محمد المحسن
أمد/ حصّنوا النّفط.. فالنفط يعرف كيف يقاتل حين تكون الحروب..وقد يحسن الضربة الخاطفة..” (مظفر النواب).
خضع استغلال المصادر النفطية في البلدان المنتجة للنفط في الشرق الأوسط منذ بداية مرحلة التنقيب عن النفط في فترة ما بين الحربين العالميتين لهيمنة الشركات النفطية الغربية طبقا لنظام اتفاقيات الامتياز التقليدية.
وقد كانت الاتفاقيات تنص على دفع ريع منخفض للبلد المضيف،وكانت الشركات النفطية تستبعد البلد المضيف من أي مشاركة في عملية اتخاذ القرارات،وبموجب نظام الامتيازات هذا كانت الصناعة النفطية تعمل كجيب اقتصادي أجنبي بالكامل.
لكن هذا الوضع بدأ يتغير في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم،إلى أن انهار نظام الامتياز في سبعينيات القرن ذاته،لتسيطر حكومات البلدان المنتجة للنفط على صناعة النفط، ومن أهم العوامل التي أدت إلى هذا التغيير في -تقديري-:
– قرارات الأمم المتحدة حول مبدأ السيادة الدائمة على الثروات الطبيعية.
– تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) عام 1960 التي هدفت إلى الدفاع عن مصالح البلدان المنتجة للنفط.
– تأسيس شركات النفط الوطنية في البلدان المنتجة للنفط.
– تأميم الصناعة النفطية في بعض هذه البلدان.
– دخول شركات نفطية من خارج نادي الشركات النفطية الكبرى.
– قيام بعض البلدان المنتجة بتحقيق السيطرة الكاملة على الامتيازات النفطية.
وإذن؟
إن الحديث إذا عن استخدام سلاح النفط العربي ضد الصهيونية قد أثير عام 1947 ومن ثم عام 1956 إلا أن أول استخدام لسلاح النفط كان مع حرب عام 1973.
في هذا التاريخ قررت البلدان العربية المنتجة للنفط في الكويت تخفيض إنتاج النفط وصادراته بنسبة تتراوح بين 10% و25%، وفرض حظر على تصدير النفط العربي إلى الولايات المتحدة لوقوفها إلى جانب إسرائيل.
ومع أن هذا الإجراء-في رائي-لم يحقق الهدف الرئيسي الذي أعلنه وزراء النفط في الكويت المتمثل في خفض الإنتاج حتى انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، فإنه حقق أهدافا أخرى ذات أهمية كبيرة:
– لفت أنظار العالم إلى القضية العربية.
– الإجراءات أفهمت البلدان المستهلكة للنفط أن تتعامل مباشرة مع الدول المنتجة للنفط.
– زيادة أسعار النفط، وازدياد المردود المالي.
– الضغط على دول أوروبا الغربية واليابان باعتبارها أهم الدول المستهلكة للنفط للضغط على حليفتها الولايات المتحدة لممارسة الضغوط على إسرائيل.
– الإجراء كان له مدلول سياسي كبير،إذ يمثل التضامن العربي الكامل.
ما أريد أن أقول ؟
أردت القول أنّ إنّ تدفق النفط بشكل سخي في الدّول النفطية قد مكّن عددا من هذه الأقطار من تجميع فوائض كبيرة تستثمرها في الدول الأكثر تقدما..ورغم الإستهلاك الترفي في هذه الأقطار فإنّها تحقّق معدلا مرتفعا للإدخار وفائضا في ميزان الدفوعات.
فهل أدّى ذلك إلى أن تصبح هذه الأقطار أقل تبعية من غيرها؟ وهل استفادت من علاقاتها النفطية مع الدول المستهلكة للنفط في مجال التعجيل بعملية التنمية والحصول على التكنولوجيا المتطورة لأغراض التصنيع؟ وهل توصلت عملية التنمية العربية في ظل تدفق النفط أن تأخذ أبعادها التاريخية فأرتفع تبعا لذلك-النفط العربي-إلى مستوى التحديات الإنمائية الأساسية التي تجابه الوطن العربي..؟
أم أنّ سوء توزيع الدخل القومي بين الأفراد والجماعات أثمر الرفاء والتحديث للقلة الموسرة والصفوة المميزة،بينما كان نصيب الجماهير الواسعة،البؤس وفتات الموائد وغدت بالتالي وحدها تتحمّل عبء الإنتاج والتنمية..؟
لقد ارتبط التاريخ الإقتصادي والسياسي للمنطقة العربية أساسا بالنفط،إذكان للنفط أكبر الأثر في تشكيل معالم الخريطة الإقتصادية والسياسية للمنطقة العربية وربط مشكلات التنمية العربية ربطا وثيقا بالتطورات الإقتصادية العلمية،وقد ظلّ قطاع النفط منفصلا عن مجرى عملية التنمية في الأقطار العربية النفطية حتى منتصف الخمسينات حيث كانت عمليات الإستكشاف والإنتاج النفطي تجرى وفقا لأهداف ومخططات الشركات النفطية الكبرى وقد نجحت-هذه الأخيرة-في الحصول على إمتيازات عدة مقابل التنقيب على النفط في الأراضي العربية..
والأسئلة التي تنبت على حواشي الواقع:
هل تغيرت اليوم طرائق الإستثمارات النفطية بما يخدم مصالح هذه الأمة ويصحّح مسارها التاريخي..؟
وهل نجحت عملية التنمية العربية بفضل عائدات النفط في الإرتقاء إلى مستوى التحديات التي يمليها العصر؟..
وبسؤال مغاير أقول:
لماذا لم تقم ثرواتنا الطبيعية نحن العرب،وعلى رأسها النفط،بدورها حتّى الآن بشكل فعّال في تحقيق التنمية الشاملة والمتكاملة في الوطن العربي،وفي تأمين التقدم الحضاري والرقي الاجتماعي،وفي القضاء على مظاهر الفقر والتخلّف؟
وكيف يمكن لهذه الثروات أن تقوم بهذا الدور على أفضل وجه؟
إنّ عددا من الأقطار النفطية قد نجح في تجميع فوائض كثيرة تستثمر في الدول المتقدمة،غير أنها لا تعتمد إعتمادا كليا على المعرفة الفنية للدول الصناعية وحسب،بل أنها علاوة على ذلك تجد الأمان بالنسبة لإستثماراتها لدى الشركات الدولية النشاط أو بإستثمار أموالها في أسواق رأس المال لدى الدول المتقدمة،وكلما دعت الحاجة أن تستثمر هذه الأقطار النفطية في دول العالم الثالث فإنّ ذلك لا يتم في معظم الحالات إلا عبر وساطة المؤسسات المالية الدولية إيمانا منها أنّ مثل هذه المشاركة تؤمّن لها استثماراتها بما لا تستطيع هذه الأقطار أن تحققه بذاتها..
وهنا أضيف:إنّ عددا من هذه الأقطار هو من الصغر بما قد يصعب عليها بناء صناعة متوازنة داخل حدودها القطرية أو الإعتماد أساسا على السوق الداخلي للطلب على صناعاتها،إلا أنّ اسهام هذه الشركات الدولية النشاط في تنمية البلاد يجعلها تتخذ دور التابع للرأسمالية الدولية..
إنّ الأقطار العربية التي تتمتّع بفوائض مالية كبيرة مردها النفط،ورغم الإستهلاك الترفي الذي يسودها بإمكانها توظيف فوائضها في التنمية العربية والمساهمة في بناء سوق عربي موحّد ومتكامل يمكن لأقطارها النمو في إطاره،كما أنها بإمكانها إنتهاج طريق يحقّق لها تنفيذ خطط إقتصادية تمكنها من تحقيق معدّل عال ومستمر من التنمية وتصبح تبعا لذلك الأقطار غير النفطية تجني فوائد من تدفق الموارد إليها من الأقطار العربية ذات الفائض..
غير أنّ قرار إبقاء النفط تحت الأرض أو ضخه واستخدام ثروته هو قرار سياسي من الدرجة الأولى،وأي منحى لهذا القرار يكون غير ذي فائدة إذ لم تؤازره وجهة نظر وطنية لها معالمها الواضحة وتصبو لإتخاذ القرار المناسب الذي يخدم أهداف ومصالح الأمة العربية وشعوب العالم الثالث،اليوم وفي المدى المنظور..
لقد حققت البلدان المنتجة للنفط إنجازات إنمائية واضحة،لكن ذلك لا يعني أن هنالك تنميةً حقيقية،فلا يزال اقتصاد هذه الدول يعتمد بشكل مباشر على إنتاج النفط الخام وتصديره، ويعتمد مطلقًا على التجارة الخارجية.
فالتغيرات الإقتصادية والإجتماعية في هذه الدول لم تؤدّ إلى إيجاد بناء إنتاجي قادر على دعم عملية التنمية واستمرارها،فهذه التغيرات لم تؤدّ إلى بناء الهيكل الإنتاجي المادي والبشري، القادر على توليد طاقة إنتاجية مدعمة ذاتيًّا،وقادرة على تحقيق زيادة منتظمة في متوسط الدخل الحقيقي للفرد في المدى المنظور.
بعبارة أخرى،إن العائدات النفطية لم تخدم غرضها كأداة لإكتساب المجتمع النفطي للقدرة التكنولوجية التي هي شرط أساسي لقيام تنمية حقيقية.
ختاما بات من الضروري-في تقديري-التأكيد على حتمية التعاون العربي في ميدان استثمار العائدات النفطية لبلداننا المنتجة،ذلكأن شروط التنمية لم تتيسر لبلد واحد من البلدان العربية، فالذين يملكون الطاقة البشرية تنقصهم الثروة الطبيعية والتمويل،والذين يملكون المال تنقصهم الموارد الطبيعية والطاقة البشرية.
إن الطريقة المجدية الفعالة لإستثمار عائداتنا وتطوير بلداننا،تحتّم قيام تعاون وتنسيق على مستوى الوطن العربي،ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تحقيق مصالح مشتركة بين البلدان المنتجة وسائر الوطن العربي،سواء من الناحية الاقتصادية والمالية،أو من حيث الآثار السياسية أو القومية نتيجة قيام وطن عربي متقدم ومتطور.