د. رمزي عودة
أمد/ تعيش إسرائيل في عزلة دولية متصاعدة منذ عدوانها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية في السابع من أكتوبر الماضي. فلقد فشلت إسرائيل في الدفاع عن روايتها المزعومة بشأن هذا العدوان، رواية الدفاع عن النفس المتهالكة، وظهر للعالم بشكل واضح أن هذه الدولة المحتلة استغلت ما حدث في السابع من أكتوبر من أجل الإمعان في سياسة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين. ونتيجةً لإستمرار هذه السياسة حوصرت إسرائيل دولياً، حيث إندلعت مظاهرات إسبوعية مناصرة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في محتلف أنحاء العالم، وإعتصم الطلبة في غالبية الجامعات الأمريكية والأوروبية مطالبين بوقف العدوان الاسرائيلي، ومتهمين إسرائيل بأنها دولة إحتلال وأبرتهايد ومطالبين جامعاتهم بمقاطعة الجامعات الاسرائيلية. وفي جانب المناصرة القانونية والدبلوماسية، إنحسرت شرعية إسرائيل دولياً نتيجةً لقضية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل، والتي رفعتها دولة جنوب أفريقيا وساندتها عشرات الدول الأخرى. وكذلك الأمر بالنسبة لإعلان مدعي عام الجنايات الدولية كريم خان سعيه لإستصدار مذكرة جلب لنتنياهو ووزير حربه. وزاد الطين بله بالنسبة لإسرائيل قيام دول مهمة في الإتحاد الأوروبي بالاعتراف بدولة فلسطين وهي إسبانيا والنرويج وإيرلندا، بحيث أصبح ثلث الدول الأوروبية تقريباً تعترف بالدولة الفلسطينية. وبالنتيجة، تدفعنا كل هذه التطورات الدولية للخروج بنتيجة واضحة جداً، وهي أن إسرائيل تعيش الأن في أسوء مراحلها منذ إنشائها عام 1948، بحيث إتسعت عزلتها. وعلى عكس صورتها الديمقراطية والمتحضرة التي تحاول دائماً أن تظهر بها، غدت أمام العالم دولة محتلة ومارقة لا تحترم القانون الدولي ولا تمتثل لأحكامه.
من الواضح، أن إسرائيل اليوم تعيش في صدمة كبيرة، فهي حتى الأن لم تقتنع بأن بدايات التغير في العالم لم تعد لصالحها، وأن الدول الغربية بما فيها الحليفة لها لم تعد مستعدة لتظهر أمام شعوبها في صورة الداعم اللامحدود لدولة تقتل الأطفال والنساء وتدمر البيوت على رأس ساكنيها. وبدلاً من أن تقوم إسرائيل بتعديل سياساتها العدوانية والإعتراف بالدولة الفلسطينية وتسهيل قيامها، يتبجح قادتها أمام العالم بأنهم قد أنهوا حل الدولتين وأفشلوا إتفاق اوسلو. ليس هذا فقط، بل إن الصهيونية الدينية التي تغلغت في الحكومة والمجتمع الاسرائيليين، تدعو علانية للإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني. وهذا لم يعد سراً، فوزير المالية الاسرائيلي سموتريتش دعا الى إبادة رفح وجباليا والنصيرات، وقام الأخير بالرد على خطوة الدول الأوروبية الثلاثة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية بفرض مزيد من العقوبات على السلطة الوطنية. والغريب أن هذه العقوبات هي نفسها جرائم حرب وتعد إنتهاكاً واضحاً للقانون الدولي وللاتفاقات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي. ومن هذه العقوبات على سبيل المثال: فرض قيود على تمثيل الدول التي إعترفت بفلسطين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإلغاء تحويل أموال المقاصة الى الخزانة الفلسطينية بمعنى قرصنتها، وإنشاء العديد من الوحدات الاستطيانية كلما اعترفت دولة بالدولة الفلسطينية ! إضافةً الى العديد من العقوبات التي تدين إسرائيل نفسها وتضعها في مستنقع جرائم الحرب والسقوط والانهيار.
في الواقع، هنالك عدة عوامل تؤدي الى تسارع وتيرة هذا الإنهيار للدولة العبرية أهمها:
الانقسامات الإسرائيلية العميقة داخل المجتمع الاسرائيلي، في ظل التجاذبات بين العلمانيين والمتدينين، وفي ظل اعادة إنتاج قوة جديدة في المجتمع الاسرائيلي وهي قوة الحريديم مقابل تضاؤل قوة ونفوذ الاشكناز.
فشل الديمقراطية الاسرائيلية في ظل الحسابات الشخصية لقادة الائتلاف الحكومي التي تعي أن لا فرصة حقيقية لها لاعادة فوزها في أي انتخابات قادمة في ظل إرتفاع نسبة الاسرائيليين (حوالي 70%) الذين يطالبون بالدعوة لإنتخابات مبكرة.
تضاؤل مكانة إسرائيل الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، حيث قامت الولايات المتحدة بإنشاء العديد من القواعد العسكرية لها في منطقة الشرق الأوسط بما فيها إسرائيل نفسها، ولم تعد تحتاج إسرائيل كما كان الحال عليه أيام الحرب الباردة.
تزايد ما يمكن تسميته “عبء اسرائيل” على الدول المناصرة تقليدياً لاسرائيل، ولنأخذ على سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية التي قدمت أكثر من 17 مليار دولار لاسرائيل في عدوانها الأخير على قطاع غزة، وأرسلت بوارجها العسكرية للمنطقة ودخلت في إشتباكات عسكرية في البحر الأحمر والعراق والأردن. وكل هذه التكاليف فقط بسبب إسرائيل، وبالنتيجة، هل تستحق إسرائيل كل هذه التكاليف ؟ في الأغلب إن الاجابة ستكون لا، ولكن الانتخابات الأمريكية الرئاسية في نوفمبر القادم ستقدم إجابة واضحة على هذا التساؤل.
في النتيجة لن تكون اسرائيل بعيداً عن المسار التاريخي للدول الثيموقراطية التي تتجه نحو السقوط الى مستنقع السلطوية والفردية، وهذا المسار تنبأ به أفلاطون قبل أكثر من 2500 عام. ليس هذا فقط، ولكن مسار دولة الأبرتهايد في جنوب أفريقيا يحتم سقوط اسرائيل، حيث إنهار النظام العنصري فيها في بداية التسعينات مع تصاعد عزلتها الدولية تماماً كإسرائيل التي تتجه للإنهيار بسرعة كبيرة.