أمد/
تل أبيب: انتقد دانيال هاغاري، كبير المتحدثين باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، الحكومة بعد اشتباكات مع حماس في أجزاءٍ من شمال غزة.
وجاء موقف هاغاري عندما سأله أحد المراسلين عمّا إذا كانت الحركة تمكنت من إعادة فرض نفسها، لأن الحكومة الإسرائيلية لم تنشئ أي إدارة فلسطينية غير تابعة لحماس في تلك المناطق.
القشة التي قصمت ظهر البعير
ووفق تقرير لمجلة "أتلانتيك" الأمريكية، كان نقد هاغاري متواضعاً لكنه شكل القشة التي قصمت ظهر البعير. وتداعت الأمور في خطاب متلفز الأسبوع الماضي عندما وبّخ وزير الجيش يوآف غالانت الحكومة علناً لفشلها في وضع خطة لما بعد الحرب في غزة. ثم طالب نتانياهو بالالتزام شخصياً بحكم فلسطيني للقطاع.
وقال غالانت: "منذ أكتوبر (تشرين الأول) أثيرت هذه القضية باستمرار في مجلس الوزراء، ولم أتلق أي رد. يجب أن يواكب نهاية الحملة العسكرية عمل سياسي. ولن يتحقق ذلك إلا بسيطرة الجهات الفلسطينية على غزة، بدعمٍ من الجهات الدولية الفاعلة، وإقامة بديل لحكم حماس".
وأضاف غالانت أنه من دون استراتيجية سياسية كهذه، لا يمكن لأي استراتيجية عسكرية أن تنجح، وستظل إسرائيل تخوض حرباً مضادة لا تنتهي ضد حماس، تستنزف موارد البلاد العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية.
وتابع غالانت "التردد بحد ذاته قرار. وسيفضي إلى مسار خطير يعزِّز فكرة الحكم العسكري والمدني الإسرائيلي في غزة. وهذا خيار سلبي وخطير لإسرائيل. أدعو رئيس الوزراء نتانياهو إلى اتخاذ قرار، وإعلان أن إسرائيل لن تسيطر مدنياً على قطاع غزة، وأن إسرائيل لن تقيم حكماً عسكرياً في قطاع غزة، وأن البديل الحاكم لحماس في القطاع سيُطرح فوراً". بهذه الكلمات بدأت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية عملياً التمرد على حكومة نتنياهو.
وغالانت ليس الوحيد الذي يضغط على نتانياهو في هذا الشأن. فعلى مدى شهور، دعا الرئيس الأمريكي وإدارته إسرائيل إلى التعاون مع السلطة الفلسطينية لإنشاء إدارة جديدة في غزة. وانضم بيني غانتس وغادي آيزنكوت، وهما قائدان سابقان في الجيش الإسرائيلي تحولا إلى سياسيين معارضين، إلى حكومة نتنياهو بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) بشرط إنشاء لجنة لصياغة استراتيجية الخروج من غزة، ولكن رغم كل هذا الضغط الخارجي والداخلي، لم تنفّذ هذه الخطة لأن نتانياهو لا يستطيع الالتزام علناً بخطة لما بعد الحرب على غزة، تشمل الفلسطينيين.
توطين غزة
عندما وقف الوزير اليميني المتطرف إيتمار بن غفير على منبر مكتوب عليه عبارة "الاستيطان في غزة سيجلب الأمن"، قال أمام حشد كبير إن الطريقة الوحيدة لهزيمة حماس هي "العودة إلى ديارهم" في غزة، وتشجيع "الهجرة الطوعية" لسكانها الفلسطينيين.
وقال شلومو كارحي، اليميني المتشدد في فصيل نتنياهو: "حفاظاً على الإنجازات الأمنية التي ضحّى كثير من جنودنا بأرواحهم من أجلها، علينا أن نستوطن غزة".
وتظهر استطلاعات الرأي أن معظم الإسرائيليين لا يريدون إعادة توطين قطاع غزة. إلا أن نتانياهو وائتلافه مدينون بشكل فريد للأقلية المتطرفة التي ترغب في ذلك. ففي يناير (كانون الثاني) الماضي، حضر 15 عضواً من أصل 64 في الائتلاف الحكومي مؤتمراً في القدس لدعم إعادة توطين غزة.
وحصلت الأحزاب التي تشكل حكومة نتانياهو على 48.4% فقط من الأصوات في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، التي جرت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022. فبدون اليمين المتطرف، لن ينهار ائتلاف الزعيم الإسرائيلي فحسب، بل سيفتقر إلى ما يكفي من الحلفاء لتشكيل ائتلاف في المستقبل بعد انتخابات أخرى.
مأزق سياسي لنتنياهو
ووضعَ ذلك رئيس الوزراء في مأزق سياسي. فإذا التزم بالحكم الفلسطيني في غزة بعد الحرب وبدأ العمل بجدية على إقامته، فسيخسر اليمين المتطرف. وإذا التزم بإعادة توطين غزة، فسيخسر الأغلبية الإسرائيلية والمجتمع الدولي. ولذا قرر نتانياهو عدم الاختيار. ولكن كما قال غالانت بالأمس، فالتردد هو قرار بحد ذاته وله عواقبه.
ويخوض الجنود الإسرائيليون معارك ضارية مع حماس في أماكن مثل الزيتون وجباليا التي سبق أن أخلاها الجيش. وفي ظل غياب أي خطة لحكم هذه المناطق، حقق الجيش الإسرائيلي العديد من الانتصارات التكتيكية في غزة ولكنه مُنِي بهزيمة استراتيجية، إذ عادت حماس لملء الفراغ الذي تركه.
وفي مواجهة ارتفاع عدد الضحايا الإسرائيليين في غزة، والانتقادات الحادة للحملة الإسرائيلية المفتوحة في الخارج، ورفض نتنياهو التحرك، شعر غالانت بأنه مضطر للتحدث علناً.
وخلافاً للاقتباسات والترجمات الخاطئة المنسوبة إلى وزير الدفاع الإسرائيلي في بعض وسائل الإعلام الدولية، لم يدعُ غالانت إلى الإبادة الجماعية في غزة، بل دعا إلى إعادة القطاع إلى سكانه. كما أنه عمل باستمرار على مواءمة الحملة الإسرائيلية مع تفضيلات إدارة بايدن، وليس اليمين الإسرائيلي المتطرف. وفي يناير (كانون الثاني)، دعا إلى أن يحكم الفلسطينيون غزة بالتعاون مع الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة، دون أي مستوطنات يهودية.
ويعتقد غالانت أنه يحمي أمن إسرائيل على المدى البعيد بإنقاذها من مستنقع مدمر. وليس من قبيل المصادفة أن خطابه المثير جاء بعد وقت قصير من تصريح مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان أمام التجمع الصحافي للبيت الأبيض بأنه "إذا لم تُلازم الجهود العسكرية الإسرائيلية خطة سياسية لمستقبل غزة والشعب الفلسطيني، فإن الإرهابيين سيواصلون العودة…".
المسار الإسرائيلي
لا يستطيع غالانت وحده تغيير السياسة الوطنية، لكنه حفَّز هذا التغيير من قبل. ففي المرة الأخيرة التي وجَّه فيها وزير الجيش هجوماً كاسحاً ضد حكم نتانياهو، كان في مارس (آذار) 2023، إذ عارض جهود اليمين المتطرف لإعاقة النظام القضائي الإسرائيلي، محذراً من أن الانقسام الإسرائيلي الداخلي حول التشريع "يشكل تهديداً واضحاً وفورياً وملموساً لأمن الدولة".