدائمة والجرحى والمرضى نفسيا..بالاضافة الى الخسارات على كل صعيد واهمها موجات الرحيل من فلسطين الى كندا واوربا وامريكا.
وهنا لابد من الاشارة لبعض عناصر المشهد التي تفتح الباب على مرحلة جديدة لن يتأخر حضورها كثيرا وكأنها جميعا تتقدم على وقع سيمفونية متكاملة يعلو بعضها على بعضها حينا والعكس محتمل في كل وقت لكنها تتحرك راسمة لوحة مختلفة تماما بشخوصها ومنطقها وافكارها.. اول هذه العناصر السلوك الصهيوني تجاه الشعب الفلسطيني والعالم.
وفيما لازالت الجامعات الاوربية والامريكية تمارس ضغطها رغم مواقف دولها الرسمية تقوم محكمة العدل الدولية باصدار القرارات تباعا لمزيد من نزع الشرعية عما تقوم به العصابات الصهونية من حرب ابادة قتلا وتجويعا وترحيلا.. ويتحرك كثير من الموظفين الاممين ببسالة للتصدي للرواية الصهيونية ولعل ما القاه امين عام الامم المتحدة مؤخرا على العرب في مؤتمر القمة الاخير بعبر بجلاء عن انتظار العالم لموقف عربي يعيد التوازن للعلاقات الدولية في العالم بل لقد ذهب الى ماهو ابعد عندما طرح عليهم برنامج عملي يقوم على الاتحاد والاستفادة من عناصر القوة لدى العرب.. وهنا تتضح لنا اهمية المناخ الذي صنعه 7 اكتوبر المجيد.
هناك وليس ببعيد تتحرك الصين وروسيا مستفيدتان من انهماك الامريكان وخلفهم الاوربيين في الحرب الحساسة الخطرة في فلسطين.. ويستغل الروس الظرف القائم في تحسين شروطه على الارض كما قال يكفي ان 5000 طائرة تجسس اوربية وامريكية انسحبت من سماء الجبهة مع اوكرانيا وذهبت الى المشرق العربي.. ومن الواضح ان التطور الميداني في الحرب الروسية الغربية وصلت مدى حاسم بعد سقوط كثير من البلدات بيد الجيش الروسي والامر اصبح لدى الروس في لحظات الحسم الاخيرة حيث هدد الروس الاوربيين ان وجودهم في اوكرانيا سيكون مستهدفا وهذا يعني ان روسيا قوية قطبية ناشطة ستفرض نفسها على المسرح الدولي قريبا.. اما الصين التي تدرك ان العصابات الصهيونية تلتقي مع الهند في شرق طريق مائي من البحر الاحمر الى شواطيء الابيض المتوسط في محاولة للالتفاف على طريق الحرير الصيني .. هنا تجد الصين اهمية ارباك المخطط الصهيو امريكوهندي.. من هنا بالضبط تتحرك الصين في المحافل الدولية محافظة على موقف تقليدي مناصر للقضية الفلسطينية بل ومبادر بتحرك لاحداث المصالحة بين الفصائل الفلسطينية.. والتنديد بالجرائم الصهيونية.
اما الوضع الاقليمي فانه ليس سهلا اخفاء جملة مخاطر محتملة كما هو حاصل في العلاقة بين مصر والكيان الصهيوني فلقد رفض الجانب المصري ان يكون جزءا من عملية تهجير اهل قطاع غزة الى سيناء كما انه رفض تفصيلات اخرى رغم صغرها الا انها تعتبر مادة اشتباك ومماحكات قد تتطور بخصوص المعبر وتقدم الدبابات الصهيونية في رفح.. مستقبل العلاقات المصرية الصهيونية يمر عبر احتمالات قد تفلت من يد المتحكمين الى نوع من انواع الصدام الامر الذي قد يدفع الى ترتيبات جديدة في المنطقة كما ان تركيا قد انسحبت من التجارة التبادلية مع المنشأت الصهيونية..
اصرار نتنياهو على المواصلة يعبر عن ادراك عميق لديه بخوف من الخطر الوجودي، الا انه فوجيء كما كل الاخرين سواء اعداء ام اصدقاء ام منافقين بحجم قوة المقاومة الفلسطينية في قاطع غزة وكيف انها تتمدد رغم كل الظروف الى الضفة الغربية.. نتنياهو يقود الكيان الصهيوني الى خاتمته المنطقية والطبيعية.. انكسارات وانكسارات في كل صعيد.. ومن هنا تتفتت حجب الليل لتشرق فلسطين بكل فلسطين والله غالب على أمره.