بكر أبو بكر
أمد/ في أحد اللقاءات التي عقدناها مؤخرًا دار الحديث عن قضايا محددة ذات صلة بالتنظيم والسياسة، والفكرة مع السياسة، والمعركة والقيادة وما بين التفاؤل والتشاؤم وخيط الحزن وبريق الأمل كان الحوار هامًا، ومنه أقتطف نقطتين الأولى تتعلق بالفكرة الأولية حول الاعتراف الاوربي بدولة فلسطين من كل من إسبانيا والنروج وإيرلندا، فكان لي حالة تأمل افترضت الخلفية النضالية والعسكرية لدى إيرلندا، والخلفية النضالية السياسية لدى النرويج (أوسلو) والخلفية الحضارية لدى إسبانيا (الأندلس) وبغض النظر عن دقة الفكرة الأولية من عدمها، فيمكنني القول بوضوح أن العوامل الثلاثة هي عوامل مركبة هامة للنصر أو التقدم أو تحقيق النجاحات، فلا عمل عسكري مثمر بلا عمل سياسي واضح الأهداف، ولا ثمرة ناضجة بلا عمل سياسي موحد الرؤيا أوبلا عمل سياسي قادر على الاستثمار، كما ان البُعد القيمي والاخلاقي والحضاري مازال بُعدًا ينصت له الكثيرون ويقرّرون ويغيّرون.
أما النقطة الثانية في مساحة اللقاء المذكور فكانت الإجابة على سؤال الشوارع؟
فلماذا الشارع الأوربي والأمريكي (الشمالي والجنوبي) يضجّ نُصرةً لفلسطين وغزة الذبيحة، والشارع العربي-مع بعض الاستثناءات- راكدٌ بلا فعل مثمر؟ ولماذا نحن في فلسطين الشمالية (الضفة) لسنا على مستوى الحدث؟ كما قال السائل؟
حاولت أن أدلو بدلوي ردًا على السؤال: لأقول أن الشارع العربي باعتقادي يعيش حالة الانفصام، بينما الشارع الاوربي (والامريكي) يعيش حالة النهوض وخاصة الطلاب، فيما أن الشارع الفلسطيني الشمالي في حالة انقسام.
الشارع العربي في حالة انفصام بين اتجاهات ثلاثة الأول وهو الرسمي الذي بغالبه يمثل رؤية الحكام وسطوة الدولة حيث لا مكان لفكرة مخالفة، والاتجاه الثاني هو الاستهلاكي الغربي الذي انتصرت به الاستخرابية الغربية على الأمة من حيث الانحشار ما بين الأفكار والتفضيلات على اختلافها وفق الرؤية الغربية فقط، فلا مكان لمبادرة ولا مكان لتغيير ولا مكان لنهضوية حضارية ما دامت الكروش الاستهلاكية ملئَى والعقول مستسلمة. وفي الاتجاه الثالث حيث تجد المشاعر الدينية أو الوطنية الخالصة لكنها التي استخدمت واستُغلت فضائيًا فيما هو حاصل من حالة التهييج والتجييش والتحشيد حول العدوان الفاشي على غزة، ما كتبت عنه فيما سبق، وهي ما يُضعف من مشاعر النُصرة التي تعني العمل الفاعل والمبادرة القيمة والفعل المؤثر في البلد.
في الشارع الأوربي والأمريكي فيما نراهُ وخاصة لدى الطلاب والثوار من المنظمات المختلفة الفلسطينية والعربية واليهودية والغربية الحرة فإن المحرك الرئيس هو نهر الدم الأحمر الفلسطيني الذي غطى وجه الكون، حيث في كل يوم تتكرر “مذبحة صبرا وشاتيلا” بالقطاع.
في غزة ومن فلسطين رأى الثوار بالخارج حالة التناقض الغربي ما بين دعوات حقوق الانسان والواقع المرير، فحين يتعلم الطلابُ في جامعاتهم عن الثورة الامريكية والثورة الفرنسية، وغيرها ربما، وضد العنصرية والإبادة الجماعية والتمييز العرقي وما يعني ذلك من إعلاء قيم الحرية والعدالة والديمقراطية والحقوق لكافة الشعوب يجدون النُظُم السياسية تُمسك عن الانتصار لهذه القيم! وحين يتعلمون عن الاضطهاد الأوربي لليهود الأوربيين وما حصل في المحرقة يجدون ما يشبه المحرقة في فلسطين حيث الكارثة والنكبة العظمى والمذبحة (أو المذابح اليومية) المستمرة من شهور ثمانية ولا رادع للمذبحة لا من القاتل، ولا من داعميه. ويجدون العجرفة والفوقية الصهيونية، وعليه يعلو الصوت الأوربي والامريكي بشماله وجنوبه وخاصة الشبابي للقول: كفى.
في الشارع الفلسطيني بالضفة الغربية تعيش الجماهير عدوانًا صهيونيًا إرهابيًا بكل شيء ضدها ولا مغيث ولسنوات طوال، كما تعيش حالة انقسام ما بين الفكرة والتنظيم والأمل فحيث أن فكرة الثورة والمقاومة والكفاح قد أصبحت مجال فحص ما بين النظرية أو بالاحرى بين النظريات والواقع الكارثي المرعب فإن الاستنتاجات ستقيس بمقاييس جديدة، لم تكن بحسبان واضعي النظريات لمجازر يومية، حيث مجزرة”صبرا وشاتيلا” تتكرر يوميًا لشهور ثمانية في غزة الذبيحة حتى الآن والعالم يتفرج!
إن فكرة الثورة أو المقاومة أو الكفاح بكل الأساليب بما فيها الاعلامية والجماهيرية والدبلوماسية وبالاعلام الاجتماعي والرواية…الخ بتكاملها نعم تحقق النصر والفوز. والثورة أو المقاومة أوالكفاح بفهمها الواسع حيث التعاضد والتنسيق والترابط تحقق الانتقال من مرحلة الى أخرى وتحقق الأهداف.
في السياق التنظيمي-السياسي فإن قوة أي تنظيم سياسي تنطلق من الفكرة والالتزام ومن الانتماء وديمومة العمل، إن قوة التنظيم وفعاليته تظهر في القدرة على صنع الحدث، وإن لم يكن في القدرة على التعامل مع الحدث ضمن آليات عمل تعنى بالخطة والتنفيذ والعطاء الطوعي والمساءلة وبالمبادرة الايجابية مع عقلية النقد والمراجعة والتغيير.
إن فقدان الفصيل او التنظيم السياسي لأصل وجوده وجوهره أو تناسيه لسبب الانتماء فيه يؤدي لتفوق الحزبية أو الفصائلية على فكرة أن فلسطين هي الهدف وإن حياة وحرية الشعب الفلسطيني هو المسعى، وأننا (كمناضلين) خدم أو جنود لتعزيز ثبات ورفعة هذا الشعب على هذه الأرض.
العامل الثالث برأيي الذي يؤثر في الانقسام الفلسطيني بعيدًا عن المفهوم المرتبط بحماس وفتح هو فقدان الإلهام وفقدان القائد أو القيادة الجامعة التي تُلهٍم الآخرين، فتسعي لتحقيق المطلوب منها كتنقية الثوب من جهة، وبسط اليد للأخ، وبكثيف العمل والكفاح، ومحبة الجماهيروخدمتها وحمايتها من قِبل من يتقدمون الصفوف، ما يبث الأمل والشعور بالانجاز.