تحسين يقين
أمد/ يقدم الميناء الأمريكي العائم على بحر غزة الطحين، وتقدم الولايات المتحدة السلاح الفتاك لإسرائيل، حيث ينحاز الكونجرس ليس فقط للدعم غير المحدود، بل لعدم مساءلة إسرائيل على ذبح الفلسطينيين في قطاع غزة، فيما تنفذ إسرائيل هجومها الفعلي على رفح، ليبحث أكثر من نصف مليون نازح اليها عن مكان جديد.
منذ اليوم الأول، وسؤال الاحتلال يتكرر، فهو يعرف بعمق أنه دوما كحال “واوي بالع منجل”، وهو يعرف في هذا العمق، أنه ليس فقط الاحتلال الى نهاية، بل العنصرية الكولينيالية كلها الى نهاية.
ولو تتبعنا تاريخنا الفلسطيني تحت الاحتلال، وتاريخ قطاع غزة بشكل خاص، فسنجد الكثير مما يقال، بما فيه فكرة ترحيل جزء كبير منه وبخاصة اللاجئين، ومن ثم ضمه لدولة الاحتلال، خاصة بعد احتلال عام 1967. ثم كان ما يمكن أن يكون حل الدولتين باختزال دولة فلسطين في قطاع غزة، وابتلاع معظم الضفة الغربية، ولربما ظن الاحتلال أنه قد نجح في ذلك، ليفاجأ دوما إنما كل يفعله وهم، وأن الشعب الفلسطيني حيّ.
لذلك فإن التفكير باليوم التالي بعد انتهاء الحرب، يرتبط بما تخطط له دولة الاحتلال، من تفريغ حل الدولتين من مضمونه، ودليل ذلك رفض نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال أن تقوم السلطة الوطنية الشرعية باستئناف وجودها السياسي والإداري في القطاع.
ما الذي يريده نتنياهو؟ لا يريد “فتحستان ولا حماستان”، فأي حلّ يريده؟ الجواب أنه وهو المأزوم، لا يريد حسم أية أمور.
نحن من سنقرر اليوم التالي والأيام التالية، ببساطة نحن الشعب الفلسطيني، نحن من نحكم أنفسنا، ونحن من سنختار من بيننا من يمثلنا، من رجال فلسطين ونسائها، من شبابها وشاباتها، في غزة وفي وطننا.
أما ما تسعى له حكومات الاحتلال من ديمومة إدارة الصراع لا حله، فإنه اليوم الى نهاية، فلا احتلال نهائي، وسيصبح الكيان الإسرائيلي القلق أكثر قلقا وجوديا وأخلاقيا، إذ كيف ستستمر دول العالم بالتعامل مع كيان يحمل صفة دولة احتلال يقوده قتلة بالمعنى الحرفي للعبارة؟ ولعل من يلوح من قادة الاحتلال بإفلاس السلطة الوطنية، لا يحمل أي ودّ ولا نوايا طيبة، وبذلك فقد حكم هؤلاء على فكرة العيش في دولتين بالإعدام.
في اليوم التالي، بعد إتمام صفقة تبادل الأسرى، وخروج الاحتلال من قطاع غزة، سيجد الفلسطينيون دوما طرقا لإدارة حياتهم في كل مكان، وفي غزة، وسيجدون دعما من الأشقاء والأصدقاء، وستنهض غزة العنقاء من رمادها وردمها من جديد.
ولكن، في ذلك اليوم، سيزداد الانقسام في إسرائيل، حيث سيجدون أنفسهم في دائرة اليمين مرة أخرى، وسيطول بحثهم عن أفضل الطرق لبقاء النظام السياسي، ولن يجدونها فعلا، لأن وجودها مرتبط بإنهاء الاحتلال والعنصرية.
سيجد الفلسطينيون أنفسهم معا يبدعون في إعادة التعمير ومقاومة الاحتلال في الضفة الغربية، فيما سيد الأشقاء العرب أنفسهم يعدون للعشرة فيما تبقى من علاقات باردة مع إسرائيل، في حين سيعد آخرون أرقاما كثيرة قبل الموافقة على التطبيع، لأن كل من سيطبع مع الاحتلال القاتل لن يحظى بشعبية شعبه، فلا بد إذن من أن تدفع إسرائيل ثمنا يتمثل بإنهاء الاحتلال لا وقف إطلاق النار على غزة.
رسالة مؤتمر القمة يحمل موقفا واحدا من الاحتلال: إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف. الرسالة قوية اليوم حتى وإن لم يكن مطلقوها بكامل القوة.
ولعل اليوم التالي في الولايات المتحدة، لن يكون كسابق عهده تماما؛ فرياح التغيير قد بدأت، وهي ستفرز مستقبلا غير مضمون لدعم إسرائيل، لأنه ببساطة ستجد الإدارة الأمريكية من تتعامل معه في المنطقة لضمان مصالحها، فلم تعد الحليفة هنا قادرة حتى على حماية نفسها. ولعل إسرائيل تدرك بعمق ما يجري من علاقات تحت الطاولة، فالأمريكيون موجودون في كل مكان، ولهم اتصالاتهم الخاصة السرية، من خلال “دبلوماسيي وراء الكواليس”، من غزة الى بيروت الى دمشق الى صنعاء الى طهران. الأمريكيون لا يهمهم إلا ضمان مصالحهم، وسيمضون بإسرائيل وغيرها، فلا الاحتلال باق، ولا التحالف معه مقدس وخالد.
في اليوم التالي، لن يكون تماما كاليوم الأول، فقد حسمت النظم مواقفها وظهرت على حقيقيها الأصلية لا التمثيلية، كما حسمت الشعوب أمرها؛ فمن سيكون فعليا مع الاحتلال؟
اليوم التالي لا يعني الا المستقبل المتوسط والبعيد، “فلا المكاسب التكتيكية التي ذكرها جالنت في الحرب على غزة، التي يخشى ان تتحول الى خسائر استراتيجية إن أصر نتنياهو عل الحكم العسكري للقطاع الحبيب”، ستحمي الاحتلال الى لا نهاية.
الفلسطينيون منفتحون وما زالوا لأية حلول تضمن الحقوق المشروعة وتضمن الكرامة؛ فلسنا ضيقي الأفق، ولسنا عنصريين، نحن جاهزون لحل الدولتين، وحل الدولة الواحدة، بل وحل الثلاث دول، بل ولحل فدرالي يضم آخرين برضاهم، باعتبار القرب والدم، لكن كل ذلك يتم في ظل ضمان الحقوق والكرامة، أما من سيظن أنه الأعلى، والحاكم للمنطقة، فلا ضمان لاستمر وجوده، ولا ضمان لتفوقه، فسيجد العرب طائرات وصواريخ، فهي ليست مقتصرة على أحد، “وأن زمان نقل الحرب الى أرض العدو” بالمنظور الإسرائيلي، سيجع الحرب القادمة هنا أيضا.
يتحدث الاحتلال عن حرب على رفح قادمة، وهو ينفذها الآن، بل إنه يحارب كالمجنون في قطاع غزة من شماله الى جنوبه. يضرب الاحتلال بعرض الحائط اتفاقياته مع مصر، وتفاهماته مع الولايات المتحدة، فلم يظل له صديق، فمن الذي سيجاهر بصداقة احتلال دمويّ.
لا كلام كثير ولا قليل بمفيد، وآن أن تفعل إسرائيل ما هو مطلوب منها أن تفعله، بدفع استحقاقات السلام القادم، فلا حلّ آخر، ولن يحسم السلام المتطور شديد الانفجار مستقبل الصراع، إلا أذا أخذت حكومة الاحتلال برأي من طالب بضرب غزة نوويا، فعن أي ردع تتحدث إسرائيل من سبعين عاما!
سيكتب التاريخ، إن دولة الاحتلال النووية، سقطت وهي بكامل قوتها العسكرية!