مهدي مبارك عبد الله
أمد/ صادقت الهيئة العامة للكنيست ( البرلمان الإسرائيلي ) بتاريخ 29 / 5 / 2024 بقراءة أولية على مشروع قانون لقطع الاتصالات والعلاقات مع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى ( الأونروا ) وإغلاق مكاتبها واعلانها منظمة إرهابية وقد تم تمرير مشروع القانون الذي قدمته يوليا ميلينوفسكي عضو الكنيست عن حزب ” إسرائيل بيتنا ” المعارض بقيادة أفيغدور ليبرمان والذي حظي بتأييد 42 عضوا ومعارضة 6 اعضاء
المشروع يسعى إلى إلغاء الحصانات والامتيازات لسنة 2024 التي تتمتع بها وكالة الأونروا وموظفوها من خلال تطبيق القوانين الأيديولوجية الظلامية والإرهابية العنصرية المتطرفة بحقهم رغم عدم شرعية أي قانون يمرره الكنيست لأن الكنيست ذاته مؤسسة غير قانونية أنتجها وجود غير شرعي لأناس غير شرعيين أقاموا كيان غير شرعي وبذلك فإن قانون الكنيست بتصنيف الأونروا بالمنظمة الارهابية ليس أقلّ حماقة من مسعى حجب الشمس بغربال وهو ما بفضح من جديد فاشية كيان الاحتلال الذي يحاول تجميل قبائحه بأكذوبة وخرافة واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط
التحرك الإسرائيلي العاجل داخل الكنيست جاء بعد تراجع معظم الدول الغربية باستثناء الولايات المتحدة وبريطانيا عن قطع تمويلها للأونروا بعد فشل إسرائيل في إثبات مزاعمها بان موظفي الوكالة ينتمون الى حركة حماس وبعض فصائل المقاومة في قطاع غزة وقد شاركوا في قتل وخطف واغتصاب يهود اثناء عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وأن جهاز التربية التابع للوكالة يدعم الإرهاب والكراهية وهي اتهامات واهية وغير عقلانية خاصة وأن مدارس الوكالة تعلم الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعايش السلمي المشترك وان ادارة الوكالة منذ زمن بعيد ظلت تزود اسرائيل بشكل منتظم بقوائم أسماء موظفيها للتدقيق الأمني ولم تبلغ الحكومة الإسرائيلية الأونروا بأي مخاوف تتعلق بأي واحد منهم وقد سبق هذا القرار المبيت تعرض المقرات التابعة للأونروا لهجمات إسرائيلية متواصلة وإغلاق المعابر في وجه المساعدات الانسانية وتعطيل عمل الوكالة وذلك ضمن سلسلة إجراءات عديدة لإذلال وتجويع الشعب الفلسطيني بعدما اصبحت الأونروا الجهة التي لا غنى عنها لانقاذ حياتهم واستمرار التنمية الإنسانية والاقتصادية في قطاع غزة
الأونروا منظمة أممية تتخذ من حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية المحتلة مقراً رئيسياً لها تعنى بتنفيذ برامج إغاثة للاجئين الفلسطينيين في مجالات التعليم والصحة والإغاثة والتشغيل أنشئتعام 1949 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة ولها مقران رئيسيان أحدهما في فيينا والآخر في عمّان بالإضافة إلى ممثليات في كل من نيويورك وواشنطن والقاهرة والقدس المحتلة وتقدم خدماتها لنحو 5.9 ملايين فلسطيني
وربما تكون الهيئة الدولية الوحيدة المعتدلة في المنطقة وهي ذات سمعة طيبة ومكانة محترمة وتعتبر مفخرة للعمل الإنساني على مستوى العالم ويتعاظم احتياج الفلسطينيين لخدماتها اليوم اكثر من ذي قبل في ظل الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة منذ 7 أكتوبر الماضي والتي خلّفت ما يزيد عن 117 ألفاً بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء ونحو 10 آلاف مفقود وسط مجاعة ودمار هائل
حتى اليوم اسرائيل لا تملك الادلة ولم تثبت ادّعاءاتها بارتباط مؤسّسات وموظفي الأونروا بما تسميه بالإرهاب وهي منظمة مؤسسية تلتزم الحياد وتركز حصراً على دعم اللاجئين وإن التساهل الدولي مع هذا القرار بعد تمريره بهذه الاغلبية الكبيرة سوف يشجع سلطات الاحتلال الاسرائيلية لاتخاذ إجراءات أكثر خطورة ضد المنظمات الدولية والأهلية الفلسطينية وبالتالي ظهور عناصر أكثر تطرفا في غزة وقد آن الأوان للمجتمع الدولي ان يحمي الأونروا من الهجمات السياسية وأن ينظر بجدية لهذا الإرهاب الإسرائيلي المتواصل والتعامل بحزم مع مخاطره الكارثية المنتظرة
قرار الكنيست الاسرائيلي محاولة سافرة لتجريم المنظمة الدولية واعتداء صارخ على القانون الدولي وقد كان متوقع قبل عملية طوفان الاقصى حيث سبقه تصعيدً خطيرً ضد الوكالة الأممية وهو نتاج قرار سياسي يندرج في اطار استمرارًا السياسات والحملة الإسرائيليةباستهداف وكالة الأونروا وتقويض دورها الاغاثي والانساني في فلسطين المحتلة وهو ما يثير التساؤل حول دلالاته وابعاده وما يمكن أن يترتب عليه مستقبلًا في إطاره التشريعي المتزمت ودعمه الرسمي بعد هيمنة اليمين بزعامة نتنياهو على الحياة السياسية في إسرائيل منذ عام 2009 واستمرار الإرهاب الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه وأرضه وممتلكاته ومنازله ومقدساته والذي اصبح ينقسم إلى قسمين أساسيين الأول إرهاب القوانين غير القانونية أصلا والثاني إرهاب عملي وجسماني يتمثل بالاعتقال وهدم المنازل والتعذيب سرا وقمع المقاومة بكل السبل الوحشية
من السخرية بمكان ان يتحدث قادة الإرهاب الاسرائيلي واعضاء الكنيست المتطرفين عما يسمونه بالإرهاب وكأنهم بعيدون عنه وهم يحاولون إلصاقه بالمنظمة الاغاثية الدولية لإخفاء ارهابهم الممنهج وممارساتهم العدوانية ضد الشعب الفلسطيني وفي الواقع لو أردنا أن نحصي ونسجل ما يسمى بالقوانين الارهابية التي تحاصر الشعب الفلسطيني وتمارس عليه محرقة يومية على امتداد مائة سنة والتي سنها وشرعنها بيت الارهاب الاسرائيلي الكنيست سنحتاج إلى سنوات وعدة مجلدات ومحاضر ارشيفية لتوثيقها في ذاكرة التاريخ الفلسطيني في الحاضر والماضي
السلسلة المتوالية من القرارات المجحفة التي يصدرها الكنيست الاسرائيلي ويسمونها قوانين والتي غايتها اضطهاد الفلسطينيين وممارسة العنصرية بكل أشكالها ضدهم تمثل مجمل التشريعات التي يجب ان تعتمدها المنظمات الانسانية والحقوقية لاثبات جريمة الحرب بالمعنى الحرفي للكلمة سيما وأن وجود دولة إسرائيل بذاته يشكل جريمة إرهاب ولصوصية غطت عليها عواصم الدول العظمى كدولة احتلال اقيمت على ارض فلسطين التاريخية ولا عجب أن يصدر الان مثل هذا التشريع عن برلمان دولة استعمارية واستيطانية وعنصرية تواصل باضطراد تكريس منظومات الأبارتيد الأسوأ من سابقاتها في نظام جنوب أفريقيا البائد باعتراف مراقبين كثر على امتداد العالم بينهم عدد غير ضئيل من اليهود والإسرائيليين
في المحصلة انه من غير المستغرب مطلقا إقرار هذا التشريع من قبل برلمان دولة تشكل سياساتها العملية ماكينة نشطة للإرهاب والاجرام وهي تخوض منذ ثمانية اشهر حرب إبادة شاملة ضدّ ابناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لم توفر خلالها وسيلة قتل همجية أو أداة تدمير شامل فضلا عن جرائم التجويع وعدم السماح بدخول المساعدات الإنسانية والعقاب الجماعي والتهجير وحقول الإعدام المفتوحة ومن غير الاستثنائي او الغريب أن يكون هذا التشريع قد حظي بتوافق تامّ بين نواب الائتلاف الحاكم وما يُسمى بالمعارضة على اختلاف تلاوينهم وافتراق آرائهم
الخلاصة ما يعزي كل مؤمن بحق الشعب الفلسطيني باستعادة حقوقه المسلوبة وأرضه المغتصبة هو ان العالم اصبح ينظر الى اسرائيل كدولة مجرمة ومنبوذة لدى المجتمع المدني والنخب الحاكمة في الغرب وقادتها اصبحوا ملاحقين من قبل المحكمة الجنائية الدوليةبمذكرات اعتقال على خلفية الحرب على غزة بتهم تجويع المدنيين والقتل العمد وتوجيه الهجمات عمدًا ضد السكان المدنيين باعتبارها جريمة حرب وابادة جماعية وانها اصبحت غير قادرة على الافلات من العقاب